الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النداء الخامس والثمانون: في وجوب حضور صلاة الجمعه إذا نودي لها وحرمة البيع والشراء وسائر الأعمال بعد النداء
الآيتان (9، 10) من سورة الجمعة
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
الشرح:
اذكر أيها القارئ الكريم أن الله تعالى ينادى عباده المؤمنين بعنوان الإيمان؛ لأن المؤمنين أحياء بإيمانهم يسمعون النداء ويجيبون من ناداهم لكمال حياتهم. وها هو ذا سبحانه وتعالى نادى عباده المؤمنين من هذه الأمة المسلمة له وجوهها وقلوبها فيقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} بي وبرسولي وبلقائي وما عندي لأوليائي، وما لدى لأعدائي {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ} أي إذا أذن المؤذن قائلا حي على الصلاة، وذلك من يوم الجمعة وهو اليوم الفاضل الذي فازت به أمة الإسلام وحرمه اليهود لعنادهم وحرمه النصارى لجهلهم وضلالهم؛ إذ هو أفضل الأيام خلق الله أدم وأدخله الجنة وأخرجه منها، وفيه تقوم الساعة. وفيه ساعة لا يوافقها مؤمن يصلى ويسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه ويقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: " من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة (بعيرا) ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة،
ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام أي ليرقى المنبر ويخطب الناس حضرت الملائكة يستمعون الذكر ".
وقوله تعالى: {فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} أي امشوا إلى أداء صلاة الجمعة بعد سماع الخطبة. وهذا المشى يسبقه أمور منها الغسل، ولبس الثياب الجديدة أو النظيفة الخاصة بها، ومنها مس الطيب ومنها السواك. وهذا الإمام أحمد رحمه الله يروى في مسنده الصحيح الحديث التالي. يقول صلى الله عليه وسلم:" من اغتسل يوم الجمعة، ومس من طيب أهله، إن كان عنده ولبس من أحسن ثيابه ثم خرج حتى يأتي المسجد فيركع ما بدا له، ولم يؤذ أحدا ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يصلى كانت كفارة لما بينها وبين الجمعة الأخرى ". وروى أصحاب السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر قال: " ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته ".
وقوله تعالى: {وَذَرُوا الْبَيْعَ} أي اتركوا البيع والشراء إذ لفظ البيع يطلق على الشراء. ولهذا يحرم أي عقد يتم والإمام على المنبر يوم الجمعة. كما يحرم أي عمل كتجارة أو حياكة أو صناعة أو زراعة. أو طهى طعام وما إلى ذلك من سائر الأعمال وقوله تعالى: {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أي إن ترك الأعمال من بيع وشراء وغيرها من سائر الأعمال والذهاب إلى المسجد لأداء صلاة الجمعة خير ثوابا وخير عاقبة في الدنيا والآخرة.
وقوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ} أي أديت وفرغ منها {فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} أي لقضاء حوائجكم كالبيع والشراء وسائر الأعمال المأذون فيها من المباحات. وقوله: {وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} أي اطلبوا ما تحتاجون إليه من أمور دنياكم ومعاشكم فقد أذن الله تعالى لكم فيه بعد أن منعكم منه عند سماع النداء والإمام على المنبر وقال: {من فَضْلِ اللَّهِ} إذ كل رزق يحصل عليه العبد هو من عطاء الله وفضله، وما للعبد إلا إتيان الأسباب الموضوعة لذلك، فلذا لا يطلب المحرم سواء كان طعاما أو شرابا أو لباسا أو غيرها، إذ ذاك لم يأذن الله فيه فهو ليس من فضله تعالى، وقوله تعالى:{وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً} أي أثناء تفرقكم وانتشاركم في أعمالكم طلبا لفضل الله تعالى في هذه الحال اذكروا الله بقلوبكم وألسنتكم ولا تنسوه واذكروه ذكرا كثيرا، وقوله تعالى:{لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} . أي اذكروا الله كثيرا
رجاء أن تفلحوا في سعيكم وعملكم وتعودون بحاجاتكم بعد السعي والطلب؛ لأن فى ذكر الله العون الكبير والوقاية العظمى من الخيبة والخسران، وفلاح المؤمن لا يقصر على الدنيا بل هو في الدنيا والآخرة، وفلاح الآخرة معناه الفوز بالحنة بعد النجاة من النار.
وأخيرا اذكر أيها القارئ ما يلي:
1-
وجوب صلاة الجمعه ولا يسقط هذا الواجب إلا على المرأة والعبد والمريض والممرض له والمسافر.
2-
حرمة البيع والشراء وسائر الأعمال إذا جلس الإمام على المنبر وشرع المؤذن يؤذن الأذان الأخير.
3-
لا تفهم من قوله تعالى: {فَاسَعَوْا} أن السعي هنا الجري والهرولة لا، لا وإنما هو المشى إليها بسكينة ووقار كما بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم 1. وإطلاق السعي على غير السرعة والهرولة كثير، من ذلك فلان يسعى على عائلته ليس معناه أنه يجرى وإنما يعمل. ومنه فلان سعى في الإصلاح بين فلان وفلان ليس معناه أنه يجرى. هذا واذكر ما علمت ولا تنسه واعمل وعلم وبارك الله فيك.
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
1 في الحديث الصحيح.