الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النداء الخامس والثلاثون: في التحذير من الردة عن الإسلام وبيان صفات المؤمنين الصادقين
الآية (54) من سورة المائدة
أعوذ بالله الشيطان الرجيم
الشرح:
اذكر أيها القارئ الكريم أن نداءات الرحمن لعباده وأولياءه المؤمنين تدور حول زيادة هدايتهم. وطلب كمالهم وسعادتهم في الدارين، وها هو ذا تعالى يحذرهم من الردة عن الإسلام، والعودة إلى الشرك، وهذا نادر، وإنما المتوقع هو التهود والتنصر _ والعياذ بالله _، ويدل لذلك تحذيره في النداء الرابع والثلاثين قبل هذا إذ حرم موالاة اليهود والنصارى فقال:{لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ} ، إذ هذا سبيل التهود والتنصر ثم أعلم أن من تولاهم أصبح منهم وبذلك يكون قد ارتد عن الإسلام ودخل في اليهودية أو النصرانية _ والعياذ بالله تعالى _ من السلب بعد العطاء ومن الضلال بعد الهدى. وها هو ذا سبحانه وتعالى يناديهم فيقول:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ} أي يرجع {مِنْكُمْ} أيها المسلمون {عَنْ دِينِهِ} الذي هو الإسلام، وقل لي: بم تكون الردة؟ إنها تكون باعتقاد اليهودية أو النصرانية وحبهم وموالاتهم وشهود معابدهم وعباداتهم، والتزى بزيهم، والسير في ركابهم، يفعل ما يفعلون وترك ما يتركون تعبدا وتدينا، فلنذكر هذا ولا ننسه، ونحذر كل مسلم ومسلمة من الوقوع فيه فإنه الردة الموجبة لغضب الله وعقابه كان هذا في التحذير من الردة. أما
صفات المؤمنين الصادقين فقد بينها الله تعالى بقوله: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} .
فأولى هذه الصفات حب الرحمن لهم ولنعم هذه الصفة.
وثانيها حبهم لله تعالى وأعظم بها نعمة.
وثالثها كونهم أذلة على المؤمنين أي هينين لينين.
ورابعها أعزة على الكافرين أي أقوياء أشداء.
وهاتان الصفتان: الرابعة والثالثة جاءت من نعت الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه إذ قال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} 1.
وخامسة الصفات: يجاهدون في سبيل الله؛ آي كلما دعا داعي الجهاد حملوا سلاحهم وخرجوا لا هدف لهم ولا غاية سوى رضى الله ونصره دينه وأوليائه.
وسادسة الصفات: أنهم لا يخافون في اعتقاد الحق وقوله والعمل به وإظهاره والدعوة إليه لومة لائم، بل ولا عداء معاد ولا حرب محارب. وذلك لكمال علمهم وصحة إيمانهم وعظيم يقينهم. وقل لي أيها القارئ الكريم بم ختم الله توجيهه لأوليائه شفى هذا النداء العظيم؟ إنه ختمه بقوله:{ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}
إن هذه الصفات الست التي لا يقدر على إعطائها إلا الله، ولا يستحقها إلا أولياء الله هي من فضل الله تعالى، وفضل الله لا يعطى إلا لمن طلبه ورغب فيه وصدق في طلبه وسلك السبيل المحقق له والموصل إليه، وقل لي بما يطلب هذا الفضل العظيم؟ فإني أعلمك بأنه يطلب بالإيمان بالله، والكفر بالطاغوت إذ قال تعالى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ
1 سورة الفتح: 29
أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} 1 وإن قلت ما كيفية الإيمان بالله، والكفر بالطاغوت؟ قلت إنها تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وتحقيق شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله: هو أن يؤمن بالله ربا لا رب سواه، وإلها لا إله غيره، ويعلن ذلك بقوله أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويعبد الله بما شرعه من عبادة بين كيفيتها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يعبد مع الله غيره بأية عبادة ويسخط ولا يرضى بعبادة غير الله أبدا.
وأخيرا أيها القارئ وأحسبك قد فهمت نداء الله وما تضمنه من هداية وهدى وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحبه أبى ذر فافهمها واعمل بها تكمل وتسعد. أخرج بن كثير في تفسيره رواية أحمد في مسنده رحمه الله إذ قال عن أبى ذر قال أمرني خليلي صلى الله عليه وسلم بسبع: " أمرني بحب المساكين والدنو منهم، وأمرني أن انظر إلى من هم دوني، ولا أنظر إلى من هو فوقى هذا في أمور الدنيا لا أمور الدين وأمرني أن أصل رحمي وإن أدبرت (قطعت) ، وأمرني أن لا أسأل أحد شيئا، وأمرني أن أقول الحق وإن كان مرا، وأمرني أن لا أخاف في الله لومة لائم، وأمرني أن أكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله فإنهن من كنز تحت العرش ".
فاعلم أيها القارئ الكريم أنك إذا حققت الصفات الست التي تضمنتها آية هذا النداء وأضفت إليها هذه الصفات السبع فقد بلغت ذروة الكمال، وحزت أفضل الخصال، ونلت ما لا ينال إلا بتوفيق وإفضال وإنعام ذي الجلال والإكرام وسلام عليك في الفائزين.
وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
1 سورة البقرة: 256.