الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النداء الستون: وجوب ذكر النعم وشكرها وبيان موجب الذكر والشكر لله تعالى
الآيات (9 _ 10 _ 11) من سورة الأحزاب
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
الشرح:
اعلم أيها القارئ الكريم أن هذا النداء الإلهي وإن وجه ابتداء إلى المؤمنين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليذكرهم بنعمة عظمى ليشكروا الله تعالى بذكره وشكره، وذلك بطاعته عز وجل، وطاعة رسوله في العسر واليسر والمنشط والمكره، إلا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وأمر آخر: وهو أن نجاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مما دبر لهم للقضاء عليهم هي نعمة الله تعالى على كل مؤمن ومؤمنة في هذه الحياة، إذ لو هلكوا في حرب الأحزاب ما بلغنا إسلام ولا عرفنا ربنا ولا ذكرناه ولا شكرناه، فالحمد لله على إنعامه وإفضاله حيث رد المتآمرين على رسول الله وأصحابه ردهم خائبين خاسرين. ونجا رسوله والمؤمنون. وإليك بيان هذه الآيات الثلاث التي حواها هذا النداء الإلهي العظيم: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} أي يا من آمنتم بالله ربا وإلها وبمحمد نبيا ورسولا وبالإسلام دينا وشرعا {اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} ، المتمثلة في دفع أكبر خطر قد حاق بكم وهو اجتماع جيوش عدة على غزوكم في عقر داركم وهم جيوش قريش وأسد وغطفان وبنو قريظة من اليهود ألبهم
عليكم وحزب أحزابهم حيي بن أخطب النضرى اليهودي يريد الانتقام منكم؛ إذ أجليتموه عن المدينة وأخرجتموه منها فالتحقوا 1 بخيبر وتيماء.
وقوله تعالى: {إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ} هي جنود المتحزبين من المشركين من قريش وأسد وغطفان، وقوله تعالى:{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا} . وذلك بعد حصار في سفح جبل سلع الجبل وراءهم والخندق أمامهم مدة خمسة وعشرين يوما؛ أرسل الله عليهم ريح الصبا ففعلت بهم العجب حيث أطفأت نيران وقودهم وطبخ طعامهم، وأكفأت قدور طعامهم واقتلعت خيامهم حتى اضطروا إلى الرحيل والهرب، وأرسل تعالى عليهم جنود من الملائكة فأصابتهم بالفزع والرعب الأمر الذي أفقدهم كل رشدهم وصوابهم فرجعوا يجرون أذيال الخيبة المريرة، والحمد لله. وقوله تعالى:{وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً} أي بكل أعمالكم أيها المؤمنون. وذلك كحفر الخندق والمشادات والمناورات التي كانت بينكم وبين عدوكم، وما قاله المنافقون وفاهوا به من أسوأ الأقوال وأقبحها. كل ذلك لم يغيب عنه تعالى منه شئ، وسيجزى به المحسن والمسيء بالإساءة.
وقوله تعالى في الآية الثانية من آيات هذا النداء {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ} أي من الشرق وهم غطفان وأسد بقيادة عيينة بن حصن. قوله: {وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} ، وهم قريش وكنانة أي من الجنوب الغربي، وهذا تحديد لساحة المعركة وسبحان الله العليم الخبير وقوله تعالى:{وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ} أي مالت عن كل شئ فلم تبق تنظر إلا إلى القوات الغازية وذلك من شدة الخوف. وقوله تعالى: {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} أي ارتفعت بارتفاع الرئتين فبلغت منتهى الحلقوم، وذلك من شدة الفزع والخوف قد يكون هذا من بعض المؤمنين لا من كلهم وهو كذلك وقوله تعالى:{وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} أي المختلفة من نصر وهزيمة وسلامة وعطب. وهذا منه تعالى تصوير للحال أبدع تصوير إذ حالهم كانت هكذا حرفيا فسبحان العليم الخبير.
وقوله تعالى في الآية الثالثة من هذا النداء {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ} أي ثم اختبرهم ربهم عز وجل ليرى الثابت على إيمانه الذي لا تزعزعه الشدائد ولا تحيله الفتن ويرى المهزوز الإيمان، السريع الانهزام والتحول وذلك لضعف عقيدته وقلة عزمه
1 أي هو ويهود بنى النضير
وصبره. وقوله تعالى: {وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً} أي أزعجوا وحركوا حراكا شديدا لعوامل: قوة العدو وجنوده وضعف المؤمنين وقلة عددهم، وعامل المجاعة والحصار والبرد الشديد، وما أظهره المنافقون من تخاذل، وما كشفت عنه الحيل من نقض بنى قريظة عهدهم، وانضمامهم إلى الأحزاب1.
هذا ولنعلم أن التذكير بالنعم وبما يجب من شكر للمنعم على إنعامه مما ينبغى أن لا ينساه المؤمن؛ إذ الذي لا يذكر النعمة لا يشكرها، ولنعلم أن نعم الله تعالى على عباده لا تحصى، إذ كل ما أوتيه العبد من صحة بدن وسلامة وعقل، وسلامة معتقد، وصحة دين، وأن هذه النعم تتطلب الشكر من العبد، ومما يساعد على الشكر ذكر النعمة ومعرفة المنعم والشكر يكون بطاعة المنعم وبالتقرب إليه بمحابه. مع تعظيمه وإجلاله وإكباره. ومن باب شكر الله على نعمه أن يذكر العبد الله تعالى بقلبه ولسانه ويصرف النعم فيما من أجله وهبها الله تعالى للعبد، ومن شكر النعم زاده الله منها أفضل وأكثر، لقوله عز وجل {نْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} .
اللهم لك الحمد ولك الشكر فزدنا ولا تنقصنا- وآثرنا ولا تؤثر علينا.
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
1 اقرأ أحداث غزوة الخندق تتجلى لك الحيل، وما كشفت عنه.