المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌النداء الرابع والأربعون: في حرمة الفرار من صفوف القتال في سبيل الله وأنه من الكبائر الموجبة لغضب الله وعذابه - نداءات الرحمن لأهل الإيمان

[أبو بكر الجزائري]

فهرس الكتاب

- ‌النداء الأول: في الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌النداء الثاني: في الاستعانة بالصبر والصلاة

- ‌النداء الرابع: في القصاص والدية والعفو

- ‌النداء الخامس: في فريضة الصيام وآثاره على نفس الصائم

- ‌النداء السادس: في وجوب قبول شرائع الإسلام كلها، وحرمة اتباع الشيطان

- ‌النداء السابع: في الإنفاق في سبيل الله قبل الفوات بالموت

- ‌النداء الثامن: في بيان مبطلات ثواب الصدقة كالمن والأذى والرياء

- ‌النداء التاسع: في وجوب إخراج الصدقة من طيب المال، وحرمة إخراجها من خبيثة

- ‌النداء العاشر: في الأمر بالتقوى وترك ما بقى من الربا

- ‌النداء الحادي عشر: في مشروعية كتابة الديون والإشهاد عليها

- ‌النداء الثاني عشر: التحذير من طاعة بعض أهل الكتاب حتى لا يفسدوا على المؤمن دينه

- ‌النداء الثالث عشر: في الأمر بتقوى الله والموت على الإسلام

- ‌النداء الرابع عشر: في حرمة اتخاذ البطانة من غير المؤمنين، وبيان أثرها السيئ

- ‌النداء الخامس عشر: في النهى عن أكل الربا والأمر بتقوى الله عز وجل

- ‌النداء السادس عشر: في حرمة طاعة الكفار وما يترتب عليها من هلاك وخسران

- ‌النداء السابع عشر: في حرمة التشبه بالكافرين والمنافقين في عقائدهم وسلوكهم

- ‌النداء الثامن عشر: في الأمر بالصبر والمصابرة والرباط، والتقوى رجاء الفلاح

- ‌النداء التاسع عشر: في تحريم إرث النساء ومنعهن حتى يسلمن ما أخذن من المهور

- ‌النداء العشرون: في حرمة أكل أموال المؤمنين بالباطل وحرمة قتل النفس بغير حق

- ‌النداء الحادي والعشرون: في حرمة الصلاة حال السكر وحرمة الصلاة والمكث في المسجد حال الجنابة ومشروعية التيمم للعذر

- ‌النداء الثاني العشرون: في وجوب طاعة الله وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وأولى الأمر من المؤمنين، ورد المتنازع فيه إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسله

- ‌النداء الثالث والعشرون: في وجوب أخذ الحذر من العدو والتصرف بحكمة حال الحرب واشتداد القتال

- ‌النداء الرابع والعشرون: في وجوب التثبت والتبين في الأمور التي يترتب على الخطأ فيها ضرر بالغ عظيم

- ‌النداء الخامس والعشرون: في وجوب العدل في الشهادة وحرمة اتباع الهوى المانع من العدل فيها

- ‌النداء السادس والعشرون: في وجوب الثبات على الإيمان وتقويته والتحذير من ضده وهو الكفر

- ‌النداء السابع والعشرون: في حرمة اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين، والتحذير من ذلك

- ‌النداء الثامن والعشرون: في وجوب الوفاء بالعهود وفى المنة بحلية بهيمة الأنعام إلا ما استثنى منه

- ‌النداء التاسع والعشرون: في تحريم استحلال شعائر الله إلا ما نسخ منها، وفى إباحة الصيد بعد التحلل، ووجوب التعاون على البر والتقوى، وحرمة التعاون على الإثم والعدوان

- ‌النداء الثلاثون: في وجوب الوضوء وبيان كيفيته ووجوب الغسل من الجنابة وبيان نواقض الوضوء وكيفية التيمم

- ‌النداء الحادي والثلاثون: في وجوب العدل في الحكم والشهادة وحرمة ترك العدل من أجل البغض والعداء والأمر بتقوى الله عز وجل

- ‌النداء الثاني والثلاثون: في الأمر بذكر النعم لشكرها وتقوى الله عز وجل، والتوكل عليه سبحانه وتعالى

- ‌النداء الثالث والثلاثون: في الأمر بتقوى الله عز وجل وطلب الوسيلة إلى الله تعالى. والجهاد في سبيله عز وجل

- ‌النداء الرابع والثلاثون: في حرمة اتخاذ اليهود والنصارى أولياء وعلة ذلك والتحذير من موالاتهم

- ‌النداء الخامس والثلاثون: في التحذير من الردة عن الإسلام وبيان صفات المؤمنين الصادقين

- ‌النداء السادس والثلاثون: في حرمة ولاية من يتخذ دين الله هزوا ولعبا من أهل الكتاب وغيرهم

- ‌النداء السابع والثلاثون: في حرمة تحريم ما احل الله من الطيبات وحرمة الاعتداء في الدين

- ‌النداء الثامن والثلاثون: في تحريم الخمر والميسر والأنصاب والأزلام

- ‌النداء التاسع والثلاثون: في ابتلاء الله تعالى عباده المحرمين بالحج والعمرة بظهور الصيد وسهولة صيده

- ‌النداء الأربعون: في حرمة الصيد حال الإحرام وبيان جزاء من قتل الصيد عامدا وهو محرم والعياذ بالله

- ‌النداء الحادي والأربعون: في النهى عن السؤال عما لا فائدة فيه ولا حاجة تدعو إليه والتحذير من عواقبه

- ‌النداء الثاني والأربعون: في الأمر بإصلاح المؤمن نفسه وتطهيرها بالإيمان والعمل الصالح وإعلامه بأنه لا يضره

- ‌النداء الثالث والأربعون: في وجوب الإشهاد على الوصية وجواز شهادة غير المسلم على الوصية إذا تعذر وجود المسلم

- ‌النداء الرابع والأربعون: في حرمة الفرار من صفوف القتال في سبيل الله وأنه من الكبائر الموجبة لغضب الله وعذابه

- ‌النداء الخامس والأربعون: في وجوب طاعة الله والرسول صلى الله عليه وسلم وحرمة معصيتهما، وحرمة التشبه بالمنافقين

- ‌النداء السادس والأربعون: في وجوب الاستجابة لنداء الله والرسول إذا أمرا أو نهيا أو بشرا وأنذرا. ووجوب اتقاء الفتن بما تتقى به

- ‌النداء السابع والأربعون: في حرمة خيانة الله والرسول صلى الله عليه سلم، وخيانة الأمانات، والتحذير من فتنة المال والولد

- ‌النداء الثامن والأربعون: في الترغيب في تقوى الله عز وجل وبيان ثمارها العاجلة والآجلة

- ‌النداء التاسع والأربعون: في بيان عوامل النصر في الجهاد وهى طاعة الله ورسوله، وعدم النزاع ولزوم الصبر، والإخلاص لله

- ‌النداء الخمسون: في حرمة اتخاذ الأقارب أولياء إن هم استحبوا الكفر على الإيمان

- ‌النداء الواحد والخمسون: في حرمة دخول المشركين الحرمين الشريفين ووجوب منعهم من ذلك، ووجوب قتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية

- ‌النداء الثاني والخمسون: في حرمة أكل أموال الناس بالباطل والوعيد الشديد لمن يكنز الذهب والفضة ولا يخرج زكاتهما

- ‌النداء الثالث الخمسون: في وجوب الخروج إلى الجهاد إذا دعا الإمام إلى ذلك وهو ما يعرف بالتعبئة العامة، وحرمة القعود عنه

- ‌النداء الرابع الخمسون: في الأمر بتقوى الله عز وجل والصدق في النية والقول والعمل

- ‌النداء الخامس الخمسون: في وجوب قتال الكفار لإدخالهم في الإسلام ليكملوا ويسعدوا

- ‌النداء السادس الخمسون: في الأمر بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والجهاد ولزوم الإسلام والاعتصام به

- ‌النداء السابع والخمسون: في النهى عن اتباع خطوات الشيطان وبيان حال المتبع لها. وامتنان الله تعالى على المؤمنين بوقايتهم من الشيطان

- ‌النداء الثامن والخمسون: في وجوب الاستئذان على من يراد الدخول عليه في بيته، وعدم مشروعية الاستئذان على بيت غير مسكون للعبد حاجة فيه

- ‌النداء التاسع والخمسون: في مشروعية استئذان الخدم والأطفال على أهل البيت ثلاثة أوقات. ووجوب استئذان الطفل إذا بلغ الحلم

- ‌النداء الستون: وجوب ذكر النعم وشكرها وبيان موجب الذكر والشكر لله تعالى

- ‌النداء الحادي والستون: في الأمر بذكر الله وتسبيحه عز وجل بكرة وعشيا وبيان ثواب ذلك من الله عز وجل

- ‌النداء الثاني والستون: في سقوط العدة على المطلقة قبل المسيس، ووجوب المتعة لها إن لم يسم لها مهر

- ‌النداء الثالث والستون: في وجوب الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأدنى أذى وحرمة نكاح نسائه بعده صلى الله عليه وسلم

- ‌النداء الرابع والستون: في وجوب الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌النداء الخامس والستون: في حرمة أذية رسول الله صلى الله عليه وسلم وحرمة التشبه باليهود في أذية موسى عليه السلام

- ‌النداء السادس والستون: في وجوب تقوى الله عز وجل ووجوب القول السديد

- ‌النداء السابع والستون: في نصرة الله وما تثمره من نصرة لعباد الله المؤمنين وبيان خسران الكافرين وتعاستهم وضلالهم

- ‌النداء الثامن والستون: في وجوب طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم والتحذير من إبطال الأعمال الصالحة

- ‌النداء التاسع والستون: في حرمة تقديم الرأي عن الكتاب والسنة ووجوب تقوى الله عز وجل

- ‌النداء السبعون: في وجوب الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا يتعرض المؤمن لبطلان عمله فيهلك

- ‌النداء الحادي والسبعون: وجوب التثبت في الحكم قولا أو فعلا وفى بيان أفضلية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌النداء الثاني والسبعون: في حرمة السخرية بالمؤن وحرمة التنابز بالألقاب

- ‌النداء الثالث والسبعون: في وجوب اجتناب كثير من الظن وحرمة التجسس والغيبة. ووجوب تقوى الله عز وجل

- ‌النداء الرابع والسبعون: في وجوب تقوى الله والإيمان برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وبيان الجزاء على ذلك

- ‌النداء الخامس والسبعون: في حرمة التناجى بالإثم والعدوان ومعصية الرسول والإذن في التناجى بالبر والتقوى

- ‌النداء السادس والسبعون: في وجوب التفسح في المجالس إذا أمر المؤمن بذلك ووجوب القيام من المجلس إذا أمر كذلك وذلك لصالح الدعوة

- ‌النداء السابع والسبعون: في بيان حكم مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم وتقديم صدقة قبلها ونسخ ذلك تخفيفا، ووجوب إقام الصلاة إيتاء الزكاة وطاعة الله ورسوله صلى الله عليم وسلم

- ‌النداء الثامن والسبعون: في وجوب تقوى الله عز وجل والتزود للآخرة ووجوب ذكر الله وحرمة نسيانه لما يفضي إليه من الخسران والحرمان

- ‌النداء التاسع والسبعون: في حرمة اتخاذ الكفرة أحباء يودون وأولياء ينصرون. وإن من يفعل ذلك فقد ضل طريق السعادة والكمال

- ‌النداء الثمانون: في بيان حكم المهاجرات من دار الكفر إلى دار الإيمان، وكيفية معاملتهن مع أزواجهن

- ‌النداء الحادي الثمانون: في حرمة موالاة اليهود

- ‌النداء الثاني الثمانون: في لوم وعتاب من يقول ولا يفعل، وأن ذلك من موجبات مقت الله تعالى للعبد. وفى بيان حب الله تعالى للمجاهدين في سبيله الثابتين في المعارك

- ‌النداء الثالث الثمانون: في عرض بضاعة أغلى بضاعة إذ هي الحنة وبيان الثمن المحصل لها وهو الإيمان والجهاد

- ‌النداء الرابع والثمانون: في وجوب نصرة دين الله وأهله ائتساء بمن دعوا إلى ذلك فأجابوا ففازوا بالنصر والغلبة

- ‌النداء الخامس والثمانون: في وجوب حضور صلاة الجمعه إذا نودي لها وحرمة البيع والشراء وسائر الأعمال بعد النداء

- ‌النداء السادس والثمانون: في حرمة الانشغال بالمال والولد عن عبادة الله تعالى ووجوب الزكاة والترغيب في الصدقات، والتحذير من فجاءة الموت قبل التوبة

- ‌النداء السابع والثمانون: في التحذير من فتنة المال والزوجة والولد وبيان فضل العفو والصفح والغفران، وعلاج شح النفس

- ‌النداء الثامن والثمانون: في مشروعية الطلاق السني وبيان العدة وعدم إخراج المطلقة من البيت حتى تنتهي عدتها إلا أن تؤذى ومشروعية الإشهاد على الطلاق والرجعة

- ‌النداء التاسع والثمانون: في وجوب وقاية النفس والأهل من النار وذلك بالإيمان وطاعة الله ورسول صلى الله عليه وسلم وبيان وصف النار

- ‌النداء التسعون: في وجوب التوبة من كل ذنب وعلى الفور وأن تكون التوبة نصوحا، رجاء مغفرة الذنوب ودخول الجنة

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌النداء الرابع والأربعون: في حرمة الفرار من صفوف القتال في سبيل الله وأنه من الكبائر الموجبة لغضب الله وعذابه

‌النداء الرابع والأربعون: في حرمة الفرار من صفوف القتال في سبيل الله وأنه من الكبائر الموجبة لغضب الله وعذابه

الآيتان (15 _ 16) من سورة الأنفال

أعوذ بالله الشيطان الرجيم

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}

الشرح:

اعلم أيها القارئ الكريم أن المؤمن كما عرفت حي بإيمانه قوى بولاية ربه له، لذا نادى الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين قائلا لهم:{إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً} أي زاحفين إليهم لتقاتلوهم في سبيل الله {فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ} أي لا تنهزموا أمامهم فتتولوا هاربين مولينهم أدباركم وهذا عيب كبير، ومعرة لا ينبغي للمؤمن ولى الله عز وجل أن يتصف بها والنهى هنا للتحريم ليربى الله أولياءه على الإقدام والشجاعة حتى لا يضعفوا عن قتال المشركين الكافرين ولما كان الفرار من العدو له أثار سيئة لاسيما عند المواجهة والزحف ومن تلك الآثار السيئة انتصار العدو الكافر على المؤمنين ومنه إصابة المؤمنين المقاتلين بالجروح والقتل ومنها استيلاء العدو على معدات المسلمين من سلح وغيره ومنها وقف الدعوة الإسلامية وعدم انتشارها وانتصارها لهذه ولغيرها كان التولى يوم الزحف كبيرة من كبائر الذنوب ويكفى من كونها كبيرة قوله تعالى في الآية الكريمة:{فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} وفى الحديث الصحيح أن التولى يوم الزحف من الموبقات أي المهلكات ففي الصحيح يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " اجتنوا السبع الموبقات. قيل يا رسول الله وما هي؟ قال: الشرك بالله والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولى

ص: 121

يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات " فيكفى في كون التولى يوم الزحف كبيرة ذكره مع أعظم الكبائر وهى الشرك والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا واكل مال اليتيم وقذف المحصنات. وقوله تعالى في الآية الثانية:{وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} أي ومن يعطى دبره للعدو فارا هاربا يوم الزحف أي ساعة المواجهة وزحف الطائفتين على بعضهما طائفة العدو الكافر وطائفة المجاهدين المؤمنين. وقبل ذكر الجزاء أي جزاء الشرط وهو قوله تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} قال تعالى: مستثنيا حالتين إذا فر منهما المؤمن المجاهد لا إثم عليه فيهما ولا حرج، لأنه تحرف لنصرة الإسلام وأهله لا فرارا من الموت وهى الموت يدفعه الفرار.!!؟؟

فالحالة الأولى: أن يفر المؤمن بين يدي مقاتله الكافر مكيدة له حتى إذا جرى وراءه عدوه وبعد عن صفوف إخوانه كر عليه المؤمن وقتله، هذه صورة من صورتين يفر فيهما المجاهد، ولا إثم عليه فيهما، والصورة الثانية أن يميل جانبا عن صف المجاهدين ليرى غرة من العدو فيصيبها هذا ما دل عليه قوله:{إِلَاّ مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ} .

والحالة الثانية: أن يرى ضغطا شديدا من العدو؛ فيرى انه من المصلحة الجهادية أن ينحاز إلى جماعة من المؤمنين تقاتل فيقاتل معها ليقويها ويقوى هو بها، هذه صورة من صورتين جاز فيهما للمجاهد أن ينحاز من وجه العدو لينضم إلى إخوانه ليقويهم ويقوى بهم والصورة الثانية أن يكون الانحياز إلى قائد المعركة وإمام المسلمين ليتقوى به ويقويه فهاتان الصورتان دل عليهما قوله تعالى:{أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ} أما إذا لم يكن قراره للحالتين الأولى وهى التحرف للقتال، والثانية الانحياز إلى فئة مؤمنة أو إلى القيادة فإن صاحب الفرار قد ارتكب كبيرة إذ لم يتب منها دخل النار والعياذ بالله تعالى، ذلك لقوله تعالى في جواب الشرط:{فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} آي رجع من المعركة مغضوبا عليه من الله عز وجل ومأواه الأخير جهنم وبئس المصير جهنم يصار إليها. إن بعض السلف قالوا هذا الفرار المتوعد عليه كان خاصا بغزوة بدر، وخالف الجمهور وقالوا الآية عامة وإن نزلت في غزوة بدر، والدليل على عمومها حديث البخاري الذي تقدم وهو الحق والصواب والله يتوب على من تاب فمن فر يوما استوجب العذاب لو مات أما من أناب فإنه يتوب الله عليه ويغفر له كبيرته بتوبته.

والحمد لله التواب الرحيم وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

ص: 122