الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النداء الخامس والسبعون: في حرمة التناجى بالإثم والعدوان ومعصية الرسول والإذن في التناجى بالبر والتقوى
الآيتان (9 - 10) من سورة المجادلة
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
الشرح:
نادى الله تبارك تعالى عباده المؤمنين بقوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} ، لأن المؤمن بحق حي يسمع النداء ويعي ما يقال له، وذلك لكمال حياته ناداهم ليربيهم روحيا، ويهذبهم أخلاقيا. وكيف لا، وهو مولاهم ووليهم، وهم عبيده وأولياؤه. فقال لهم:{إِذَا تَنَاجَيْتُمْ} لأمر استدعى ذلك منكم، {فَلا تَتَنَاجَوْا بِالْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ} حتى لا تكون حالكم كحال اليهود والمنافقين الذين يتناجون بالإثم أي بما هو إثم في نفسه، كما يتناجون بما هو عدوان على الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه، ومعصية لله والرسول؛ إذ كانوا يتواصون فيما بينهم بعدم طاعة الله والرسول؛ لذا نهى تعالى أولياءه المؤمنين أن يتناجوا {بِالْأِثْمِ} وهو الغيبة وبذاء القول وسيئه، {وَالْعُدْوَانِ} وهو الظلم، {وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ} أي بعدم طاعته في بعض ما يأمر به أو ينهى عنه. فقال عز وجل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ} أي إذا استدعى الأمر مفاجأة بعضكم لبعض في تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول كما هي حال أعدائكم من
اليهود والمنافقين. إذ نزل فيهم قرآن وهو قوله تعالى: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ ....} الآيات ثم بعد أن نهى الله تعالى المؤمنين عن المناجاة المشابهة لمناجاة اليهود والمنافقين، أذن لهم في التناجى بما هو خير وطاعة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم فقال لهم:{وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ} الذي هو الخير بمعناه العام حيث لا لإثم فيه ولا شر والتقوى التي هي طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في أمرهما ونهيهما. ثم أمرهم عز وجل بتقواه فقال: {وَاتَّقُوا اللَّهَ} مشيرا إلى موجبها وهو كونهم يحشرون إليه يوم القيامة فيحاسبهم ويجزيهم بأعمالهم، لذا هم في حاجة إلى تقواه عز وجل بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم لينجوا ويفوزوا يوم القيامة، ينجوا من النار ويفوزوا بدخول الجنة.
ولنستمع إلى حديث أحمد – رحمه الله – عن ابن عمر رضى الله عنهما فإنه يقرر ما تقدم ويوضحه أيما توضيح. قال: حدثنا بهز وعفان قالا أخبرنا همام عن قتاده عن صفوان بن محرز قال: آخذا بيد ابن عمر، إذ عرض له رجل فقال: كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فى النجوى يوم القيامة؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الله يدنى المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره من الناس ويقرره بذنوبه، ويقول له: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه قد هلك قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم، ثم يعطى كتاب حسناته، وأما الكفار والمنافقون فيقول الأشهاد: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين ".
وقوله تعالى فى هذا النداء {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ} أي هو الدافع إليها والحامل عليها من أجل أن يوقع المؤمنين في الغم والحزن، ومن هنا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التناجى فقال:" إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس من أجل أن لا يحزنه ذلك ". وقال صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر في الصحيح: " إذا كان ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الواحد "، وعلى هذا أكثر أهل السلف وعلماء الخلف، فلا يجوز أن يتناجى اثنان دون الثالث ولا ثلاثة دون الرابع، ولا خمسة دون السادس لما يوجده ذلك من غم وحزن وخوف للمؤمن الذين تناجى إخوانه دونه وهم في مجلس واحد، وليس هذا خاصا بحالة حرب
أو خوف بل هو عام في سائر الظروف والأحوال، وفى القرآن الكريم يقول الله تعالى:{لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} 1 حينئذ تجوز المناجاة لأنها في الصالح العام.
وقوله تعالى في نهاية النداء: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ} أي هو الخامل عليها لإيجاد أذى بيت المؤمنين {وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} . أي فلا ينبغى للمؤمن أن يغتم أو يحزن من المناجاة إذا حصلت من يهودي، أو منافق، فضلا عن أن تكون من مؤمن. وليتوكل على الله ويفوض أمره إليه فإنه وليه وحافظه من كل ما يؤذيه أو يسئ إليه.
والعاقبة للمتقين وسلام على المرسلين، والخمد لله رب العالمين
1 سورة النساء: 114