الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النداء الثامن والثلاثون: في تحريم الخمر والميسر والأنصاب والأزلام
الآيتان 90 _ 91 من سورة المائدة
أعوذ بالله الشيطان الرجيم
الشرح:
لا تنس أيها القارئ الكريم أن الإيمان بمثابة الروح للإنسان، فمن آمن وصح إيمانه فقد حيى وأصبح أهلا لأن يؤمر فيمتثل ويفعل، وينهى فيمتثل وينتهى، وذلك لكمال حياته. وإن الكافر كالميت لا يسمع ولا يبصر، ولا يفهم ولا يعقل، ولذا لا يكلف إلا بعد حياته بالإيمان بالله ولقائه، وكتاب الله، ورسوله صلى الله عليه وسلم، فاذكر هذا ولا تنسه، واعلم أن هذا النداء الإلهي الثامن والثلاثون من نداءات الرحمن لأوليائه المؤمنين المتقين يحمل لهم تحريمه تعالى عنهم أربعة أشياء وهى: الخمر، والميسر، والأنصاب، والأزلام، إذ قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} .
فالخمر هي كل ما خامر العقل؛ أي ستره فأصلح صاحبه يهذر في كلامه، ولا يعي ما يقول حتى إنه قد ينطق بالسوء، أو يأتى منكرا من الفعل.
والميسر أصله اللعب بالقداح للقمار، وأصبح يطلق الميسر على القمار، فكل لعب يقامر به هو ميسر.
والأنصاب جمع نصب، وهو ما ينصب من الأحجار والتماثيل والصور للعبادة بأي صورة من صور العبادة كالتعظيم، والتمسح، والعكوف حولها، والحلف بها، والنذر لها.
والأزلام جمع زلم، وهى سهام يستقسمون بها في الجاهلية، وهى عبارة عن ثلاثة سهام كتب على أحدها أمرني ربى، وعلى الثاني نهاني ربى، والثالث مهمل لم يكتب عليه شئ، فإذا أراد الرجل أن يسافر أو يتزوج أو ..... يأتى صاحب الأزلام فيطلب منه
بيان قسمته وحظه فيدخل العيدان في خريطة (كيس) ويميلها فيها ثم يخرج واحدا من الثلاثة فإذا خرج أمرني مضى في عمله الذي عزم عليه، وإن خرج نهاني أعاد الاستقسام حتى يخرج أمرني أو نهاني
…
فجاء الإسلام فحرم هذا الإستقسام، كما حرم ما يعرف بخط الرمل، وقرعة الأنبياء والاستقسام بالمسبحة، والشوافات من النساء إلى غير ذلك من أنواع الضلالات التي جاء الإسلام بتحريمها. وقال الله تبارك وتعالى فيها:{رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} والرجس النجس المستقذر حسا أو معنى، والمحرمات كلها خبيثة وإن لم تكن مستقذرة، وكونها من عمل الشيطان هي أشد رجسا وقذارة، لأن الشيطان لا يزين إلا ما كان خبيثا نجسا حسا أو معنى لذا أمر تعالى باجتنابه بقوله:{فَاجْتَنِبُوهُ} ورجانا بالفلاح إذا نحن اجتنبنا هذه القاذورات من الخمر، والميسر، والأنصاب، والأزلام فقال:{لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} والفلاح الفوز بالنجاة من النار ودخول الجنة. كانت تلك هداية الآية الأولى أما الآية الثانية وهى قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} فقد أخبرنا تعالى عن علة تزيين الشيطان للرجس الذي هو مجموع المحرمات الأربع وأنها إيقاع العداوة والبغضاء بيننا، وصدنا عن ذكر الله وعن الصلاة، فهذه العظائم الأربع هي علة تزيين الشيطان لتلك الخبائث الأربع التي هي الخمر، والميسر، والأنصاب، والأزلام.
ألا فلنعرف هذا أيها القارئ الكريم، ولنلعن الشيطان ونخيبه في دعوته باجتنابنا التام للخمر فلا نشربها، ولا ننتجها، ولا نبيعها وللميسر فلا نلعبه وأيا كانت آلاته نردا أو شطرنجا، أو كعابا، أو غيرها كالكيرم، والدمينو وغيرها إذ الكل مما حرم الله جل جلاله وعظم سلطانه، وبذلك ننجو من فتنة الشيطان فتدوم محبتنا لبعضنا وولاؤنا ولا نفتر ذاكرين الله، مقيمين للصلاة، التي هي عمود ديننا، ومركز قوتنا ومناة هدايتنا وسلم رقينا ونجاتنا من الوقوع في الفحشاء والمنكر {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} 1.
ولنذكر ما ختم الله تعالى به هذا التوجيه الإلهي لنا وهو قوله: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} لنقول، انتهينا ربنا كما قالها عمر رضى الله عنه لما كان يقول:" اللهم بين لنا في الخمر شافيا ". حتى نزلت هذه الآية فقال: انتهينا ربنا. ونحن نقول لا نقارف هذه الخبائث، ولا نرضى بها فثبتنا ربنا، فإنك ولينا ولا ولى لنا سواك ولك الحمد على ما أوليت، ولك الشكر على ما أعطيت. وسلام على عبادك الصالحين. والحمد لله رب العالمين.
1 سورة العنكبوت: 45.