الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النداء السادس والأربعون: في وجوب الاستجابة لنداء الله والرسول إذا أمرا أو نهيا أو بشرا وأنذرا. ووجوب اتقاء الفتن بما تتقى به
الآيتان 24 _ 25 من سورة الأنفال
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
الشرح:
لتعلم أيها القارئ الكريم أن الله تعالى ما نادى عباده المؤمنين به وبلقائه ليأمرهم إلا من أجل كمالهم وسعادتهم في الدارين، وذلك لأنهم عبيده وأولياؤه والسيد لا يحب لعبده إلا ما يعزه ويكرمه، والولى لا يحب لوليه إلا ما يسعده ويرفعه وها هو تعالى ينادى عباده وأولياءه قائلا:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} والمراد بالرسول هنا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء وإمام المرسلين، والاستجابة بمعنى الإجابة أي أجيبوا الله تعالى إذا دعاكم ورسوله كذلك. أى إذا دعاكم لاعتقاد أحبه ورضيه فاعتقدوه، وإذا دعاكم لقول طيب، والله لا يدعو إلا إلى طيب فقولوه، وإذا دعاكم لعمل صالح، والله لا يأمر إلا بالصالح فاعملوه ولا تقصروا فيه، وكذلك الحال مع رسوله صلى الله عليه وسلم إذا دعا إلى معتقد أو قول أو عمل تجب الإجابة الفورية إلا في حال العجز فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها. وكذا إذا دعاكم الله لترك معتقد فاسد، أو قول سيئ أو عمل غير صالح فأجيبوه وأتركوا ما أمركم بتركه وكذا الشأن مع رسوله صلى الله عليه وسلم،
وعلة هذا الأمر والاستجابة هي من أجل أن تكملوا في آدابكم وأخلاقكم وتسعدوا في حياتكم بالعز والطهر والصفاء والأمن والخير الكثير، وهذا معنى قوله تعالى:{إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} ، إذ لا يدعو الله ورسوله عباد الله المؤمنين المتقين إلا لما فيه خيرهم وسعادتهم وحياتهم الحياة الطيبة الطاهرة السعيدة في الدنيا والآخرة. وقوله تعالى:{وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} يحمل إشعارا خطيرا وتنبيها عظيما للمؤمنين وهو انه إذا سنحت الفرصة للمؤمن لفعل خير من الخيرات أو عمل صالح من الصالحات عليه أن يقتنصها بسرعة قبل فواتها، لاسيما إذا كانت دعوة من الله ورسوله إلى فعل كذا أو ترك كذا، وذلك لأن الله تعالى قادر على أن يحول بين المرء وما يشتهى، وبين المرء وقلبه، إذ هو قادر على أن يقلب القلب ويصرفه من حيث شاء من خير إلى غير، أو من غير إلى خير، ولنستمع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدعو ويقرر هذه الحقيقة:" اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك " ويقول داعيا أيضا: " اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك ".
أما قوله تعالى في ختام الآية: {وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} يعلم تعالى عباده المؤمنين بحقيقة ينبغي أن لا ينسوها وهى أنهم سيحشرون إليه تعالى يوم القيامة وسيجزيهم بطاعتهم وعصيانهم؛ لذا ينبغي أن لا يترددوا في الاستجابة لله تعالى ورسوله إذا دعاهم لما يحييهم، وهل يدعوهم ربهم وهو وليهم إلى غير ما يحييهم؟ لا والله، وهل يدعوهم رسولهم إلى غير ما يحييهم ويكملهم ويسعدهم؟ لا والله.
أما قوله تعالى في الآية الثانية من هذا النداء السادس والأربعين: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} . فهو تحذير خطير للمؤمنين وفى كل زمان ومكان من أن يتركوا طاعة الله ورسوله بعدم الاستجابة لندائهما ودعوتهما إلى فعل الواجبات وترك المحرمات، لما يترتب على ذلك من انتشار الشر والفساد بصورة يحق بها العذاب وكأن هذا الأمر والنهى المأمور بهما في هذا النداء هما الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وهو كذلك؛ لأن الفتنة لا تعم المجتمع كله صالحة وفاسدة إلا إذا ترك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ويقرر هذا قول ابن عباس رضى الله عنه في هذه الآية: أمر الله تعالى المؤمنين أن لا يقرروا المنكر بين أظهرهم فيعمهم العذاب. وفى صحيح مسلم ما يقرر هذه الحقيقة ويؤكدها فعن زينب أم المؤمنين رضى الله عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلة يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: " نعم إذا كثر الخبيث ". وهذا أحمد يروى في مسنده رحمه الله
تعالى فيقول: عن أم سلمة أم المؤمنين رضى الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا ظهرت المعاصي في أمتي عمهم الله بعذاب من عنده، قالت: قلت يا رسول الله أما فيهم أناس صالحون؟ قال: بلى، قالت: كيف يصنع أولئك؟ قال: يصيبهم ما أصاب الناس ثم يصيرون إلى مغفرة من الله ورضوان ". وكيف لا ينزل البلاء ولا يصيب الأمة العذاب وقد تركت الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. والأمثلة على ذلك كثيرة لا تحصى فأين الأندلس وأهلها، أين ممالك الهند الإسلامية وملوكها أين مسلموا أوربا الشرقية وديارهم تحولت إلى دور لهو وباطل
…
وما ذلك إلا لظهور المنكر من خبث وشر وفساد وتركه حتى عم فنزل العذاب وعم. وأخيرا أيها القارئ والمستمع إليك ما يلي فاعمله:
1-
وجوب الاستجابة لأمر الله ورسوله فعلا وتركا معا.
2-
تعيين فرصة الخير إذا سنحت وإياك والتفريط فيها.
3-
وجوب الأمر بالمعروف إذا ترك والنهى عن المنكر إذا أرتكب وإلا فسيعم الخبث وتهلك الأمة، فلنذكر هذا ولنأمر بالمعروف ولننهى عن المنكر ما استطعنا إلى ذلك سبيلا.
واعلموا أن العاقبة للمتقين وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.