الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النداء الخامس والعشرون: في وجوب العدل في الشهادة وحرمة اتباع الهوى المانع من العدل فيها
الآية (135) من سور ة النساء
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
الشرح:
اعلم أيها القارئ الكريم أن هذا النداء الإلهي له شأن عظيم، إذ هو يوجب العدل في القضاء، والشهادة، والقول، والعمل، والاعتقاد، فعلى من قضى بين اثنين أن يعدل في حكمه، وأن من شهد أن يعدل في شهادته، وأن من قال مخبرا أو آمرا، أن يعدل في قوله أو أمره، إذ على العدل قامت السموات والأرض وها هو ذا الرب تبارك وتعالى ينادى المؤمنين ويأمرهم قائلا:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} أي بالعدل هذا في الحكم بين الناس. {شُهَدَاءَ لِلَّهِ} أي أدوا الشهادة لله؛ لأن الشهادة على عبده كالشهادة له عز وجل. إذا أدوها عادلة لا حيف فيها ولا جور، ولو كانت الشهادة على أنفسكم لأنكم عبيد الله فلا تظلموا أنفسكم؛ لأن ذلك لا يرضاه سيدكم لكم، وظلم النفس يكون باقتراف الذنب بالحيف في الشهادة وعدم العدل فيها إذا فاعدلوا ولو كانت الشهادة على أنفسكم؛ أو الوالدين والأقربين، فليشهد أحدكم على نفسه بأنه فعل أو ترك، وعلى أبيه وأمه وأقربائه، أنهم فعلوا أو قالوا أو أخذوا أو تركوا، فلا تحمله طاعة والديه، وواجب الإحسان إلى أقربائه، أن يكتم الشهادة عليهم أو يبدلها خائفا فيها جائرا ولا تراعوا في آداء الشهادة فقرا ولا غنى كما لم تراعوا قربا
أو بعدا، فالله أولى بالفقراء بالإحسان إليه، وأولى بالغنى أن يأخذ منه غناه. فلا يميلن أحدكم مع الفقير رحمة به، ولا مع الغنى طمعا فيه، وليوكل ذلك لله تعالى، فهو أولى به.
بعد هذا الإرشاد والتوجيه إلى إقامة العدل في القضاء والشهادة. نهى تعالى المؤمنين عن إتباع الهوى فقال: {فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى} والهوى هو ميل النفس إلى ما تحبه وما يزينه الشيطان لها، فترغب فيه وتطلبه كحب السمعة والمال والجاه واللذات. فنهى تعالى عباده المؤمنين عن إتباع الهوى حتى لا يجوروا في قضائهم وشهاداتهم، ثم حذرهم في لي اللسان بالشهادة حتى لا تأتى عادلة، ومن الإعراض عنها بأن يكتموها فلا يؤدوها، أو يعرضوا عن بعضها فلا تكون كافية في إحقاق الحق وإبطال الباطل. فقال تعالى:{وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} أي لا يخفى عليه أمركم، عدلتم أو جرتم، أتممتم أو نقصتم، فاحذروا رقابته تعالى لكم وجزاءه إن عدلتم بالخير، أو جرتم بالعذاب، فما أحسن هذا التذييل في الآية الكريمة {فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} . فاذكروا هذا ولا تنسوه فإنه يعينكم على تقوى الله عز وجل بامتثال أمره واجتناب نهيه فتكملوا وتسعدوا.
واعلم أيها القارئ الكريم أن الله تعالى أمر بالعدل في القضاء والحكم في غير هذه الآية، أيضا فاسمع قوله تعالى:{ِانَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} وقوله: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} كما نهى تعالى عن كتمان الشهادة في قوله: {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} ومما يؤكد أمر حرمة الظلم والجور في الحكم والشهادة قول الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يخاطب أصحابه: " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: الشرك بالله وعقوق الوالدين وكان متكئا فجلس فقال: ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور ومازال يكررها حتى قال الحاضرون من أصحابه: ليته سكت " أي تمنوا سكوته خشية أن ينزل أمر عظيم لا يطاق ويقول صلى الله عليه وسلم مخبرا أمته معلمها لتكمل وتسعد: " خير الشهود الذي يأتى بشهادته قبل أن يسألها " وبناء على هذا فشر الشهود من يكتم شهادته فيضيع حق أخيه المؤمن، والعياذ بالله تعالى.
وأخيرا إليك أيها القارئ الكريم والمستمع المستفيد هذه الصورة الجليلة في بيان العدل والشهادة بالقسط، يقول عبد الله بن رواحه شهيد مؤته رضى الله عنه وأرضاه وقد بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرص على أهل خيبر ثمارهم وزروعهم فأرادوا أن يرشوه ليرفق بهم. فقال لهم: والله لقد جئتكم من عند أحب الخلق إلى ولأنتم أبغض إلى من أعدائكم من القردة والخنازير. وما يحملني حبي إياه وبغضي لكم على أن لا أعدل فيكم فقالوا بهذا قامت السموات والأرض. لنتأمل جميعا هذا الموقف الذي وقفه عبد الله بن رواحه صاحب الرسول صلى الله عليه وسلم وهو موقف يجب أن يقفه كل مؤمن، فلا تغرنه الحياة الدنيا فيحيف أو يجور أو يأخذ رشوة مالية مهما كانت الظروف والأحوال اللهم أحينا على ما أحييته وأمتنا على ما أمته عليه. إنك رب العالمين وولى المتقين.
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.