الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النداء الثاني والسبعون: في حرمة السخرية بالمؤن وحرمة التنابز بالألقاب
الآية (11) من سورة الحجرات
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
الشرح:
اعلم أيها القارئ الكريم والمستمع المستفيد أن في هذا النداء والثلاثة من قبله، والأتي بعده؛ هذه النداءات الخمسة من سورة الحجرات المباركة كلها في تربية المؤمنين وتهذيب أخلاقهم، وتزكية نفوسهم، والسمو بآدابهم، وهم لذلك أهل بإيمانهم بالله ولقائه، والقرآن وأحكامه، والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وهديه وسنته؛ لذا يتعين على المؤمنين قراءة هذه النداءات بعناية والتدبر فيها وفهم معانيها، والعمل بها رجاء كمالهم وسعادتهم، حقق الله تعالى لنا ذلك ولهم آمين.
والآن مع شرح هذا النداء الرابع من تلك النداءات.
قوله تعالى: {لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ} أي لا يزدر أناسا منكم أيها المؤمنون إناسا آخرين منكم أيها المؤمنون ويحتقرونهم؛ فإن ذلك محرم عليكم مغضب للرب تعالى عليكم، وكيف ترضون بغضب ربكم وهو وليكم وانتم أولياؤه بإيمانكم وتقواكم. وقوله تعالى:{عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ} أي عند الله تعالى، والعبرة بما عند الله لا بما عند الناس، فلذا من القبح والسوء سخرية مؤمن بمؤمن بازدرائه واحتقاره وهو لا يدرى قد يكون من ازدراه وسخر منه خيرا عند الله وأحب
إلى الله منه، ألا فلنذكر هذا فإنه في غاية الأهمية حتى لا يرانا الله جل جلاله يسخر بعضنا من بعض ونحن أولياؤه المؤمنون المتقون له.
وقوله تعالى: {وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ} أي ولا يحل لمؤمنة من نساء المؤمنين أن تزدرى مؤمنة أخرى عسى أن تكون خيرا منها عند الله. وفى قوله {عَسَى} إشارة أن من ازدرى به من مؤمن أو مؤمنة هو خير عند الله تعالى ممن ازدراه وسخر منه وكما حرم الله تعالى السخرية بين المؤمنين والمؤمنات لما يفضى إليه من العداوات والمشاحنات والبغضاء وقد يؤول الأمر إلى التقاتل وسفك الدماء، وكيف يرضى المؤمن والمؤمنة بعداوة أخيه وبغضه وسفك دمه والعياذ بالله. حرم كذلك اللمز والتنابز بالألقاب، إذ قال تعالى في هذا النداء:{وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ} ، ومعنى اللمز: العيب أي لا تعيبوا بعضكم بعضا فإنكم كفرد واحد. فلا يحل لمؤمن أن يعيب أخاه المؤمن؛ لأن من عاب أخاه المؤمن كأنما عاب نفسه. كما أن المعاب قد يرد العيب بعيب من عابه، وهو معنى {وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} . ومن آثار اللمز وهو العيب ما روى عن ابن مسعود رضى الله عنه حيث قال:" البلاء موكل بالقول، لو سخرت من كلب لخشيت أن أحول كلبا ". وقوله تعالى: {وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} أي لا يحل لمؤمن أن يلقب أخاه المؤمن بلقب يكرهه فإن ذلك يفضى إلى العداوة والبغضاء وحتى المقاتلة. وقوله تعالى: {بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ} أي قبح أشد القبح أن يلقب المسلم بلقب الفسق بعد أن أصبح مؤمنا عدلا كاملا في أخلاقه وآدابه. لذا فلا يحل لمؤمن أن يقول لأخيه المؤمن يا فاسق أو يا كافر أو يا فاجر أو يا عاهر أو يا فاسد؛ إذ بئس الاسم اسم الفسوق كما أن الملقب للمؤمن بالألقاب السوء يعد فاسقا. وبئس الاسم له أن يكون فاسقا بعد إيمانه بالله ولقائه والرسول صلى الله عليه وسلم وما جاء به من الحق والعدل والهداية والنور. وقوله تعالى في نهاية هذا النداء: {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} أي ومن لم يتب من جريمة احتقار المؤمنين وازدرائهم وتلقيبهم بألقاب السوء التي يكرهونها. فأولئك هم الظالمون. المتعرضون لغضب الله تعالى وعقابه والعياذ بالله من غضب الله وعقابه.
ومن الألقاب السيئة التي يجب أن يتحاشاها المؤمن فلا يلقب بها أخاه المؤمن: نحو أنف الناقة، وقرقور، وبطة وكل لقب مكروه وهو ما أشعر بخسة. أما ما لم يشعر بخسة فلا بأس به كحاتم في كرمه وعنترة في بطولته، ومالك في فقهه، وأحمد في
صبره وصدقه. فلا بأس بذلك.
ولنذكر دائما أن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا فكيف يصح إذا أن يلمز أخاه ويتنابز معه أو يلقبه بلقب سوء وهذه مؤدية إلى العدوان والبغضاء ألا فلنلزم أنفسنا قول الحق والصدق مع إخواننا المؤمنين.
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.