المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌النداء التاسع والستون: في حرمة تقديم الرأي عن الكتاب والسنة ووجوب تقوى الله عز وجل - نداءات الرحمن لأهل الإيمان

[أبو بكر الجزائري]

فهرس الكتاب

- ‌النداء الأول: في الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌النداء الثاني: في الاستعانة بالصبر والصلاة

- ‌النداء الرابع: في القصاص والدية والعفو

- ‌النداء الخامس: في فريضة الصيام وآثاره على نفس الصائم

- ‌النداء السادس: في وجوب قبول شرائع الإسلام كلها، وحرمة اتباع الشيطان

- ‌النداء السابع: في الإنفاق في سبيل الله قبل الفوات بالموت

- ‌النداء الثامن: في بيان مبطلات ثواب الصدقة كالمن والأذى والرياء

- ‌النداء التاسع: في وجوب إخراج الصدقة من طيب المال، وحرمة إخراجها من خبيثة

- ‌النداء العاشر: في الأمر بالتقوى وترك ما بقى من الربا

- ‌النداء الحادي عشر: في مشروعية كتابة الديون والإشهاد عليها

- ‌النداء الثاني عشر: التحذير من طاعة بعض أهل الكتاب حتى لا يفسدوا على المؤمن دينه

- ‌النداء الثالث عشر: في الأمر بتقوى الله والموت على الإسلام

- ‌النداء الرابع عشر: في حرمة اتخاذ البطانة من غير المؤمنين، وبيان أثرها السيئ

- ‌النداء الخامس عشر: في النهى عن أكل الربا والأمر بتقوى الله عز وجل

- ‌النداء السادس عشر: في حرمة طاعة الكفار وما يترتب عليها من هلاك وخسران

- ‌النداء السابع عشر: في حرمة التشبه بالكافرين والمنافقين في عقائدهم وسلوكهم

- ‌النداء الثامن عشر: في الأمر بالصبر والمصابرة والرباط، والتقوى رجاء الفلاح

- ‌النداء التاسع عشر: في تحريم إرث النساء ومنعهن حتى يسلمن ما أخذن من المهور

- ‌النداء العشرون: في حرمة أكل أموال المؤمنين بالباطل وحرمة قتل النفس بغير حق

- ‌النداء الحادي والعشرون: في حرمة الصلاة حال السكر وحرمة الصلاة والمكث في المسجد حال الجنابة ومشروعية التيمم للعذر

- ‌النداء الثاني العشرون: في وجوب طاعة الله وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وأولى الأمر من المؤمنين، ورد المتنازع فيه إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسله

- ‌النداء الثالث والعشرون: في وجوب أخذ الحذر من العدو والتصرف بحكمة حال الحرب واشتداد القتال

- ‌النداء الرابع والعشرون: في وجوب التثبت والتبين في الأمور التي يترتب على الخطأ فيها ضرر بالغ عظيم

- ‌النداء الخامس والعشرون: في وجوب العدل في الشهادة وحرمة اتباع الهوى المانع من العدل فيها

- ‌النداء السادس والعشرون: في وجوب الثبات على الإيمان وتقويته والتحذير من ضده وهو الكفر

- ‌النداء السابع والعشرون: في حرمة اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين، والتحذير من ذلك

- ‌النداء الثامن والعشرون: في وجوب الوفاء بالعهود وفى المنة بحلية بهيمة الأنعام إلا ما استثنى منه

- ‌النداء التاسع والعشرون: في تحريم استحلال شعائر الله إلا ما نسخ منها، وفى إباحة الصيد بعد التحلل، ووجوب التعاون على البر والتقوى، وحرمة التعاون على الإثم والعدوان

- ‌النداء الثلاثون: في وجوب الوضوء وبيان كيفيته ووجوب الغسل من الجنابة وبيان نواقض الوضوء وكيفية التيمم

- ‌النداء الحادي والثلاثون: في وجوب العدل في الحكم والشهادة وحرمة ترك العدل من أجل البغض والعداء والأمر بتقوى الله عز وجل

- ‌النداء الثاني والثلاثون: في الأمر بذكر النعم لشكرها وتقوى الله عز وجل، والتوكل عليه سبحانه وتعالى

- ‌النداء الثالث والثلاثون: في الأمر بتقوى الله عز وجل وطلب الوسيلة إلى الله تعالى. والجهاد في سبيله عز وجل

- ‌النداء الرابع والثلاثون: في حرمة اتخاذ اليهود والنصارى أولياء وعلة ذلك والتحذير من موالاتهم

- ‌النداء الخامس والثلاثون: في التحذير من الردة عن الإسلام وبيان صفات المؤمنين الصادقين

- ‌النداء السادس والثلاثون: في حرمة ولاية من يتخذ دين الله هزوا ولعبا من أهل الكتاب وغيرهم

- ‌النداء السابع والثلاثون: في حرمة تحريم ما احل الله من الطيبات وحرمة الاعتداء في الدين

- ‌النداء الثامن والثلاثون: في تحريم الخمر والميسر والأنصاب والأزلام

- ‌النداء التاسع والثلاثون: في ابتلاء الله تعالى عباده المحرمين بالحج والعمرة بظهور الصيد وسهولة صيده

- ‌النداء الأربعون: في حرمة الصيد حال الإحرام وبيان جزاء من قتل الصيد عامدا وهو محرم والعياذ بالله

- ‌النداء الحادي والأربعون: في النهى عن السؤال عما لا فائدة فيه ولا حاجة تدعو إليه والتحذير من عواقبه

- ‌النداء الثاني والأربعون: في الأمر بإصلاح المؤمن نفسه وتطهيرها بالإيمان والعمل الصالح وإعلامه بأنه لا يضره

- ‌النداء الثالث والأربعون: في وجوب الإشهاد على الوصية وجواز شهادة غير المسلم على الوصية إذا تعذر وجود المسلم

- ‌النداء الرابع والأربعون: في حرمة الفرار من صفوف القتال في سبيل الله وأنه من الكبائر الموجبة لغضب الله وعذابه

- ‌النداء الخامس والأربعون: في وجوب طاعة الله والرسول صلى الله عليه وسلم وحرمة معصيتهما، وحرمة التشبه بالمنافقين

- ‌النداء السادس والأربعون: في وجوب الاستجابة لنداء الله والرسول إذا أمرا أو نهيا أو بشرا وأنذرا. ووجوب اتقاء الفتن بما تتقى به

- ‌النداء السابع والأربعون: في حرمة خيانة الله والرسول صلى الله عليه سلم، وخيانة الأمانات، والتحذير من فتنة المال والولد

- ‌النداء الثامن والأربعون: في الترغيب في تقوى الله عز وجل وبيان ثمارها العاجلة والآجلة

- ‌النداء التاسع والأربعون: في بيان عوامل النصر في الجهاد وهى طاعة الله ورسوله، وعدم النزاع ولزوم الصبر، والإخلاص لله

- ‌النداء الخمسون: في حرمة اتخاذ الأقارب أولياء إن هم استحبوا الكفر على الإيمان

- ‌النداء الواحد والخمسون: في حرمة دخول المشركين الحرمين الشريفين ووجوب منعهم من ذلك، ووجوب قتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية

- ‌النداء الثاني والخمسون: في حرمة أكل أموال الناس بالباطل والوعيد الشديد لمن يكنز الذهب والفضة ولا يخرج زكاتهما

- ‌النداء الثالث الخمسون: في وجوب الخروج إلى الجهاد إذا دعا الإمام إلى ذلك وهو ما يعرف بالتعبئة العامة، وحرمة القعود عنه

- ‌النداء الرابع الخمسون: في الأمر بتقوى الله عز وجل والصدق في النية والقول والعمل

- ‌النداء الخامس الخمسون: في وجوب قتال الكفار لإدخالهم في الإسلام ليكملوا ويسعدوا

- ‌النداء السادس الخمسون: في الأمر بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والجهاد ولزوم الإسلام والاعتصام به

- ‌النداء السابع والخمسون: في النهى عن اتباع خطوات الشيطان وبيان حال المتبع لها. وامتنان الله تعالى على المؤمنين بوقايتهم من الشيطان

- ‌النداء الثامن والخمسون: في وجوب الاستئذان على من يراد الدخول عليه في بيته، وعدم مشروعية الاستئذان على بيت غير مسكون للعبد حاجة فيه

- ‌النداء التاسع والخمسون: في مشروعية استئذان الخدم والأطفال على أهل البيت ثلاثة أوقات. ووجوب استئذان الطفل إذا بلغ الحلم

- ‌النداء الستون: وجوب ذكر النعم وشكرها وبيان موجب الذكر والشكر لله تعالى

- ‌النداء الحادي والستون: في الأمر بذكر الله وتسبيحه عز وجل بكرة وعشيا وبيان ثواب ذلك من الله عز وجل

- ‌النداء الثاني والستون: في سقوط العدة على المطلقة قبل المسيس، ووجوب المتعة لها إن لم يسم لها مهر

- ‌النداء الثالث والستون: في وجوب الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأدنى أذى وحرمة نكاح نسائه بعده صلى الله عليه وسلم

- ‌النداء الرابع والستون: في وجوب الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌النداء الخامس والستون: في حرمة أذية رسول الله صلى الله عليه وسلم وحرمة التشبه باليهود في أذية موسى عليه السلام

- ‌النداء السادس والستون: في وجوب تقوى الله عز وجل ووجوب القول السديد

- ‌النداء السابع والستون: في نصرة الله وما تثمره من نصرة لعباد الله المؤمنين وبيان خسران الكافرين وتعاستهم وضلالهم

- ‌النداء الثامن والستون: في وجوب طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم والتحذير من إبطال الأعمال الصالحة

- ‌النداء التاسع والستون: في حرمة تقديم الرأي عن الكتاب والسنة ووجوب تقوى الله عز وجل

- ‌النداء السبعون: في وجوب الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا يتعرض المؤمن لبطلان عمله فيهلك

- ‌النداء الحادي والسبعون: وجوب التثبت في الحكم قولا أو فعلا وفى بيان أفضلية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌النداء الثاني والسبعون: في حرمة السخرية بالمؤن وحرمة التنابز بالألقاب

- ‌النداء الثالث والسبعون: في وجوب اجتناب كثير من الظن وحرمة التجسس والغيبة. ووجوب تقوى الله عز وجل

- ‌النداء الرابع والسبعون: في وجوب تقوى الله والإيمان برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وبيان الجزاء على ذلك

- ‌النداء الخامس والسبعون: في حرمة التناجى بالإثم والعدوان ومعصية الرسول والإذن في التناجى بالبر والتقوى

- ‌النداء السادس والسبعون: في وجوب التفسح في المجالس إذا أمر المؤمن بذلك ووجوب القيام من المجلس إذا أمر كذلك وذلك لصالح الدعوة

- ‌النداء السابع والسبعون: في بيان حكم مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم وتقديم صدقة قبلها ونسخ ذلك تخفيفا، ووجوب إقام الصلاة إيتاء الزكاة وطاعة الله ورسوله صلى الله عليم وسلم

- ‌النداء الثامن والسبعون: في وجوب تقوى الله عز وجل والتزود للآخرة ووجوب ذكر الله وحرمة نسيانه لما يفضي إليه من الخسران والحرمان

- ‌النداء التاسع والسبعون: في حرمة اتخاذ الكفرة أحباء يودون وأولياء ينصرون. وإن من يفعل ذلك فقد ضل طريق السعادة والكمال

- ‌النداء الثمانون: في بيان حكم المهاجرات من دار الكفر إلى دار الإيمان، وكيفية معاملتهن مع أزواجهن

- ‌النداء الحادي الثمانون: في حرمة موالاة اليهود

- ‌النداء الثاني الثمانون: في لوم وعتاب من يقول ولا يفعل، وأن ذلك من موجبات مقت الله تعالى للعبد. وفى بيان حب الله تعالى للمجاهدين في سبيله الثابتين في المعارك

- ‌النداء الثالث الثمانون: في عرض بضاعة أغلى بضاعة إذ هي الحنة وبيان الثمن المحصل لها وهو الإيمان والجهاد

- ‌النداء الرابع والثمانون: في وجوب نصرة دين الله وأهله ائتساء بمن دعوا إلى ذلك فأجابوا ففازوا بالنصر والغلبة

- ‌النداء الخامس والثمانون: في وجوب حضور صلاة الجمعه إذا نودي لها وحرمة البيع والشراء وسائر الأعمال بعد النداء

- ‌النداء السادس والثمانون: في حرمة الانشغال بالمال والولد عن عبادة الله تعالى ووجوب الزكاة والترغيب في الصدقات، والتحذير من فجاءة الموت قبل التوبة

- ‌النداء السابع والثمانون: في التحذير من فتنة المال والزوجة والولد وبيان فضل العفو والصفح والغفران، وعلاج شح النفس

- ‌النداء الثامن والثمانون: في مشروعية الطلاق السني وبيان العدة وعدم إخراج المطلقة من البيت حتى تنتهي عدتها إلا أن تؤذى ومشروعية الإشهاد على الطلاق والرجعة

- ‌النداء التاسع والثمانون: في وجوب وقاية النفس والأهل من النار وذلك بالإيمان وطاعة الله ورسول صلى الله عليه وسلم وبيان وصف النار

- ‌النداء التسعون: في وجوب التوبة من كل ذنب وعلى الفور وأن تكون التوبة نصوحا، رجاء مغفرة الذنوب ودخول الجنة

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌النداء التاسع والستون: في حرمة تقديم الرأي عن الكتاب والسنة ووجوب تقوى الله عز وجل

‌النداء الحادي والستون: في الأمر بذكر الله وتسبيحه عز وجل بكرة وعشيا وبيان ثواب ذلك من الله عز وجل

الآيات (41 – 42 – 43 – 44) من سورة الأحزاب

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً} .

الشرح:

اعلم أيها القارئ أن هذا النداء الكريم من رب رحيم يوجه إلى المؤمنين الصادقين، وجهه إليهم ربهم ليعلمهم ما يزيد به إيمانهم ونورهم، ويحفظون به من عدوهم وعدو أبيهم، إبليس عليه لعائن الله. ألا إنه ذكر الله تعالى: إذ قال لهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً} أي لا حد له ولا حصر، إذ هو الطاقة التي تساعد على الحياة الروحية {وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} البكرة من طلوع الفجر إلى الضحى، والأصيل من الزوال إلى غروب الشمس، وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم أنواع التسبيح منها: سبحان الله وبحمده مائة مرة، وأن من سبح هذا التسبيح بهذا العدد غفر له ما تقدم من ذنبه، إن قالها بعد الصبح أو بعد العصر فاز بهذا الأجر، وهو مغفرة ذنوبه وأعظم به من أجر، ومنها لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير مائة مرة. وذكر صلى الله عليه وسلم أن من أتى بهذا الذكر كان كمن أعتق عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة وحطت عنه مائة خطيئة، وظل يومه ذلك كله في حرز من الشيطان، ولم يأت أحد بمثل ما أتى به من الأجر، إلا من قال مثله أو زاد. ومنها التسبيح دبر الصلوات الخمس نحو سبحان الله ثلاثا وثلاثين والحمد لله ثلاثا وثلاثين، والله

ص: 169

أكبر ثلاثا وثلاثين فهذه تسع وتسعون تسبيحة وختام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير. ومما يدل على أفضلية ذكر الله تعالى قول النبي صلى الله عليه وسلم: " ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إعطاء الذهب والورق1 وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا: وما هو يا رسول الله؟ قال: ذكر الله عز وجل ".

وقوله تعالى في الآية الثالثة من آيات هذا النداء {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ} أي هو الذي يثنى عليكم بخير بين الملائكة ويرحمكم برحمته الواسعة وقوله {وَمَلائِكَتُهُ} ، أي وملائكته تعالى تصلى عليكم أيضا، وصلاة الملائكة هي الدعاء لكم بخير والاستغفار لكم. كما قال تعالى في حملة العرش أنهم يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا الآية من سورة المؤمنون (غافر) . وقوله تعالى:{لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} أي ليخرجكم سبحانه وتعالى من ظلمات الكفر والذنوب والمعاصي إلى نور الإيمان والطاعات فصلاته تعالى وصلاة ملائكته هي عامل الإخراج من الظلمات المهلكة إلى النور الهادي إلى النجاة من مهالك الحياة. وقوله تعالى: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} هذا إنعام آخر وفضل زائد على ما تقدم من صلاته وصلاة ملائكته عليهم. وهو انه بالمؤمنين رحيم أي لا يعذبهم ولا يشقيهم. ولا يذلهم في الدنيا ولا يخزيهم.

وقوله تعالى في الآية الرابعة من هذا النداء الكريم {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ} أي ما يحيون به يوم موتهم ولقاء ربهم هو السلام. فملك الموت لما يأتى لقبض روح المؤمن يسلم عليه، ولا يقبض روحه حتى يسلم عليه. إذ روى عن البراء بن عازب رضى الله عنه في تفسير هذه الآية {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ} قال: فيسلم ملك الموت على المؤمن عند قبض روحه، ولا يقبض روحه حتى يسلم عليه، وتحييهم الملائكة في الجنة بالسلام لقوله تعالى:{وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} . والرحمن جل جلاله وعظم سلطانه يسلم عليهم إذ قال تعالى: {لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} . أي أمان لهم وأمنة من كل خوف

1 الورق: الفضة.

ص: 170

وحزن، إذ أهل الحنة لا خوف عليهم ولا هم يحزنون لولاية الله تعالى لهم. وقوله تعالى في ختام هذا النداء:{وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً} ، أي هيأ لهم وأحضر أجرا كريما وهو الجنة دار السلام. فسبحان الله ما أكرمه، وسبحان الله ما أسعد المؤمنين بفضيلة الإيمان، وطاعة الرحمن طلب منهم عز وجل أن يذكروه كثيرا وأن يسبحوه بكرة وأصيلا، فأعطاهم ما لا يقادر قدره فسبحانه من إله كريم ورب رحيم.

هذا واعلم أيها القارئ الكريم والمستمع المستفيد أن لهذا النداء خلاصة نافعة فإليكها:

1-

وجوب ذكر الله تعالى بالقلب واللسان ليلا ونهارا وفى كل الأوقات إلا في حال دخول المرحاض لقضاء الحاجة.

2-

بيان فضل المؤمنين المتقين، إذ الرحمن يصلى عليهم وملائكته كذلك.

3-

التذكير بالبعث الآخر وهو معتقد أهل الإيمان إذ قال تعالى: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ} ، ولقاء الله يكون يوم القيامة كاملا تاما.

4-

بشرى المؤمنين المتقين بالجنة إذ قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَاّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} اللهم اجعلنا من أهل الإيمان والتقوى والبشرى في الدنيا والآخرة.

وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

ص: 171

‌النداء الثاني والستون: في سقوط العدة على المطلقة قبل المسيس، ووجوب المتعة لها إن لم يسم لها مهر

الآيات (49) من سورة الأحزاب

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً} .

الشرح:

اعلم أيها القارئ الكريم أن هذا النداء الإلهي وجه للمؤمنين لإيمانهم بالله تعالى ربا وإلها، وبالإسلام دينا، لا يقبل الله دينا غيره، دينا ذا شرائع وأحكام رحيمة عادلة، وبمحمد نبيا لا نبي بعده ورسولا إلى الناس كافة، هؤلاء المؤمنون الذين ناداهم الله تبارك وتعالى ليعلمهم حكما من أحكام شرعه؛ وهو أن من طلق امرأته التي عقد عليها عقدا شرعيا ثم طلقها قبل أن يخلو بها ويجامعها، فإنه ليس له أن يطالبها بعدة لا بالإقراء ولا بالشهور لأن علة العدة الواجبة هي الحمل، أي كي تعرف المطلقة هل هي حامل أو لا، أما التي لم يمسها زوجها فإنها قطعا لا حمل لها أبدا فقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} ، ويعنى بنكحتم عقدتم، إذ يطلق لفظ النكاح على العقد وعلى الوطء، وغالبا ما يطلق في القرآن على الوطء والعقد إلا في هذه الآية فإنه أطلق على العقد فقط لقوله تعالى:{مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} ولفظ المؤمنات خرج مخرج الغالب، وإلا فالكتابية إذا نكحها المؤمن فحكمها حكم المؤمنة في العدة والصداق والمتعة على حد سواء.

وقوله تعالى: {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} . أي من قبل أن تجامعوهن، ولفظ الطلاق هو قول الزوج للزوجة أنت طالق أو لقد طلقتك، أو الحقي

ص: 172

بأهلك وهو ناو الطلاق جازم به عازم عليه وهذا يقال له طلاق الكتابة فيحتاج إلى النية أما الأول وهو الصريح أنت طالق وطلقتك لا يحتاج إلى نية إذ لو قال لها أنت طالق وهو لا يريد الطلاق طلقت حتى لو قال أنا هازل طلقت لحديث " ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: الطلاق والعتاق والرجعة "

وقوله تعالى: {فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} أي ليس على الرجل المطلق أن يطالب المرأة التي طلقها قبل البناء بها بعدة ولو يوما أو شهرا، تقدم من أن علة العدة هي الحمل والتي لم يبن بها قطعا لا حمل يظن بها. فلها أن تتزوج يوم طلاقها ولا حرج عليها.

وقوله تعالى: {فَمَتِّعُوهُنَّ} ، والمتعة إعطاء المطلقة شيئا من المال بحسب قدرة الرجل إذا كان ذا يسار فبحسب يساره، وإن كان ذا إعسار فبحسب إعساره والقاضى هو الذي يقدر ذلك، إذا رفعت القضية إليه. وهذه المتعة واجبة لمن لم يسم لها مهر؛ إذ لو سمى لها مهر لكان لها لقول اله تعالى في سورة البقرة:{وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَاّ أَنْ يَعْفُونَ} أي يتنازلن عما وجب لهن وهو نصف المهر، {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} فيترك لها المهر كاملا فله ذلك.

وقوله تعالى: {وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً} أي اتركوهن يذهبن إلى ذويهن من آباء أو أقارب من غير إضرار بهن ولا أذى تلحقونه بهن. ومن سرح مطلقته سراحا غير جميل بأن سبها أو عيرها أو ذكر عيبا فيها أو ليس فيها أو منعها حقها في المهر إن سمى لها، أو مانعها بشيء نافع ذي قيمة فإنه قد عصى الله عز وجل وتجب عليه التوبة فورا لأنه خالف أمر الله عز وجل وهو مؤمن.

هذا وإليك خلاصة هذه الأحكام التي تضمنها هذا النداء الإلهي العظيم:

1-

مشروعية الطلاق قبل البناء وجوازه بلا حرج.

2-

ليس على المطلقة قبل البناء عدة أبدا إذ لها أن تتزوج يوم طلاقها ولا حرج

3-

المطلقة قبل البناء إن سمى لها صداق فلها نصفه، وإن لم يسم فلها المتعة واجبة بحسب حال المطلق يسارا وإعسارا. وإن تشاحنا فالقاضى يقدرها.

4-

حرمة أذية المطلقة بأي أذى ووجوب تخلية سبيلها تذهب حيث شاءت.

ص: 173

5-

مشروعية المتعة لكل مطلقة. إلا أنها تجب للتى لم يسم لها صداق..

6-

العدة التي تحيض ثلاثة قروء أي حيض أو إطهار، ولا يشرع الطلاق إلا في طهر قبل أن يجامعها فيه والتي لا تحيض لكبر سنها أو صغره عدتها ثلاثة أشهر لا غير.، والحامل عدتها ولادتها فمتى ولدت انتهت عدتها. والمتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا. وإن كانت حبلى فتعتد بأطول الأجلين الحمل أو الأشهر إذ هذا خير لها ولأهل زوجها الميت. والإحسان محمود منا أيها المؤمنون والله يحب المحسنين.

وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

ص: 174

‌النداء الثالث والستون: في وجوب الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأدنى أذى وحرمة نكاح نسائه بعده صلى الله عليه وسلم

الآية (53) من سورة الأحزاب

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً} .

الشرح:

اعلم أيها القارئ الكريم أن هذا النداء الجليل إلى المؤمنين أيام حياة نبيهم صلى الله عليه وسلم ليلتزموا بما يلي إزاء نبيهم صلى الله عليه وسلم.

1-

أن لا يدخلوا بيوته صلى الله عليه وسلم إلا بإذنه كان هذا قبل نزول آية الحجاب هذه لقوله تعالى: {لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} أي لا تدخلوا بيت الرسول صلى الله عليه وسلم قبل وقت الأكل بزمن، ولا تجلسوا بعد الأكل أيضا، لقوله تعالى لهم:{فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا} أي أخرجوا منتشرين في الأرض كل إلى أهله أو عمله أو حاجته، ولا تجلسوا بعد الطعام مستأنسين بحديث بعضكم بعضا فتطيلوا الجلوس فتضايقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله في هذا الوقت؛ إذ حصل هذا فعلا من بعض الأصحاب رضى الله عنهم، وعلل تعالى لذلك بقوله: {إِنَّ

ص: 175

ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ} أي أن يقول لكم اخرجوا أو لا تجلسوا. وقوله: {وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} أن يقول لعباده أو يأمرهم به، ولذا أمرهم أن يخرجوا وينتشروا.

2-

إذا أراد أحدكم أن يطلب شيئا من أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم كإناء وشراب أو طعام أو يسأل عن شئ في دينه وجب عليه أن يسأل زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم من وراء حجاب لقوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} . وعلل تعالى لذلك بقوله: {ذَلِكُمْ} آي السؤال من وراء حجاب {أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ} أيها الرجال وأطهر لقلوبهن أي نساء النبي صلى الله عليه وسلم أطهر أي أكثر طهارة من خواطر السوء الفاسدة التي لا يخلو منها قلب الإنسان إذا خاطب المرأة، أو خاطبت المرأة الرجل، إذ مثل هذا من الغرائز الفطرية في الإنسان ذكرا كان أو أنثى.

3-

حرمة أذية رسول الله صلى الله عليه وسلم بأي أذى كان؛ لقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ} وصيغة {وَمَا كَانَ} تدل على أن هذا الأذى لا يكون كالمستحيل وهو كذلك فهل المؤمن الذي يفدى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه وأهله وماله يتوقع منه أذى له صلى الله عليه وسلم لا، لا، ولن يكون أبدا.

4-

حرمة نكاح زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم بعد وفاته لأنهن أمهات المؤمنين ثبت هذا وتقرر بقوله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُم} أي في حرمة النكاح ومقدماته إذ هن محرمات على الرجال ما عدا رسول الله صلى الله عليه وسلم حرمة مؤبدة كحرمة الأم على ولدها وهذه الحرمة دل عليها قوله تعالى في هذه الآية الكريمة {وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً} ، أي إن أذى الرسول صلى الله عليه وسلم بأي أذى أو بالزواج بنسائه بعد وفاته كان عند الله أي في حكمه وقضائه وشرعه ذنبا عظيما لا يقادر قدره، ولا يعرف مدى جزائه وعقوبته إلا الله جل جلاله وعظم سلطانه.

هذا وإليك أيها القارئ في هداية هذا النداء ما يكون عونا لك على السير في منهج الحق والسير في الصراط المستقيم إلى أن تفوز بالنجاة من النار ودخول الجنة دار الأبرار:

1-

بيان ما ينبغي أن يلتزمه المؤمن من الآداب في الاستئذان والدخول على البيوت.

2-

بيان كمال الرسول صلى الله عليه وسلم وآدابه العالية وخلقه العظيم حتى إنه ليستحي أن يقول

ص: 176

لضيفه أخرج من البيت قد انتهى الطعام.

3-

تقرير صفات الله تعالى وغثباتها في القرآن والسنة إذ وصف تعالى نفسه بأنه لا يستحي من الحق. وعليه فلنصف الله تعالى بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم لا غير فلا نصف الله تعالى بما لم يصف به هو نفسه، ولا بما وصفه رسوله صلى الله عليه وسلم ولا ننكر صفاته أو نؤولها هروبا من وصفه بها، كما هو شأن المعتزلة والأشاعرة في الغالب.

4-

حرمة أذية رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفسه أو في آله أو في أهل ملته من المؤمنين والمؤمنات.

5-

بيان أن أذية الإنسان لا يخلو من خواطر السوء إذا تكلم مع المرأة أو نظر إليها.

6-

مشروعية الحجاب وفرضيته وهو أنه لا يحل لغير المحرم أن يخلو بامرأة من غير محارمه أو يتكلم معها بدون حجاب. إلا أن تكون عجوزا لا تحمل ولا تحيض لكبر سنها.

فاذكر هذا أيها المؤمن ولا تنسه واعمل به وعلمه غيرك فإنه واجب ونافع والله المستعان وعليه التكلان.

وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

ص: 177

‌النداء الرابع والستون: في وجوب الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم

الآية (56) من سورة الأحزاب

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} .

الشرح:

اعلم أيها القارئ الكريم أن هذا النداء الكريم له أهميته وشأنه العظيم وحسبك أن ما أمر اله تعالى به عباده المؤمنين كان قد فعله سبحانه وتعالى قبل أن يأمر به عباده؛ إذ قال تعالى قبل هذا النداء: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} فأخبر أنه هو تعالى وملائكته يصلون على النبي محمد صلى الله عليه وسلم فأين نحن أيها المؤمنون من عظمة الله تعالى، وكمال ملائكته وطهارتهم وهم يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم. إذا فأمره تعالى لنا بالصلاة على نبيه شرف عظيم لنا، وكرامة تفوق كل كرامة في هذه الحياة. أما المصلى والمسلم عليه فلا نسأل عن كرامته وعلى درجته وسمو مقامه فإنا لا ندرك ذلك، ولا نقوى على تصوره. فاللهم صل وسلم عليه ما ذكرك الذاكرون. وغفل عن ذكرك الغافلون. والسؤال الآن هو ما معنى صلاة الله تعالى، وصلاة الملائكة ثم صلاتنا نحن المؤمنين على النبي صلى الله عليه وسلم والجواب كالآتي:

1-

صلاة الله تعالى على النبي صلى الله عليه وسلم معناها ثناؤه تعالى ورضوانه عليه.

2-

صلاة الملائكة عليه صلى الله عليه وسلم دعاؤهم له واستغفارهم له.

3-

صلاة المؤمنين معناها: التشريف والتعظيم له صلى الله عليه وسلم.

ما حكم صلاتنا على نبينا صلى الله عليه وسلم؟ والجواب أنه الوجوب الحتمي من لم يصل عليه ولو مرة في عمره هلك وخسر بمعصيته هذه التي يتصف بها ولا يأتيها إلا من فارق الإيمان قلبه، وأصبح في عداد من لا يؤمن بالله ورسوله وكتابه والعياذ بالله تعالى من هذه الحال

ص: 178

وسؤال أخر متى تتأكد الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم؟ ةالجواب تتأكد في موضعين:

1-

في الصلاة أي في التشهد من كل صلاة نافلة أو فريضة. وصيغتها هي: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد، وعلي آل محمد، كما باركت علي إبراهيم، وعلي آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، هذه صيغة وهناك أخر هذه أتمها فاذكر هذا.

2-

عند ذكره صلى الله عليه وسلم " رغم أنف امرئ ذكرت عنده ولم يصل عليك " والقائل هذا جبريل عليه السلام في حديث صحيح.

3-

بدء الدعاء وختمه بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم رجاء الإجابة، إذ سمع صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو يا رب يا رب

قال صلى الله عليه وسلم: " لقد عجل هذا إذا أراد أحدكم أن يسأل الله شيئا فليحمد الله وليصل على نبيه ثم يسأل حاجته" فالدعاء إذا كان بين صلاتين على رسول الله ر يستجاب. والحمد لله.

4-

بدء الخطبة في الجمعة أو غيرها بحمد الله والثناء عليه ثم بالصلاة والسلام على رسوله صلى الله عليه وسلم.

5-

عند الفراغ من الآذان إذ رغب الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك وهو أن يقول السامع مثل ما يقول المؤذن إلا عند حي على الصلاة حي على الفلاح، فإنه يقول لا حول ولا قوة إلا بالله فإذا فرغ صلى على النبي الصلاة الإبراهيمية التي يصلى بها في التشهد الأخير في الصلاة وقد تقدمت صيغتها. ثم يقول" اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته " من فعل هذا حلت له شفاعته صلى الله عليه وسلم ووجت.

6-

الإكثار منها أي من الصلاة، والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة وليلتها لترغيبه صلى الله عليه وسلم في ذلك.

7-

لقد ورد في صيغ الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم نيف وثلاثون صيغة أكملها الصلاة الإبراهيمية والكل جائز وفاضل ومستحب. وأما الصيغة التي في هذا النداء فهي اللهم صل على محمد وسلم تسليما وهذه أصغر الصيغ وأيسرها وأسهلها وبها يؤدى الواجب.

ص: 179

8-

من كتب اسم النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يكتب صلى الله عليه وسلم كما هي مأثورة عن السلف، فأصحاب الصحاح، والسنن، والمسانيد كلهم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث يكتبون صلى الله عليه وسلم. وبعض المتأخرين يكتب (ص) وهذا إجحاف ولا ينبغي.

وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

ص: 180

‌النداء الخامس والستون: في حرمة أذية رسول الله صلى الله عليه وسلم وحرمة التشبه باليهود في أذية موسى عليه السلام

الآية (69) من سورة الأحزاب

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً} .

الشرح:

اذكر أيها القارئ الكريم ما قد سبق أن عرفت، وهو أن الله تعالى ينادى المؤمنين لإيمانهم؛ إذ المؤمن حي يسمع ويفهم ويفعل ويترك لكمال حياته بخلاف غيره من أهل الكفر، فلا ينادون ولا يكلفون إلا بالإيمان أولا، فإن آمنوا أصبحوا أهلا للنهوض بما يكلفون به من فعل وترك. وأهلا لأن ينذروا فبحذروا، ويبشروا فيسروا ويفرحوا، ويعلموا فيعملوا، ويفقهوا فيفقهوا وذلك لكمال حياتهم، لأن نداءه تعالى للمؤمنين بلفظ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} معناه يا من أمنتم بالله ربا وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا {لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى} ، هذا النهى من الله تعالى للمؤمنين له سببه وهو ما أشاعه ابن أبى؛ كبير المنافقين من فريته على أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها حيث تورط فيه عدد من المؤمنين كحسان رضى الله عنه وغيره لذلك ناداهم تعالى بعنوان الإيمان ليشمل كل مؤمن ومؤمنة إذ أذية النبي صلى الله عليه سلم محرمة وأيا كان نوعها، ومن باب التسلية والتخفيف عن النبي صلى الله عليه سلم وأصحابه ذكر تعالى أذى بنى إسرائيل لنبي الله موسى عليه السلام فقال:{لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى} مرة قالوا إنه آدر بمعنى أن إحدى خصيتيه منتفخة، ومرة قالوا إنه قتل أخاه هارون لكونه لينا هينا معنا.

وقوله تعالى: {فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا} أي اتهموه به. أما براءته من تهمة الأدرة فإليك رواية مسلم فيها والبخاري بمعناها، أن بنى إسرائيل كانوا يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى بعض وكان موسى يغتسل وحده – لشدة حيائه – فقالوا ما منعه أن يغتسل معنا إلا أنه آدر، فذهب يوما يغتسل فوضع ثوبه على حجر وأخذ يغتسل، وإذ بالحجر يهرب بالثوب، فيجرى موسى وراءه حتى وقف على جمع من بنى إسرائيل

ص: 181

فرأوا أنه ليس به أدرة كما قالوا.

وأما براءته من تهمة قتل أخيه هارون فقد روى ابن أبى حاتم عن على رضى الله عنه. " أنه صعد موسى وهارون الجبل جبل الطور – فمات هارون عليه السلام، فقال بنو إسرائيل لموسى عليه السلام أنت قتلته كان ألين لنا منك وأشد حياء فآذوه من ذلك فأمر الله الملائكة فحملته فمروا به على مجالس بنى إسرائيل فتكلمت الملائكة بموته، فما عرف موضع قبره إلا الرخم1، وأن الله تعالى جعله أصم أبكم ". وهكذا رواه أبى جرير أيضا. وقوله تعالى: {وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً} أي كان موسى ذا وجاهة وجاه عند الله عز وجل كان إذا سأل أعطاه وإذا استعاذ أعاذه، وإذا استنصره نصره وذلك لكماله الروحي والخلقي والأدبي، وما هيأه الله له من الطهر والصفاء والصدق والوفاء. ولنذكر هنا أن سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه قال للرسول صلى الله عليه سلم ادع الله أن يجعلني مجاب الدعوة قال له رسول الله صلى الله عليه سلم " يا سعد أطب مكسبك تجب دعوتك " فكان سعد مجاب الدعوة.

هذا وقد أوذي رسول الله من بعض المؤمنين ومن ذلك ما يلي:

1-

حادثة الإفك إذ هو أذى في عرضه وشرفه، وعرض إمرأته وشرفها، وأنزل الله تعالى في براءة امرأته أم المؤمنين قرابة سبع عشرة آية والحمد لله، ومن العجب أن المخدوعين المغرر بهم من الروافض ما زالوا يلكون تلك الفرية ويلصقونها بأم المؤمنين مع أن الذي يكذب الله تعالى يكفر. فكفروا وهم لا يعلمون.

2-

قسم يوما صلى الله عليه سلم مالا على أصحابه فقال رجل من الأنصار إن هذه القسمة ما أريد بها وجه الله فقال أحد الحاضرين أما يا عدو الله لأخبرن رسول الله صلى الله عليه سلم بما قلت فذكره للنبي صلى الله عليه سلم فاحمر وجهه، ثم قال:" رحمة الله على موسى فقد أوذي بأكثر من هذا فصبر ".

3-

ومرة أخرى لببه بثوبه لأقرع بن حابسن وقال له: هذه القسمة ما أريد بها وجه الله اعدل فينا يا رسول الله فرد عليه قائلا: " ويحك إذا لم أعدل أنا فمن يعدل ثم قال رحم الله أخى موسى أوذي بأكثر من هذا وصبر ".

وأخيرا فليحذر كل مؤمن ومؤمنة أن يؤذى رسول الله صلى الله عليه سلم بأي نوع من الأذى فإنه إثم عظيم. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما دائمين إلى يوم الدين

وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

1 الرخم: طائر معروف واحد رخمة والجمع رخم.

ص: 182

‌النداء السادس والستون: في وجوب تقوى الله عز وجل ووجوب القول السديد

الآيتان (70 - 71) من سورة الأحزاب

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} .

الشرح:

اذكر أيها القارئ الكريم ما عرفته من سر نداء الله تعالى للمؤمنين بعنوان الإيمان، وأنه ما يناديهم إلا ليأمرهم أو ينهاهم، أو يبشرهم أو ينذرهم وذلك رحمة بهم وإحسانا إليهم من أجل أن يكملوا ويسعدوا. وها هو ذا تعالى يناديهم:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} ويأمرهم بتقواه عز وجل إذ تقواه هي المحققة لولايته تعالى لهم بعد الإيمان ومن وليه الله لا يخاف ولا يحزن، ومن عاداه الله ما أمن ولا فرح أبدا.

هذا واعلم أن تقوى الله عز وجل حقيقتها: خوف من الله عز وجل يحمل الخائف على عدم معصيته عز وجل في فعل ولا ترك في الظاهر والباطن سواء. ويحمله ذلك على أن يطلب العلم ليعرف ما أمر الله تعالى به عباده المؤمنين وما نهاهم عنه من الاعتقادات والأقوال والعمال والصفات ويجاهد نفسه في ذلك حتى يبلغ بها درجة الطمأنينة فتصبح لا تفرح إلا بطاعة الله عز وجل ولا تحزن إلا من معصيته تعالى، وتصبح حالها: الإيمان بلقاء الله والرضا بقضاء الله والقناعة بعطاء الله. كما ورد في دعاء الصالحين: اللهم إني أسألك نفسا مطمئنة تؤمن بلقائك وترضى بقضائك وتقنع بعطائك. اللهم وفقنا لهذا المطلب واجعلنا من أهله آمين

وقوله تعالى: {وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً} هذا أمر أخر بعد الأول وهو أن لا يقول

ص: 183

المؤمن إذا قال إلا ما كان صائبا صدقا نافعا غير ضار، هادفا مصيبا ذا أثر محمود. وقد عرفه بعضهم فقال: القول السديد هو لا إله إلا الله محمد رسول الله، وهو القصد الحق وهو الذي يوافق ظاهره باطنه، وهو ما أريد به وجه الله دون سواه، إذ القول السديد الذي أمر تعالى به عباده المؤمنين يشمل كل هذه التعريفات ويزيد.

واعلم أن الله تعالى جعل ثمرة تقوانا له وقولنا لبعضنا القول السديد إصلاح أعمالنا ومغفرة ذنوبنا وفى تحقيق هذين المطلبين سعادة الدارين، وسر ذلك أيها القارئ الكريم أن تقوى الله عز وجل كفيلة بتطهير النفس وتزكيتها، وسعادة الآخرة تتم بزكاة النفس وطهارتها إذ قال تعال:{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} ، ومعنى أفلح فاز والفوز هو النجاة من النار ودخول الجنان. كما أن القول السديد كفيل بإصلاح الأعمال الدنيوية من بيع وشراء وهدم وبناء، ونكاح وطلاق وسفر وإقامة، وإلى غير ذلك من أمور الحياة الدنيا الضرورية للإنسان فيها. فما أعظم إرشاد الله تعالى لأوليائه، وما أكرم الله تعالى على عباده المؤمنين إذ أمرهم بأمرين تقواه والقول السديد وجعل الجزاء أمرين إصلاح الأعمال ومغفرة الذنوب، وما بعد هذا المطلب من مطلب. وأخيرا زاد إنعامه وإفضاله على عباده المؤمنين إفضالا فقال:{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} . أما طاعة الله وطاعة رسوله فإنها في الأمر والنهى والترغيب والترهيب وفى النفل والمكروه، وأما الفوز العظيم فهو سعادة الدارين؛ أما في الدنيا فهي الأمن ورغد العيش مع انشراح الصدر وطيب الخاطر، وهدوء البال والعز والكرامة الدائمة وأما في الآخرة فهي النجاة من النار ومواكبة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين إذ قال تعالى من سورة النساء:{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيماً} . وفى ختام بيان هذا النداء أذكر لك أيها القارئ ما يزيد في تقواك ورضاك ما رواه بن أبى حاتم وذكره بن كثير في التفسير أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوما الظهر بأصحابه ثم أومأ إليهم أن اجلسوا فجلسوا ثم قال لهم: " أن الله أمرني بأمر أن آمركم أن تتقوا الله وتقولوا قولا سديدا، ثم أتى النساء فقال لهن: إن الله أمرني بأمر أن آمركن أن تتقين الله وتقلن قولا سديدا " فكان ختام هذا النداء كبداءته والحمد لله المتفضل على عباده.

وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

ص: 184

‌النداء السابع والستون: في نصرة الله وما تثمره من نصرة لعباد الله المؤمنين وبيان خسران الكافرين وتعاستهم وضلالهم

الآيتان (7 - 9) من سورة محمد صلى الله عليه وسلم

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} .

الشرح:

اذكر أيها القارئ الكريم والمستمع المستفيد أن نداء الله تعالى لعباده المؤمنين الذين آمنوا بالله ربا وإلها لا إله غيره ولا رب سواه، وبالإسلام دينا لا دين يقبل غيره، وبمحمد نبيا ولا نبي يأتى بعده، ورسولا إلى الناس كافة أبيضهم وأصفرهم، ومن عاصروه ومن يأتى بعدهم إلى يوم القيامة. كان لأجل أن يأمرهم أو ينهاهم، أو يبشرهم أو ينذرهم، وكل ذلك من أجل إكمالهم في إيمانهم وإسلامهم وإحسانهم، وفى آدابهم وأخلاقهم، ومعارفهم وعلومهم، ولأجل إسعادهم أبدانا وأرواحا، وحاشاه تعالى أن يناديهم لغير إكمالهم وإسعادهم، لأنه ربهم ووليهم العليم الحكيم والبر الرحيم فها هو ذا ناداهم ليخبرهم بأنهم إن نصروه تعالى في رسوله ودينه وأوليائه وهم المؤمنون المتقون من عباده نصرهم على أعدائه وأعدائهم وهم الكافرون بتوحيده وبرسوله وبكتابه وشرعه ولقائه وجزاء أوليائه بالنعيم المقيم، وأعدائه بالعذاب الأليم. إذ قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} ، أي في كل معركة تخوضونها ضد أعدائكم الكافرين والمشركين الذين فرض عليكم قتالهم حتى يسلموا لله قلوبهم ووجوههم. إذ قال تعالى:{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ} أي شرك أو من يدعو إلى الشرك، ويكون الدين كله لله.

كما يخبرهم بأن الذين كفروا به وبرسوله وبكتابه القرآن العظيم، وبلقائه ووعده

ص: 185

ووعيده، وبتوحيده في عباداته، هؤلاء الكفرة المشركون تعسا لهم أي هلاكا لهم وسقوطا في أسفل حياة البهائم، وخسرانا كاملا في الدنيا والآخرة. أما خسران الدنيا فهو حرمانهم من الكمال الروحي، إذ لا أخلاق ولا آداب لهم، ولا زكاة نفس ولا راحة بال إذ هم في ظلمات الكفر يتقلبون وحرمانهم من سعادة الأبدان إذ هم في خوف وشقاء وتعاسة دائمة لحرمانهم من ولاية الله عز وجل. وأما خسران الآخرة فإنه من ساعة تفيض أرواحهم بنهاية آجالهم، وهم في العذاب الروحي لا يفارقهم إلى أن تبعث أجسادهم فيساقون إلى جهنم زمرا ويصب عليهم العذاب الروحي بالتقريع والتوبيخ، صبا لا يعرفون معه طعم الحياة إذ هم لا يموتون في النار ولا يحيون، وفوق العذاب الروحي العذاب الجسماني البدني إذ يصب فوق رؤوسهم الحميم يصهر ما في بطونهم والجلود ويضربون بمقامع من حديد ويمزق أمعاءهم الجوع فيقدم لهم الزقوم، والضريع. ويعطشون فيسقون الحميم فيمزق أمعاءهم، ويصابون بوحشة، إذ لا أب ولا أم ولا زوجة ولا ولد ولا أنيس، ولكن وحشة وغربة وبلاء عظيم، ولنذكر قول الله تعالى فيهم:{قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} .

كان هذا بعض ما دل عليه قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ} أما قوله تعالى: {وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} فهو إخبار فيه معنى الدعاء عليهم بضلال أعمالهم فلا ينتفعون بشيء منها إذ كانت لبعضهم أعمال خيرية كإطعام جائع، أو سقى ظمآن أو كسوة عار، كما في قوله تعالى:{فَتَعْساً لَهُمْ} ، أيضا1 وقوله تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} . ذلك إشارة إلى تعاستهم وضلال أعمالهم أي حصل لهم ذلك الشقاء والخسران الروحي والبدني بسبب كراهيتهم لما أنزل الله من القرآن لما فيه من الأمر بالتوحيد، والتنديد بالشرك وإنذار الكافرين بالخلود في نار جهنم، وتبشير الموحدين بالخلود في الجنة ونعيمها. فلكراهيتهم لما أنزل الله تعالى في كتابه أحبط الله أعمالهم وأبطلها فلم ينتفعوا منها بشيء. فلا دولة عز وطهر وسعادة يقيمون، ولا حياة فيها يخلدون، ولا جزاء حسنا في الآخرة به يتنعمون ويسعدون. وإنما خسران بعد خسران وشقاء بعد شقاء، وهذا جزاء الكافرين والعياذ بالله رب العالمين

وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

1 أي إخبار فيه معنى الدعاء عليه

ص: 186

‌النداء الثامن والستون: في وجوب طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم والتحذير من إبطال الأعمال الصالحة

الآيتان (33 - 34) من سورة محمد صلى الله عليه وسلم

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} .

الشرح:

اعلم أيها القارئ الكريم أن طاعة الله وطاعة رسوله عليها مدار السعادة في الدنيا والآخرة، لذا نادى الله جل جلاله عباده المؤمنين به وبلقائه ليأمرهم بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم لعلمه تعالى أن السعادة في طاعته وطاعة رسوله، وأن الشقاء في معصية الله ومعصية رسوله، وهو تعالى يحب أولياءه وهم المؤمنون بما أمرهم أن يأمنوا به، والمتقون له بترك معاصيه. فبحبه لهم أمرهم بالطاعة الموجبة للسعادة حتى يسعدوا ولا يشقوا فله الحمد وله المنة.

ناداهم قائلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} أي يا من أمنتم بي ربا وإلها وبديني الإسلام دينا حقا لا دين ينفع ويجدى سواه، وبنبي محمد خاتما ورسولا عاما {أَطِيعُوا اللَّهَ} ربكم وإلهكم ووليكم فيما يأمركم به وينهاكم عنه. {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} نبيكم ورسولكم في كل ما يأمركم به وينهاكم عنه، فإن هذه الطاعة التي أمرتم بها هي سبيل نجاتكم، وسلم رقيكم وسعادتكم فلا تحرموا أنفسكم من سعادة الدارين. ولنعلم أن هذا الأمر بالطاعة لله ورسوله هو من باب ألزموا طاعة الله ورسوله واثبتوا عليها؛ لأنهم بإيمانهم مطيعون. وقوله تعالى لهم:{وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} يؤكد أن الأمر بالطاعة هنا معناه الثبات عليها وعدم التهاون فيها. وإبطال الأعمال الصالحة يكون بأمور أظهرها وأقواها الشرك والردة عن الإسلام، ثم الرياء وهى أن

ص: 187

يعمل المرء عملا صالحا فيرائي به غير الله من أجل أن يشكر عليه، أو من أجل أن يدفع عنه المذمة أو اللوم والعتاب. كما أن الصدقات تبطل بالمن لقوله تعالى:{لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} ، والمن هو ذكر الصدقة للمتصدق عليه وتكرار ذلك عليه، والأذى قد يكون بلوم المتصدق عليه أو تعييره بقبح أو لفظ سيئ ومن مبطلات العمل ارتكاب كبائر الإثم والفواحش ومعنى إبطالها أن السيئات إذا غشت النفس وأحاطت بالقلب حجبت نور تلك الصالحات ذات الحسنات السابقة ولم يبق لها نور في النفس، فقد روى عن الحسن البصري وعن الزهري أن إحباط الأعمال الصالحة يكون بكبائر الذنوب إذ قلا: لا تبطلوا أعمالكم بالمعاصي. وليس معنى إبطالها إحباطها، فإحباط العمل لا يكون إلا بالشرك والكفر، لقوله تعالى:{لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} 1. وقوله تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْأِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} 2 {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} على انه من دخل في عبادة ينبغي أن يتمها ولا يخرج منها نافلة كانت أو فريضة فمن دخل في صلاة نافلة فليتمها. ومن شرع في طواف فليتمه، ومن دخل في صيام فليتمه، ومن أحرم بحج أو عمرة فليتمها ومن ائتم بإمام فليتم صلاته ولا يخرج عنه. لكنه لا على سبيل الإلزام والوجوب بل على سبيل الندب والاستحباب،. وقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} أي بالله ورسوله {وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} أي عن الإسلام، والدخول فيه بأي سبب من الأسباب، {ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ} أي لم يتوبوا حتى ماتوا، فهؤلاء حكم الله تعالى بعدم المغفرة لهم إذ قال عز من قائل:{فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} أي كفرهم وصدهم عن سبيل الله، ولو كانوا قبل كفرهم وصدهم فعلوا كل بر وخير وعبدوا الله بكل ما شرع من أنواع العبادات؛ لأن موتهم على أكبر إثم وأقبح جريمة وهما الكفر بالله ولقائه وشرعه وصدهم غيرهم بوسائل الصد عن سبيل الله، فقد تكون الوسائل قتالا وضربا وتجريحا وقد تكون طعنا في الدين وتحريفا له، وتقبيحا فيه حتى يصرفوا الناس عنه. ويدخل في هذا الوعيد بدون شك اليهود والنصارى إذ حملوا راية الصد عن الإسلام والصرف عنه وبذلوا أموالا وجهودا لا حد لها. والعياذ بالله فمن مات منهم على ذلك فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين.

وسبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والخمد لله رب العالمين.

1 سورة الزمر: 65

2 سورة المائدة: 5

ص: 188

برأيي. فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدره أي صدر معاذ رضى الله عنه وقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله ". ومن هذا الحديث الجليل الذي رواه أحمد وأبو داود والترمذى وابن ماجة رحمهم الله أجمعين. ومنه استخرج علماء الشريعة رحمهم الله تعالى من سلف هذه الأمة القاعدة الآتية " لا يحل لمؤمن القدوم على أمر حتى يعلم حكم الله فيه ".

وهذه القاعدة تحث المؤمنين على طلب العلم؛ إذ لو أخذ بها المسلمون لما بقى فيهم ولا بنهم جاهل بحكم الله ورسوله في كل قضايا الحياة. ولكن للكتاب والسنة شأن عظيم بينهم لقوله تعالى: {لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُول} . لا قولا ولا عملا ولا رأيا ولا فهما أو ذوقا كما يقولون حتى يعرض ما أراده على الكتاب والسنة فإن وجد طلبه فذاك وإلا سائل أهل العلم حتى يعلم الحكم بالمنع أو الجواز. فيصبح على بينة من أمره وكيف والله تعالى يقول: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} 1، فالمؤمن من كان عالما عمل بما علم وإلا سأل أهل العلم حتى يعلم فيعمل بما علم. والعالم إذا سئل يجب أن يعلم السائل ما سأل عنه، وبهذا لا يبقى بين المؤمنين جاهل ولا جاهلة. إلا أن يوجد المرء في بلد لا عالم فيه فحينئذ يجب أن يسافر إلى بلد فيه العالم حتى يسأل ولو كان في أقصى الشرق أو الغرب. أو يهاجر من بلد لا عالم فيه؛ إذ لا يمكنه أن يعبد الله تعالى بلا علم. ولو عرف المسلمون هذه الحقيقة لما أصبحوا جهلاء ضلالا إلا من رحم الله تعالى منهم. ألا فاذكر هذا أيها القارئ أو المستمع.

وقوله تعالى في ختام هذا النداء {وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} أمر بتقوى الله عز وجل وهى الخوف منه الحامل للعبد على طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. ومن جملة ما تدل عليه هذه الجملة {وَاتَّقُوا اللَّهَ} الالتزام بمبدأ: {آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} وقوله: {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} أي سميع لأقوالهم عليم بأفعالكم ألا فاتقوه حق تقاته. بأن لا تخرجوا عن طاعته في المنشط والمكره، واليسر في حدود الطاقة البشرية إذ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها.

وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

1 سورة النمل 43، سورة الأنبياء:7

ص: 190

‌النداء التاسع والستون: في حرمة تقديم الرأي عن الكتاب والسنة ووجوب تقوى الله عز وجل

الآية (1) من سورة الحجرات

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} .

الشرح:

لا تنس أيها القارئ الكريم لنداءات الرحمن الرحيم أن الله تبارك وتعالى ينادى المؤمنين بعنوان الإيمان؛ لأن المؤمن حي بإيمانه يسمع ويفهم، وإذا أمر أطاع ففعل ما أمر به، وإذا نهى انتهى عن فعل ما نهى عنه. وإن حياته هذه سببها إيمانه بالله تعالى وبلقائه، واذكر أن لهذا النداء سببا نزل به وهو كما رواه البخاري رحمة الله تعالى عليه: أن وفدا من بنى تميم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر رضى الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم أمر القعقاع بن معبد، وقال عمر رضى الله عنه أمر الأقرع بن حابس، فقال أبو بكر لعمر ما أردت إلا خلافي: فقال عمر: ما أردت خلافك فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما فنزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ....} أي يا من أمنتم بالله ربا وإلها لا رب غيره ولا إله سواه، وبالإسلام شرعا ودينا لا يقبل شرع ولا دين سواه {لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} أي قولا ولا عملا، ولا رأيا ولا فكرا بمعنى لا تقولوا ولا تعملوا إلا تبعا لما قال الله ورسوله، وشرع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك لأنه من غير الأدب أن يقدم العبد رأيه، وما يراه على ما يراه ويقوله سيده ومما يوضح هذه الحقيقة ويجليها للأفهام قصة معاذ بن جبل رضى الله عنه حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فإنه سأله قائلا: " بم تحكم يا معاذ؟ قال رضى الله عنه: بكتاب الله تعالى فقال صلى الله عليه وسلم فإن لم تجد أي في كتاب الله تعالى؟ قال: بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فإن لم تجد أي في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال رضى الله عنه: اجتهد

ص: 169