الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النداء الخمسون: في حرمة اتخاذ الأقارب أولياء إن هم استحبوا الكفر على الإيمان
الآية (23) من سورة التوبة
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
الشرح:
اعلم أيها القارئ الكريم والمستمع المستفيد ولنعلم جميعا أن هذا النداء الإلهي يحمل إنذارا شديدا للمؤمنين به تعالى ربا وإلها وبدينه الإسلام دينا لا يقبل الله دينا سواه، وبنيه محمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، ينهاهم في هذا النداء الإنذارى عن اتخاذ من كفر من آبائهم وأمهاتهم أيضا. وإخوانهم وأخواتهم أيضا ومن باب أولى من كان دون ذلك من عامة الأقارب ذكورا وإناثا ينهاهم عن أن يتخذوهم أولياء يحبونهم ويناصرونهم ويدفعون عنهم ويطلعونهم على أسرار المؤمنين وبواطن أمورهم، وفى الحرب والسلم سواء إذ قال لهم:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} بالله ورسوله ولقائه ووعده ووعيده {لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْأِيمَانِ} أي آثروا الكفر والإصرار عليه على الإيمان بالله ورسوله. ثم يهددهم عز وجل إن لم يمتثلوا أمرهم فلم يفاصلوا آباءهم وإخوانهم المستحبين للكفر على الإيمان، والشرك على التوحيد، والخبث على الطهر، والفوضى على النظام، والظلم على العدل، إذ الكفر يكمن فيه كل ما ذكر ويزيد، ولذا قيل ما بعد الكفر ذنب يهددهم فيقول:{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ} أي أيها المؤمنون. {فَأُولَئِكَ} أي المتولونهم {هُمُ الظَّالِمُونَ} ، أي المتوغلون في الظلم، الضاربون فيه كأن لم يكن هناك ظالم إلا هم. والعياذ بالله تعالى. ووجه ظلمهم ظاهر غير خفي وهو أنهم وضعوا المحبة موضع
البغضاء، والنصرة موضع الخذلان، إذ حقيقة الظلم هي وضع الشيء في غير موضعه، فالذي تجب محبته وموالاته هو الله المنعم بالخلق والرزق والتدبير للإنسان ولسائر الخلق والذي بيده كل شئ وهو قادر على كل شئ هذا الذي يجب أن يحب ويوالى، أما الذي لا يملك شيئا وهو مملوك ولا يعطى شيئا وكيف وهو معطى فكيف يحب ويوالى.
والذي تجب محبته وموالاته من الناس هو من آمن بالله وكفر بالطاغوت وهو ما عبد دون الله جل جلاله وعظم سلطانه من إنسان أو جان، من كوكب أو شجر وحجر وأحب الله تعالى ووالاه، وأحب ما يحب الله، ووالى من أحب الله ووالاه من صالحي عباده المؤمنين به وبلقائه المطيعين له ولرسوله. أما من استحب الكفر على الإيمان والشرك على التوحيد، والكافرين على المؤمنين فكيف تجوز موالاته ومناصرته. اللهم إن هذا ظلم فاضح وصاحبه ظالم لا أظلم منه. وختم تعالى إنذاره بهذا التهديد العظيم الذي لا يطاق فقال لرسوله صلى الله عليه وسلم قل لهم:{قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} أي إلى التوبة والإنابة إليه، والرجوع إلى محبته وموالاته، إذ هو توغلوا في الفسق بالكفر والظلم والشر والفساد، إذ سنة الله سبحانه وتعالى أن من أدمن على شئ قل ما يتركه ويتخلى عنه، وكلمة الفاسقين دالة على التوغل في الفسق بالكفر والظلم والفجور.
هذا وإليك أيها القارئ والمستمع بعض ما يهدى إليه هذا النداء الكريم زيادة على ما علمت من شرحه وبيانه:
1-
اعلم أن هذه الآية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ....} الخ متضمنة حكم حرمة موالاة الكافرين ولو كانوا من أقرب الأقارب وهذا الحكم عام في أمة الإسلام إلى يوم القيامة ولا التفات إلى سبب نزولها؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
2-
أن من تولى المشركين صار مشركا كما قال ابن عباس رضى الله عنهما: من تولاهم فهو مشرك مثلهم؛لأن الرضا بالشرك شرك ويستثنى من هذه المقاطعة
الإحسان والعطية للأقارب الكفرة لحديث أسماء إذ قالت يا رسول الله إن أمي قد قدمت على راغبة وهى مشركة أفأصلها؟ قال: " صلى أمك ".
3-
أن حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من أوجب الواجبات ومن لم يحب الله ورسوله فليس بمؤمن وإن ادعى الإيمان ولنصغ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقر هذه الحقيقة " ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الأيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود إلى الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار".
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.