الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النداء الثامن والعشرون: في وجوب الوفاء بالعهود وفى المنة بحلية بهيمة الأنعام إلا ما استثنى منه
الآية (1) من سور ة المائدة
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
الشرح:
ينادى الرب تبارك وتعالى عباده المؤمنين به وبلقائه، وبرسوله، وبوعده لأوليائه، وهم أهل طاعته، وبوعيده لأعدائه، وهم أهل الكفر به والفسق عن أمره، يناديهم بعنوان الإيمان، لأنه يريد أن يكلفهم بما لا يقدر عليه إلا المؤمنون لكمال حياتهم بإيمانهم وولاية ربهم. فما الذي كلفهم به يا ترى؟ والجواب أيها القارئ الكريم والمستمع المستفيد إنه كلفهم بأمر عظيم ألا وهو الوفاء بالعقود والعهود وأولها الوفاء بالعهود، التي بينهم وبينه سبحانه وتعالى؛ إذ قال تعالى من سورة النحل:{وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ....} وقال من هذه السورة (المائدة){وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} فنعمة الله تعالى هي الإيمان به، والإسلام، والإحسان، وميثاقه تعالى الذي أخذه عليهم هو أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا. فكل من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله فقد قطع لله تعالى على نفسه عهدا وميثاقا، بأن يعبد الله تعالى وحده، وبما جاء به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من الشرائع والأحكام، وهكذا كل من نذر لله نذرا فقد قطع على نفسه عهدا فليوف به إن كان صياما صام، وإن كان قياما قام، وإن كان رباطا رابط، وإن كان صدقة تصدق، وإن عجز كفر كفارة يمين، واستغفر الله وتاب إليه، ومثل عهود الله تعالى في وجوب الوفاء
بها عهود الناس فيما بينهم، إذ الكل أمر تعالى بالوفاء به لاسيما العهود الموثقة بالإيمان، وما كان متعلقا بحقوق الناس. كحقوق النكاح، والبيع، والشراء، والإيجار، وكالأمانات مطلقا، فمن أؤتمن أمانة وجب عليه أدائها وحرم عليه إضاعتها أو خيانتها، لأمر الله تعالى بذلك كما في قوله تعالى:{ِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} وفي قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}
ولنذكر أيها القارئ في هذا الأمر الإلهي بالوفاء بالعقود ما قاله الحسن البصري أحد سادات التابعين فقد قال: " يعنى عقود الدين "، وهى ما عقد المرء على نفسه من بيع وشراء وإجارة وكراء، ومناكحة وطلاق، ومزارعة، ومصالحة، وتمليك، وتخيير، وعتق، وتدبير، فقد شمل هذا القول سائر أنواع العقود والعهود ألا فلنذكر هذا ولا ننسه وأما قوله تعالى في هذا النداء:{أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ} فإنه تذكير بالنعمة لتشكر ولا تكفر والمراد من بهيمة الأنعام هي الأزواج الثمانية: الإبل، والبقر، والغنم، وهى: ضان وماعز، والكل ذكر وأنثى.
وقوله تعالى: {إِلَاّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} أي تحريمه منها وهو الميتة والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع، إذ جاء هذا في هذه السورة وبعد آيات محدودة. إذ قال تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} أي أدركتم فيه الروح فذبحتموه، {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} وهو ما ذبح لغير الله تعالى، كالذبح للأصنام والأضرحة والقبور أو الجان وما إلى ذلك.
وقوله تعالى في هذا النداء: {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} هو إضافة إلى تحريم ما حرم على عباده المؤمنين من اللحوم الفاسدة المخبثة للنفس الملوثة لها؛ إذ حرم على المحرم بحج أو عمرة أن يصيد، لما في الصيد من اللهو والغفلة عن ذكر الله، وعليه فلا يحل للمحرم أن يصيد ولا أن يأكل ما صاده وهو محرم أو صاده له غيره بأمره له أو برضاه عنه. فما صاده المحرم وما صيد له هو محرم كسائر المحرمات، الأكل مما أنزل الله تعالى في كتابه، أو على لسان رسوله، إذ نهى النبي صلى الله عليه وسلم من أكل كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطيور. وقوله تعالى في هذا النداء العظيم: {إِنَّ
اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} أي يبيح ويمنع، ويحل ويحرم، يبيح ما يريد إباحته، ويمنع ما يريد منعه، ويحل ما يريد حله، ويحرم ما يريد تحريمه، وكل ذلك تابع لعلمه وحكمته ورحمته وقدرته، فلذا الحلال ما أحل الله ورسوله، والحرام ما حرم الله ورسوله ولا يحل لمؤمن أن يحرم ما أحل الله ورسوله، ولا أن يحل ما حرم الله ورسوله.
فلنذكر هذا أيها القارئ والمستمع حتى تقدر على طاعة الله ورسوله بالوفاء بالعقود، ومنها أن نشكر الله تعالى على نعمه، ولا نحرم ما أحل لعباده، ولا نحل ما حرم عليهم ولنفوض ذلك لله الذي يحكم ما يريد لعلمه الذي أحاط بكل شئ وحكمته التي لا يخلو منها شئ، ورحمته التي وسعت كل شئ، وقدرته التي لا يعجزها شئ. ولنقل آمنا بالله. والحمد لله.
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.