الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النداء الثالث والأربعون: في وجوب الإشهاد على الوصية وجواز شهادة غير المسلم على الوصية إذا تعذر وجود المسلم
الآيات (106 _ 107 _ 108) من سورة المائدة
أعوذ بالله الشيطان الرجيم
الشرح:
اعلم أيها القارئ الكريم أن هذا النداء الإلهي يحمل هداية وإرشادا للمؤمنين يحل مشكلة عويصة قد تحدث لبعضهم في يوم من الأيام وهذا بيان ما تضمنه النداء الجامع لثلاث آيات من كتاب الله.
الأولى: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} أي يا من آمنت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا ورسولا {شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} أي ليشهدا {اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} أي من المسلمين على وصية أحدكم إذا حضرة الموت، وعنده ما يوصى به من مال
وحقوق، هذا في الحضر أما إذا كان أحدكم مسافرا وحضره الموت، ولم يكن معه في سفره مسلم، وإنما معه كفار فقط فلشهد الكافر للضرورة. وإن حصل ريب وشك في صحة ما شهدا به المؤمنان أو الكافران فأحبسوهما أو أوقفوهما بعد صلاة العصر فيقسمان لكم بالله، فيقولان في قسمهما والله: لا نشترى بإيماننا ثمنا قليلا ولا نكتم شهادة الله لأنا نكون حينئذ من الآثمين ونحن لا نرضى الإثم لأنفسنا، هذا إن حصل لكم ريب وشك في شهادتهما سواء كانت الشهادة في الحضر أو السفر إلا أنها في السفر أقرب لحصول الريب والشك في صحة شهادة الشهود وإن وجد عند الشاهدين اللذين شهدا وحلفا على شهادتهما إن وجد عندهما خيانة وكذب بما ظهر من آثار ذلك فليحلف منكم آخران يردان شهادة وحلف الأولين كما قال تعالى:{فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ} أي الأحقان بالشهادة فيحلفان قائلين لشهادتنا أحق من شهادتهما أي لإيماننا أصدق وأصح من إيمانهما، وما اعتدينا أي عليهما باتهام باطل وكذب مفترى، لأنا لو فعلنا ذلك لكنا من الظالمين، إذ فال تعالى عنهما:{وَمَا اعْتَدَيْنَا} أي في إيماننا إنا إذا من الظالمين.
والثانية: قوله تعالى: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ} أي ما شرعه تعالى لكم من الإشهاد والإيمان على الشهادة، وقيام شاهدين لرد شهادة المرتاب فيهما لا سيما إذا ظهرت علامة عدم صدقهما أقرب أن يصدق الشهود في شهادتهما وفى إيمانهم.
والثالثة: قوله تعالى: {أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ} أي وأقرب أيضا إلى أن يخاف الشهود أن ترد أيمانهم إذا هم حلفوا، فهم لذلك لا يكذبون خوف الفضيحة أن تلحقهم.
والرابعة: قوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ} أي خافوه أيها المؤمنون، فلا تخرجوا عن طاعته بترك أوامره أو بغشيان معاصيه {وَاسْمَعُوا} أي ما تؤمرون به واستجيبوا لله فيه. ومن ذلك قبول هذا التوجيه الإلهي في وجوب الإشهاد على الوصية عند الوفاة وجواز إشهاد غير المسلم في حالة انعدام وجود المسلم كما في السفر. ثم إن حصل ريب وشك في الشهادة فليقم اثنان ذو عدل منكم ويردان الشهادة بإيمان
…
وإن حصل أيضا بعد الإشهاد والحلف ظهور علامة خيانة وكذب في الشهادة فليقم آخران يردان الشهادة ويعطيان الحق المطلوب.
والخامسة: قوله: {وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} أي إلى ما فيه خيرهم وسلامهم وسعادتهم وكمالهم، لأنهم خبسوا أنفسهم ودنسوها بالذنوب والآثام. ألا فلنحذر الغش وهو خروج عن طاعة الله وطاعة رسوله. ومن الفسق ما هو كفر، ومنه ما هو من كبائر الإثم والفواحش فلنحذره إذ كله مانع من هداية الله؛ إذ العبد إذا توغل في الشر والفساد يصبح غير أهل لطلب الهداية بالتوبة والإستقامة، ومن ثم يحرم هداية الله تعالى.
وأخيرا إليك أيها القارئ والمستمع حادثة حدثت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيها نزلت هذه الآيات الثلاث فتأملها فإنها تزيدكم فهما وفقها ومعرفة لما تضمنته الآيات الكريمات: عن تميم الدارى قال برئ الناس منها غيري وغير عدى بن بداء، وكانا نصرانيين يختلفان إلى الشام قبل الإسلام فآتيا الشام لتجارتهما، وقدم عليهما مولى لبنى سهم يقال له بديل بن أبى مريم بتجارة معه جام1 من فضة يريد بها الملك وهو أغلى تجارته فمرض فأوصى إليهما أن يبلغا ما ترك أهله. قال تميم فلما مات أخذنا ذلك الجام فبعناه بألف درهم، واقتسمناه أنا وعدى، فلما قدمنا إلى أهله فدفعنا إليهم ما كان معنا، وفقدوا الجام فسألونا عنه فقلنا ما ترك غير هذا، وما دفع إلينا غيره قال تميم فلما أسلمت بعد قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة تأثمت من ذلك فأتيت أهله فأخبرتهم الخبر ودفعت إليهم خمسمائة درهم، وأخبرتهم أن عند صاحبي مثلها فوثبوا عليه فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يستحلفوه بما يعظم به على أهل دينه فحلف فنزلت {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} .. إلى قوله تعالى:{فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا} فقام عمرو بن العاص ورجل أخر منهم فحلفا فنزعت الخمسمائة من عدى بن بداء. رواه الترمذى وابن جرير وضعفه الترمذى وله شواهد وهو موافق لما تضمنته الآية.
والحمد لله رب العالمين الهادى إلى الصراط المستقيم
وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
1 الجام: كأس من ذهب أو فضة.