الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النداء الواحد والخمسون: في حرمة دخول المشركين الحرمين الشريفين ووجوب منعهم من ذلك، ووجوب قتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية
الآيتان (28 _ 29) من سورة التوبة
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
الشرح:
اعلم أيها القارئ الكريم أن هذا النداء الإلهي الموجه إلى المؤمنين من عباده وهم أولياؤه لإيمانهم وتقواهم له سبحانه وتعالى يتضمن أمرين عظيمين:
الأول: حرمة دخول المشركين المسجد الحرام والحرم المكي تابع للمسجد، فلا يحل لمشرك أو كافر من أهل الكتاب أو من غيرهم أن يدخل المسجد الحرام ومكة كلها حرم، كما لا يحل للمشرك أو الكافر أن يدخل المسجد النبوي والمدينة كذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:" إن إبراهيم حرم مكة وإني أحرم المدينة ". وكما يحرم دخول المشركين والكافرين الحرمين الشريفين، يجب عل المؤمنين منعهم من ذلك وصدهم بأية حال.
وهذا ما دل عليه قوله تعالى في الآية الأولى في هذا النداء إذ قال عز وجل:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} وهو عام تسعة من الهجرة حيث حج أبو بكر رضى الله عنه أميرا على الحج، ونزلت هذه الآية الكريمة، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم من ينادى في عرفات ومنى ومكة بهذا الأمر " أيها الناس ألا لا يطوفن بالبيت عريان، ولا يحجن بعد هذا العام مشرك "؛ إذ كان المشركون يطوفون بالبيت عراة إذا لم يجدوا ثوبا حلالا. وقوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً} أي فقرا، لانقطاع المشركين عن الحج إذ كانوا يحملون البضائع التجارية ويبيعون ويشترون. {فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} فوعدهم بغناهم وسد حاجتهم التي خافوا أنها إذا امتنع المشركون من الحج حصلت لهم أي العيلة. وقوله:{إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} . وهذا استثناء منه سبحانه وتعالى حتى تبقى قلوب المؤمنين متعلقة به سبحانه وتعالى راجية خائفة غير مطمئنة، وكونه تعالى عليما حكيما يرشح المعنى المذكور ويرجحه، لأن ذا العلم والحكمة لا يضع شيئا إلا في موضعه، فلابد إذا لمن أراد رحمة الله وفضله تعالى أن يجتهد في أن يكون أهلا لذلك بالإيمان والطاعة الكاملة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
والثاني: أي الأمر الثاني الذي تضمنه النداء هو ما تحمله الآية الثانية وهو قوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} إنه لما أمر تعالى المؤمنين بمنع المشركين من دخول المسجد الحرام وهذا يقتضي قتالهم حتى يسلموا، أمر المؤمنين أيضا أن يقاتلوا أهل الكتاب حتى يسلموا. أو يدخلوا في ذمة المؤمنين ويعطوا الجزية. فقال تعالى لهم:{قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ......الخ} وهم اليهود والنصارى، ولم يرض الله تعالى إيمانهم الفاسد، إذ اليهود مشبهة مجسمة يصفون الله تعالى بصفات ينزه عنها الله تبارك وتعالى، والنصارى يقولون ويعتقدون أن الله ثالث ثلاثة فهو كفر وليس والله بإيمان، فلذا أبطل الله إيمانهم فقال:{لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} ، إذ لو آمنوا بالله واليوم الآخر، لعملوا على دخول الجنة والنجاة من النار بالإيمان الصحيح والعمل الصالح الذي شرعه الله في دينه الحق الإسلام. فلذا هم كافرون بالله واليوم الآخر وقوله تعالى:{وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ} ؛ إذ اليهود يدينون ببدعة اليهودية، والنصارى ببدعة النصرانية، والدين الحق الذي لا يقبل دين غيره الذي هو الإسلام كفروا به وحاربوه، فهم إذا يدينون بدين
باطل لا ينجى من النار ولا يدخل الجنة دار الأبرار. وقوله تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} هذه غاية قتالهم فهم يقاتلون حتى يخضعوا للمسلمين ويعطوا الجزية وبذلك يدخلون في ذمة المسلمين. ويؤمنون في أبدانهم وأموالهم وأعراضهم وأديانهم مع شروط تكتب عليهم جاء تفصيلها في كتاب عمر رضى الله عنه ذكره ابن كثير عند تفسير هذه الآية.
وأخيرا إليك أيها القارئ بيان ما دلت الآيتان فتأمله وعه وافهمه:
1-
نجاسة المشركين إنها معنوية وهى شركهم بالله عز وجل، وإن كانوا لا يغتسلون من الجنابة ولا يبتعدون عن النجاسات بدليل قول الرسول صلى الله عليه وسلم:" المؤمن لا ينجس ". فمفهومه أن الكافر نجس أي بكفره وشركه لذا لو صافحت كتابيا لا تغسل يدك كما يرى بعض الظاهرية، ولا ينقض وضوءك مصافحته.
2-
يجوز أن يدخل الكافر مساجد المسلمين ماعدا المسجد الحرام والمسجد النبوي، ولكن بإذن المؤمنين.
3-
وجوب قتال أهل الكتاب حتى يدخلوا في الإسلام ليكملوا ويسعدوا أو يدخلوا في ذمة المسلمين فيحكمهم المسلمون بالعدل والحق.
4-
وجوب أخذ الجزية وهى قدر معلوم من المال سنويا على الرجال القادرين على الكسب والعمل ولا تؤخذ من العجزة من الشيوخ والأطفال والنساء.
5-
قوله تعالى: {عَنْ يَدٍ} له معنيان، الأول: أن يؤديها القادر دون العاجز، فمعنى {عَنْ يَدٍ} عن قدرة والمعنى الثاني: أن يؤديها صاحبها بنفسه ولا يصح أن ينيب عنه غيره ويؤيد هذا المعنى قوله تعالى: {وَهُمْ صَاغِرُونَ} أي ذليلون منقادون لحكم الإسلام.
6-
لا يمنع المؤمن خوف الفقر أن يمتثل أمر ربه. إذ وعد تعالى من أطاعه فيما حرم عليه أو أوجب عليه أن يغنيه إذ هو امتثل أمره. وقد أطاعه المؤمنون في منع المشركين من الحج فأغناهم بما فتح عليهم من الفتوحات وما أفاض عليهم من أموال الجزية التي لا تعد
…
ألا فلنمتثل أمر الله ولنترك الربا وبيع المحرمات، والله يغنينا من فضله وهو الغنى الحميد.
والحمد لله رب العالمين.