الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النداء السابع والأربعون: في حرمة خيانة الله والرسول صلى الله عليه سلم، وخيانة الأمانات، والتحذير من فتنة المال والولد
الآيتان (27 _ 28) من سورة الأنفال
أعوذ بالله الشيطان الرجيم
الشرح:
اذكر أيها القارئ الكريم ما قد سبق أن عرفته وهو أن الله تعالى ينادى عباده المؤمنين به وبلقائه، وكتابه ورسوله لكمال حياتهم يناديهم ليأمرهم أو ينهاهم أو يبشرهم أو ينذرهم لأنهم أهل لأن يسمعوا ويطيعوا وها هو ذا سبحانه وتعالى ناداهم لينهاهم عن أمر خطير وهو خيانتهم له سبحانه وتعالى بان يظهر أحدهم الطاعة ويخفى المعصية، إذ هذا الوصف لا يليق بالمؤمن أبدا، وإنما هو وصف المنافقين؛ لذا نهاهم عنه وحذرهم أن يكون فيهم. كما نهاهم عن خيانة الأمانات التي يؤتمنون عليها وهى خاصة وعامة، فالخاصة هي ما يؤمن عليه المرء من أخيه كمال، أو سر من الأسرار، والعامة هي كل التكاليف الشرعية التي كلفنا الله تعالى بها حتى الغسل من الجنابة أمانة. وقوله:{وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} عظم جريمة الخيانة وآثارها السيئة على النفس والمجتمع معا.
وقوله تعالى في الآية الثانية: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} أعلمهم بما من شانه أن يكون السبب الحامل للعبد على خيانة أمانته أل وهو حب المال والولد، وهو حب فطرى إذا لم يقاومه العبد بالخوف من الله، وبمراقبته تعالى، لا يسلم من أذاه وفتنته كما قال تعالى:{أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} ، ومن شأن الفتنة أنها تصرف عن طاعة الله ورسوله
ومن لم يطع الله ورسوله خسر دنياه وأخرته.
وقوله تعالى: {وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} تنبيه لهم على أن تركهم ما تدعوهم إليه أنفسهم من خيانة الأمانات لأجل الحفاظ على أموالهم، وإسعاد أولادهم عند الله ما هو خير منه وهو الجنة دار السلام. فإن تركوا ما تدعوا إليه نفوسهم إلى ما يدعوا إليه ربهم سبحانه وتعالى، فإن الله يجزيهم بأعظم أجر وأحسن جزاء لأنه تعالى عنده الأجر العظيم يعطيه من جاهد نفسه وصبر على طاعة ربه عز وجل وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم فلم يخن الله ورسوله، ولا أمانته وقد يكون الأجر في الدنيا بالرزق الحسن، والعيش الرغد زيادة على الجنة ونعيمها في الدار الآخرة، إذ ورد أن العبد إذا ترك شيئا من أمور دنياه لله عوضه الله خيرا منه في دنياه وأخراه.
ويحسن هنا أيها القارئ الكريم والمستمع المستفيد أن تذكر ما روى عبد الرازق عن الزهري في سبب نزول هذا النداء الكريم؛ إذ قال: " إنها نزلت في أبى لبابة بن عبد المنذر لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بنى قريظة لينزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم محاصرون من قبل المسلمين لنقضهم عهدهم وخيانتهم له. فلما وصل إليهم استشاروه في أمرهم فأشار إليهم بذلك أي بقبول حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا انه أشار بيده إلى حلقه أي إنه الذبح أي النزول على حكم رسول الله معناه أنه يأمر بذبحهم ثم فطن فعلم أنه بإشارته بيده إلى حلقه قد خان ورسوله. فعاد من ديارهم وحلف أن لا يذوق ذواقا حتى يموت، أو يتوب الله عليه. وانطلق إلى مسجد رسول صلى الله عليه وسلم فربط نفسه في ساريه من سواريه وتعرف الأن بسارية أبى لبابة. فمكث تسعة أيام، حتى كان يخر مغشيا عليه من الجهد فأنزل الله تعالى توبته على رسوله فجاءه الناس يبشرونه بتوبة الله تعالى عليه، وأرادوا أن يحلوه من رباطه بالسارية فحلف لا يحله منها أحد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة، فجاء رسول الله الرءوف بالمؤمنين الرحيم بهم فحله: فقال يا رسول الله إنى كنت نذرت أن انخلع من مالي صدقة. فقال: " يجزئك الثلث أن تصدق به ". ففعل رضى الله عنه ". فهذه الحادثة التي نزلت فيها الآية تعتبر سببا في نزولها وهو كذلك إلا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. فالله عز وجل نادى المؤمنين ونهاهم عن خيانة الله وخيانة الرسول فيما يتعلق به تعالى وبرسوله من طاعتهما في الأمر والنهى في الظاهر والباطن، وفيما يتعلق بسائر الأمانات إذ قال عز من قائل:{لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ} أي ولا
تخونوا أماناتكم.
وأخيرا فلا تنس العبرة العظيمة في حادثة أبي لبابة وهى أن المؤمن إذا غفل فاستزله الشيطان فخان أمانة من أماناته فإنه على الفور يتوب إلى الله فيكرب ويحزن ويكثر من الاستغفار والصالحات ويتصدق بمال كثير، بعد أن يعترف بزلته ويرد الحق إلى أهله. ومن تاب تاب الله عليه، والله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر إلا أن التوبة تجب على الفور ولا يحل تأخيرها ابدا، ولا عذر لأحد في تأخير التوبة لقول الله تعالى:{ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ} 1 والقرب هو ساعة ارتكاب المعصية والشعور بذلك
…
ولنتأمل توبة أبى لبابة فإنه لم يؤخرها دقيقة واحدة.
وفعل في توبته ما لا يقدر عليه غيره فرضى الله عنه وأرضاه. وغفر لنا ذنوبنا وتاب علينا إنه ولينا وليس لنا ولى سواه.
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
1 سورة النساء: 17