الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النداء الثاني والخمسون: في حرمة أكل أموال الناس بالباطل والوعيد الشديد لمن يكنز الذهب والفضة ولا يخرج زكاتهما
الآيتان (34 _ 35) من سورة التوبة
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
الشرح:
اذكر أيها القارئ الكريم أن الله تعالى لا ينادى عباده المؤمنين إلا ليأمرهم بفعل ما يكملهم ويسعدهم، أو لينهاهم عما يشقيهم ويخسرهم وها هو ذا تعالى في هذا النداء العظيم يخبرهم بحال أعدائهم من اليهود والنصارى الذين يريدون دوما أن يطفئوا نور الله بأفواههم، والله متم نوره ولو كره الكافرون والمشركون معا، يخبرهم بحال رجال الدين فيهم وهم الأحبار، والرهبان، وانهم ماديون صرفا، وما شعار الدين الذين يحملونه إلا خدعة لعوامهم وجهالهم، إذ قال تعالى:{إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبَارِ} وهم علماء اليهود، {وَالرُّهْبَانِ} وهم عباد النصارى وأما علماؤهم فهم القسس، والواحد منهم يقال له قس. {لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ} أي بدون حق يبيح لهم أكل أموال الناس، إذ هم يأكلونها تحت ستار الكذب والحيل كالرشوة، وكتابة صكوك الغفران لغلاة الذنوب والآثام إلى غير ذلك من أنواع الحيل والكذب.
وقوله تعالى: {وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} الذي هو الإسلام، وعلة صدهم عن الإسلام أن يبقى أتباعهم من اليهود والنصارى سخرة لهم يعيشون سعداء
على حسابهم، إذ لو دخل أتباعهم في الإسلام لحرموا سيادتهم عليهم وأموالهم منهم، وتبع ذلك السلطة والحياة ولم يبق لهم بين الناس ذكر. وهذه حالهم إلى اليوم فإنهم يحاربون الإسلام بكل وسيلة.
وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ.....} هذا إعلام آخر من الله تعالي لعباده المؤمنين معلما محذرا حتى لا يقعوا في مثل ما وقع فيه الأحبار والرهبان إذ أخبرهم أن الذين يكنزون الذهب والفضة وسواء كانوا من الكافرين والمشركين أو من المسلمين وذلك لحرمة كنز الأموال وهى قوام الأعمال، وأداة العيش الرغد في الحياة. فتوعد تعالى الذين يكنزونها ولا ينفقونها في سبيل الله بالعذاب الأليم إذ قال تعالى:{فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} وقد سلك مسلك الأحبار والرهبان علماء الروافض إذ أن أئمتهم يأخذون منهم ضرائب هي خمس دخل كل فرد من أي جهة كان هذا الدخل، أخبرني بهذا أحد رجالهم بمدينة الكويت، ويبين تعالى كيفية تعذيب كانزي الذهب والفضة بها يوم القيامة وهى أن تحول إلى صفائح ويحمى عليها في نار جهنم حتى تلتهب نارا، ثم تكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم. فلم يبق موضع من أجسامهم ألا يكوى بتلك الصفائح. ومع هذا العذاب الحسي عذاب معنوي وهو القول لهم:{هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لانْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} . كما يقال لأبى جهل في جهنم {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} استهزاء وسخرية به هذا العذاب المعنوي أعظم ألما من العذاب الجسدي وأشد. هذا معنى قوله تعالى: {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لانْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} .
ولنعلم أيها القارئ والمستمع أن هذه الآية لما نزلت اضطرب لها المسلمون، وكبر عليهم أمرها، فقال عمر رضى الله عنه: أنا أفرج عنكم فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا نبي الله إن كبر على أصحابك هذه الآية فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله لم يفرض الزكاة إلا ليطيب ما بقى من أموالكم لتكون لمن بعدكم ". فكبر عمر. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء: المرأة الصالحة التي إذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته "، أي في ماله وعرضه. وهذا الحديث العمرى
حقا نفس عن النفوس المؤمنة ما تجده من ألم في إدخار بعض المال. وحقا لو حرم الادخار ومنع كيف تنزل آيات الميراث.
وتقسيم التركة على الوارثين: للذكر مثل حظ الأنثيين، ولكل من الأب والأم السدس إذا هلك الابن وترك ولدا، وللأم الثلث والباقي للأب إذا لم يترك ولدهما ولدا. وللزوجة الربع إذا لم يترك الزوج ولدا، وله الثمن إن ترك ولدا. وللزوج الربع إن تركت زوجنه ولدا، وله النصف إن لم تترك ولدا. ومن مات من رجل أو إمراة، ولم يترك أبا ولا أما ولا ولدا وإنما ترك أخا أو أختا لأم وعصبة فإن لكل واحد منهما السدس والباقي للعصبة، وإن ترك أكثر من أخ أو أخت لأم فهم شركاء في الثلث، والباقي للعصبة. ومن ترك أختا ولم يكن لها ولد فلها النصف، وإن ماتت هي ولم تترك ولدا فهو يرث مالها كله، وإن مات هو وترك أختين فلهما الثلثان والباقي للعصبة كالأعمام مثلا، ومن ترك منهما إخوة رجالا ونساء فإن الاخوة يقتسمون التركة للذكر مثل حظ الأنثيين كالوالد يموت ويترك بنين وبنات فإنهم يقتسمون التركة للذكر مثل حظ الأنثيين. ولا تقسم التركة إلا بعد إنفاذ الوصية وسداد الدين. هذه قسمة الله تعالى في مال الهالك، فلو كان كنز المال حراما فكيف ينزل القرآن بقسيمته على النحو الذي فصلت؟
لذا الإجماع على أن المال المدخر إذا أخرجت زكاته لا يعد كنزا محرما يعذب به صاحبه، أما الذي لم يخرج زكاته سنويا فالعذاب لازم، وهذا مسلم يخرج حديث أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" ما من رجل لا يؤدى زكاة ماله إلا جعل له يوم القيامة صفائح من نار فيكوى بها جنبه وجبهته وظهره في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار " ومثله أيضا " من كان عنده إبل أو غنم أو بقر فلم يؤت زكاتها فإنه يعذب في عرصات القيامة إلى نهاية الحساب، ثم إلى الجنة أو إلى النار".
ألا فلنذكر هذا أيها القارئ والمستمع ولنعلم الناس ما يجب أن يعلموه من دين الله ولنحثهم على العمل به طلبا للنجاة إذ الله شديد العقاب وسريع الحساب.
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.