الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النداء السادس الخمسون: في الأمر بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والجهاد ولزوم الإسلام والاعتصام به
الآيتان (77 _ 78) من سورة الحج
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
الشرح:
إنه بعد تقرير العقيدة بأقسامها الثلاثة وهى التوحيد والنبوة والبعث الآخر والجزاء فيه نادى الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين بعنوان الإيمان الدال على كمال الحياة الروحية، وقوة الإرادة العملية ناداهم:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} أي يا من آمنتم بالله ربا وإلها لا رب غيره ولا إله سواه، وآمنتم بمحمد نبيه ورسوله، وامنتم بلقائه وما أعد لأوليائه وما لديه لأعدائه. {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} أي لربكم وحده فأطيعوه فيما يأمركم به وفيما ينهاكم عنه {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} وهو كل ما انتدبهم ربهم إليه ورغبهم فيه من أنواع البر وضروب العبادات ليتأهبوا بذلك للفلاح الذي هو الفوز بالجنة بعد النجاة من النار الدال عليه {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} . وخص من الصلاة الركوع والسجود من بين أركانها لأنهما أشرف أجزائها وأدلها على خضوع العبد لربه وذلته له سبحانه وتعالى كان هذا ما دلت عليه الآية الأولى.
أما الآية الثانية وهو قوله تعالى لهم {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} . فإنه آمرهم بأمر عظيم إذ الأمر الأول في تأثيره في أرواحهم بالتطهير والصفاء أكثر من
تأثيره في أبدانهم وأما هذا الأمر فإنه ذو تأثير أعظم في الأرواح والأبدان معا، إنه جهاد أعدائه تعالى وأعدائهم، وهم الكافرون والمشركون والمنافقون، وهذا يتطلب بذل الأموال والأرواح كما هو جهاد الشيطان الذي لا يبرح يزين الشر، ويقبح الخير، يدعو إلى الخبث ويصرف عن الطهر حتى يهبط بالعبد إلى أسوأ الدركات في الخبث والشر والفساد، كما هو جهاد النفس المارة بالسوء، اللوامة عن فعله بعد أن نخضع العبد لفعله وهذا في مرحلة جهادها إلى أن تنهزم وتقهر فحينئذ تطيب وتطهر وتصبح المطمئنة التي لا ترتاح ولا تسعد إلا على ذكر الله تعالى وشكره بأنواع العبادات والقربات.
وقوله تعالى: {حَقَّ جِهَادِهِ} إنه بذل الطاقة البدنية والعقلية واستفراغ الجهد كاملا نفسا ومالا ودعوة في سبيل إعلاء كلمة الله تعالى وحده، دل على هذا قوله تعالى:{وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ} أي في سبيل إعلاء كلمته ونصرة أوليائه، على أنفسهم الأمارة بالسوء وعلى الشيطان المزين للباطل المقبح للحق، وعلى أعدائهم وهم الكفار والفجار الذين لا يريدون أن يعبد الله وحده، ولا أن يعز ويطهر أولياؤه. ولما كانت طاقة العبد محدودة ذكر أولياءه بأنه لا يكلفهم ما يوقعهم في الحرج الذي هو الضيق الذي لا يقدر العبد على اجتيازه ولا الخروج منه، ومن مظاهر رفع الحرج أنه تعالى1 فتح لهم باب التوبة من أذنب منهم ذنبا فليتركه نادما على فعله مستغفرا ربه فإنه يقبل ولا يرد. ومن رفع الحرج رخص للمريض والمسافر في الإفطار حال مرضهما أو سفرهما، ورخص للمريض أن يصلى قاعدا أو على جنب أو مستلقيا على حسب قدرته. ورخص للمريض والأعمى والأعرج في عدم الخروج إلى الجهاد في حال التعبئة العامة ورخص لمن لم يجد الماء أو عجز عن استعماله أن يترك الغسل والوضوء ويتيمم بالتراب ويصلى هذه جملة من رفع الحرج على أولياء الله المؤمنين.
وقوله تعالى: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} . حث منه تعالى لعباده المؤمنين على أن يلزموا ملة أبيهم إبراهيم عليه السلام، إذ هو أبو إسماعيل وإسماعيل هو أبو العرب المستعربة الذين منهم سيد الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم حظهم وحثهم على لزوم عبادة الله تعالى وحده بنا شرع، وترك الشرك والبدع. بقوله:{مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} أي ألزموها ولا تخرجوا عنها فتتركوها وتستبدلوا بها غيرها فإنها هي مناط عزكم وشرفكم، ومدار سعادتكم في الدنيا والآخرة. وذكرهم سبحانه وتعالى بشرف آخر أضفاه عليهم وهو
1 هذه الجملة لم تشرح كغيرها نسيانا لا غير / ومعناها: اختاركم لحمل دعوة الله تعالى إلى الناس كافة.
أنه سماهم المسلمين في الكتب الأولى في القرآن الكريم، إذ قال لهم:{هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا} . وعلة هذه التسمية المشرفة الرافعة للقدر والجاه والمنصب. {لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ} لأنه أول من أسلم منكم فهو يغرف الإسلام وأهله لذا إذا إستشهده الرب تبارك وتعالى شهد عليكم. وإذا إستشهدكم أنتم شهدتم على الناس على من أسلم منهم فلبه ووجهه لله فعبده وحده ومن لم يسلم ذلك لله فعبد غير الله تعالى فأشرك وكفر وزاغ وضل وابتدع فضل سواء السبيل وآخر ما ناداهم من أجله ودعاهم إليه هو أن يقيموا الصلاة كما ينبغي أن تقام وما نقام به الصلاة هو:
1-
الطهارة الكاملة برفع الحدث بالوضوء إن كان أصغر، وبالغسل إن كان أكبر، وطهارة البدن والثوب والمكان الذي يصلى فيه العبد من النجاسات كالبول والعذرة والدم.
2-
أن تؤدى في أوقاتها المعلومة، فلا تقدم ولا تؤخر إلا لعلة سفر أو مرض.
3-
أن تؤدى في جماعة المؤمنين. لا انفراديا إلا في ضرورة قصوى.
4-
الإتيان بأركانها وهى قراءة الفاتحة في كل ركعة، والطمأنينة شفى الركوع والرفع منه وفى السجود والجلوس مع اعتدال الأعضاء في ذلك كله1.
5-
مراعاة سننها وآدابها. حتى تصبح قادرة على إنتاج الطهر والصفا للروح. هذا معنى إقام الصلاة وأن يؤتوا الزكاة ويعتصموا بالله، بمعنى يتمسكوا بدينه الإسلام وما حواه من الشرائع والأحكام وآداب وأخلاق، إذ هو سبحانه وتعالى مولاهم والمولى يجب أن يحب ويعظم ويطاع، فهو حينئذ نعم المولى لهم ونعم النصير، لأنهم أحبوه وعظموه وأطاعوه.
(تنبيه) القارئ لهذا النداء ولما سبقه من آيات إذا كان متطهرا إذا قال {لعلكم تفلحون} خر ساجدا مسبحا، ثم يرفع رأسه مكبرا ويواصل قراءته لما بقى من الآيات. إذ هذه سجده من سجدات القرآن، إلا أن هذه السجده مختلف في مشروعيتها ولم يجمع عليها كما أجمعوا على سجدة الأعراف. والرعد ومريم وأولى الحج، والفرقان، والنمل، والسجدة وفصلت، والنجم، والانشقاق، والعلق، واختلف أيضا في سجدة ص، والنجم.
فلنذكر هذا والله المسؤول أن يبلغنا المأمول في رضاه والنزول بجواره في دار السلام.
وسلام على المرسلين والخمد لله رب العالمين.
1 والركوع، والسجود، والقيام للركوع، والجلوس، والسلام هذه أركان فى الصلاة.