الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النداء الثاني الثمانون: في لوم وعتاب من يقول ولا يفعل، وأن ذلك من موجبات مقت الله تعالى للعبد. وفى بيان حب الله تعالى للمجاهدين في سبيله الثابتين في المعارك
الآيات (2، 3، 4) من سورة الصف
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
الشرح:
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ} هذا النداء نزل في جماعة من المؤمنين جلسوا يتحدثون فقالوا لو نعلم أحب الأعمال إلى الله تعالى لفعلناه. فلما علموه ضعفوا عنه، ولم يعملوا نظير هذا ما جاء في قوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَة} 1 أي جبنوا عن القتال وقعدوا عنه إلا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، إذ المؤمنون فى كل زمان ومكان موجد بينهم من تكون حاله كحال أولئك الذين نزلت فيهم هذه الآيات، والقرآن كتاب هداية وإصلاح، والمؤمنون في حاجة إلى ذلك في كل عصر ومصر. فقوله تعالى:{لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ} أي لم تعدون ولا توفون، فهذا توبيخ وتقريع لكل من يعد ولا يفي. وقد أعلم الرسول صلى الله عليه وسلم أمته أن آية المنافق ثلاث " إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اأؤتمن
1 سورة النساء: 77.
خان " فجعل خلف الوعد من علامات النفاق، فلذا كان قوله تعالى:{لِمَ تَقُولُونَ} استفهام معناه التأنيب والتوبيخ ومثل من يعد ولا يفي أي يخلف ما وعد به من يقول فعلت وهو لم يفعل أيضا إذ قوله تعالى: {لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ} يحمل معنى لم تقولون فعلنا وأنتم لم تفعلوا كقول الرجل قاتلت ولم يقاتل، وطعنت وهو لم يطعن أو أعطيت وهو لم يعط وقوله تعالى:{كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ} أي أن قولكم نفعل كذا ولم تفعلوا مما يمقت عليه صاحبه أشد المقت أي يبغض أشد البغض والعياذ بالله من مقته وبغضه وغضبه.
وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوص} . فيه إشارة واضحة إلى أن الذين وبخهم بقوله: {لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ} . كانوا قد وعدوا بالجهاد، ثم تخافوا عنه ولم يفوا بما وعدوا. كما يحمل إشارة أخرى إلى الذين انهزموا يوم أحد وفروا من المعركة. ولما كان تعالى يمقت أشد المقت المخلفين للوعد العظيم ذي الأثر الكبير كالوعد بالجهاد ولم يجاهدوا فإنه تعالى يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا متراصا لا فرجة فيه حال الزحف كالبنيان المرصوص أي المتلاصق بعضه ببعض لا فرجة ولا خلل بين أجزائه.
ولنستمع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يخبر بضحك الله تعالى إلى بعض عباده الصالحين فيقول: " ثلاثة يضحك الله إليهم: الرجل يقوم من الليل والقوم إذا صفوا للصلاة، والقوم إذا صفوا للقتال "، وكان بعض السلف يكرهون القتال على الخيل ويستحبون القتال على الأرض لقول الله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوص} . وكان صاحب هذا الحديث وهو أبو بحرية يقول: إذا رأيتموني ألتفت في الصف أي صف القتال فجؤوا فى لحى " 1 وهذا عين ما جاء في حرمة تولى المجاهد عن الصف، وخروجه منه لغير سبب يقتضي ذلك إذ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ
1 أي اضربوا، واطعنوا، يقول العرب: وجأ فلانا يجؤه وحئا ووجاء. ينظر المعجم الوسيط (ص 1023) وانظر لسان العرب 1/ 185.
فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} 1
وأخيرا خلاصة هذا النداء ولا ننسه وهى:
1-
حرمة الكذب وخلف الوعد، إذ قول القائل أفعل كذا ولم يفعل، وهو كذب وخلف وعد، ولذا كان قوله من المقت الذي هو أشد البغض، ومن مقته الله فقد أبغضه أشد البغض وكيف يفلح من مقته الله؟
2-
فضيلة الجهاد في سبيل الله وفضيلة الوحدة والاتفاق. وحرمة الخلاف الممزق للصفوف.
3-
اذكر أن الصف في الصلاة يجب رصه بعدم الفرج فيه وأنه مما يحب الله تعالى فنطلب ذلك فى صفوف الصلاة كما في صفوف الجهاد. والله رءوف بالعباد
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
1 سورة الأنفال: 16