الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النداء الثالث الثمانون: في عرض بضاعة أغلى بضاعة إذ هي الحنة وبيان الثمن المحصل لها وهو الإيمان والجهاد
الآيات (10، 11، 12) من سورة الصف
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
الشرح:
اعلم أيها القارئ الكريم أن هذا عرض وترغيب وتشويق إلى ما يذكر بعده كقول المرء للآخر هل لك في كذا، أو هل لك إلى كذا فالاستفهام في هذا النداء هو أدلكم على تجارة وصفها كذا
…
من هذا الباب وذلك أنهم قالوا: لو نعلم أحب الأعمال إلى الله لفعلناها. فناداهم الرب تبارك وتعالى قائلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} ، أي يا من آمنتم بالله ولقائه والقرآن وما فيه والرسول محمد عليه الصلاة والسلام وما جاء به:{هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ} وهو عذاب الدنيا تسلط العدو عليكم وقهركم، ومن الفقر والخوف. ومن عذاب الآخرة وهو النار وبئس المصير. والعذاب هو كل ما يقطع عذوبة الحياة ولذاذتها، والأليم الموجع أشد إيجاع، بعد هذا الترغيب بين لهم ما يدفعونه من مال ليستلموا البضاعة فقال في بيان الثمن المطلوب للحصول على السلعة الغالية:{تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} أي بألوهيته ولقائه ووعده ووعيده، وتؤمنون برسوله وما جاء به ويدعو إليه صلى الله عليه وسلم، {وَتُجَاهِدُونَ} أي أعداء الله تعالى وأعداءكم وهو كل كافر ومشرك يعلن الحرب عليكم، ويعاديكم ويعادى ربكم سبحانه وتعالى بأن يعبد غيره، ويتبع سبيلا غير سبيله.
وقوله تعالى: {بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} قدم جهاد المال على جهاد النفس، لأن العدة مقدمة على من يحملها في هذا الباب فالمال لإعداد عدة الحرب، والعدة سلاح على اختلافه وطعام وشراب ومركوب للغزاة والمجاهدين، وثنى بجهاد النفس وهو بذل أقصى الجهد والطاقة البدنية وقوله في سبيل الله وقدمه على المال والنفس إذ قال تعالى:{ِوَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} لأن الجهاد إذا لم يرد به إعلاء كلمة الله، فهو لغير الله وهو باطل مذموم والمراد من إعلاء كلمة الله أن يعبد الله وحده ويحكم شرعه في عباده ويرفع الظلم عن أوليائه وهم المؤمنون المتقون وقوله عز من قائل:{ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} يريد تعالى أن الدخول في هذه الصفقة التجارية خير لكم من تركها والإعراض عنها حرصا على بقائكم وبقاء أموالكم مع أنه لا بقاء لشئ في هذه الحياة الدنيا، بعد أن بين لهم الثمن وهو الإيمان والجهاد بين لهم الجزاء فقال:{يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ} وأوقع بيان السلعة موقع الجزاء إذ قوله فى بيان الثمن {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ....} فالفعلان مرفوعان، وفعلا البضاعة يغفر لكم ويدخلكم مجزومان على تقدير: إن تؤمنوا وتجاهدوا يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجرى من تحتها الأنهار على تقدير إن تعطوا الثمن المطلوب تعطوا البضاعة الموضوعة لذلك والمهيأة له.
وقوله تعالى: {وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ} هذا من أجزاء السلعة التي عرضت للبيع بثمن غال ألا وهو الإيمان والجهاد. الإيمان الحق والجهاد في سبيل الله تعالى لا غيره.
وقوله تعالى فى هذا النداء: {ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم} . أي الحصول على السلعة المذكورة بالثمن المذكور هو الفوز العظيم، وخلاصة هذا الربح العظيم الذي لا يعادله ربح، والله إن النجاة من النار ودخول الجنة دار الأبرار مع رضوان الرحمن.
وهنا ربح دنيوي أخر ذكره تعالى في قوله: {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيب} .
وهذا فائدة زائدة عل السلعة وهى نصرهم على أعدائهم وأعداء ربهم وفتح قريب أم القرى وغيرها من عواصم الدنيا.
وختم عز وجل هذا الإنعام والإكراه بقوله: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} أي وبشر يا رسولنا الذين آمنوا بنا وبرسولنا وبدعوتنا بشرهم بحصول ما ذكرناه كاملا غير منقوص. وقد تم لهم كاملا والحمد لله. فقد نصرهم على أعدائهم وفتح لهم مكة وكثيرا من عواصم العالم كعاصمتى الفرس والروم.
وأخيرا اذكر أيها القارئ الكريم ما قد بين لك واذكر أخيرا ما بلى:
1-
فضل الجهاد بالمال والنفس وأنه أعظم تجارة رابحه في هذه الدنيا.
2-
تحقيق بشرى الله للمؤمنين التي أمر رسوله أن يبشرهم بها. فكان هذا دليلا وبرهانا ساطعا على صحة الإسلام وسلامة دعوته. وفوز أهله ونجاحهم إذ هم أقاموا دينا وعبدوا به الله تعالى عقائد وعبادات وآداب وأخلاقا وأحكاما وقوانين ثابتة محققة للأمن والرخاء والصفاء.
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.