الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النداء الحادي الثمانون: في حرمة موالاة اليهود
الآية (13) من سورة الممتحنة
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
الشرح:
اعلم أيها القارئ الريم أن هذا النداء الذي ختمت به سورة الممتحنة هو كالنداء الذي افتتحت به إذ الأول حرم موالاة الكفار والمشركين لأنهم أعداء الله ورسوله والمؤمنين، وحرم في هذا موالاة أهل الكتاب من اليهود والنصارى لأنهم أيضا أعداء الله ورسوله والمؤمنين. والموالاة المحرمة هي النصرة والمودة إذ ليس من المعقول ولا المقبول أن شخصا يعادى ربه الذي خلقه ورزقه وحفظه طوال حياته يعاديه فلا يذكره ولا يشكره، ولا يطيعه في أمر ولا نهى، ويعاكسه شر معاكسه إذ هو يحب كل ما يكره الله تعالى، ويكره كل ما يحب الله تعالى، والعياذ بالله من هذا المخلوق الذي عادى خالقه وتحداه، وحارب رسوله وأولياءه من هنا كانت موالاة الكفار من الذنب العظيم ولا توجد في قلب مؤمن صادق الإيمان محبة عبد يحاد الله تعالى ورسوله والمؤمنين، واسمع قوله تعالى في هذا الشأن:{لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ} 1 أي الذين نفى تعالى وجود مودة لكافر في قلوبهم ولو كان أقرب قريب {كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الأِيمَان} كتابة راسخة ثابتة لا تحول ولا تول {وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} أي ببرهان وهدى ونور. {وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا} أي منها ولا يموتون فيها وزيادة شفى الأنعام عليهم أنه رضى عنهم ورضوا عنه. {أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ}
1 سورة المجادلة: 22.
لا حزب الشيطان إذ طاعته للخمن وليس للشيطان فيها نصيب.
ثم ختم تعالى على البيان بهذا الإعلان فقل: {أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} . أي الفائزون بالنجاة من النار ودخول الجنة دار الأبرار، وحزب الشيطان وهم الكفرة والمشركون والفسقة والمجرمون هم الخاسرون حيث يخسرون أنفسهم وأهليهم يوم القيامة. إذ قال تعالى فيهم:{قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} .
والأن مع هذا النداء الإلهي إذ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} أي يا من أمنتم بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا ورسولا {لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} أي لا تتولوهم بالنصرة والمودة. نهاهم الرب تبارك وتعالى عن موالاة اليهود بصورة خاصة إذ هم الذين غضب الله عليهم، وعلة غضب الله تعالى عليهم هي أنهم عرفوا الحق وأعرضوا عنه، وعرفوا ما حرم اله تعالى وفعلوه وعرفوا الهدى وتركوه واتبعوا الضلال والتزموه فهذه بعض موجبات غضب الله تعالى عليهم.
وقوله تعالى: {قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ} أي من السعادة فيها بدخول الجنة بعد النجاة من النار ويأسهم سببه ما عرفوه من التوراة والإنجيل من قضاء الله وحكمه فيهم وفى أمثالهم ممن عرفوا الحق وأعرضوا عنه، وعرفوا محاب الله وكرهوها، وعرفوا مساخط الله تعالى وأحبوها وأتوها وفعلوها، فلما غرقوا في خضم الجرائم والموبقات من الشرك والكفر واستباحة محارم الله يومها يئسوا من النجاة من النار ودخول الجنة. وشبه تعالى يأسهم بيأس الكفار من أصحاب القبور، هم الذين كفروا يعنى وماتوا على ذلك فإنهم يأسوا من دخول الجنة لأنهم ماتوا على الكفر. وكما يئس أصحاب القبور من العودة إلى الدنيا بعد موتهم وكما يئس أقرباؤهم من عودتهم إلى الحياة بعد موتهم إذ الكل يأس وقنوط. وهؤلاء اليهود المغضوب عليهم يئسوا من سعادة الآخرة بالنجاة من النار ودخول الجنة. كما يئس الكفار من أصحاب القبور، كما بيناه آنفا فاذمره، واستعذ بالله من غضبه وعقابه.
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.