الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النداء العاشر: في الأمر بالتقوى وترك ما بقى من الربا
الآيات (278_ 279_ 280) من سورة البقرة
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
الشرح:
اعلم أيها القارئ أو المستمع لهذا النداء العزيز أن هذا النداء وجه للمؤمنين ليأمرهم بأمرين عظيمين: الأول: تقوى الله عز وجل، وذلك بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ إذ الله تعالى لا يتقى غضبه وعقابه إلا بالاستسلام والانقياد له وذلك بحب ما يحب، وكره ما يكره، وفعل ما يأمر به، وترك ما ينهى عنه، والثاني: ترك ما بقى من الربا بعد تحريمه بقوله: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} فمن بقى له شيئ من فوائد الربا فليتركها لمن هي في ذمته.
ولخطورة هذا الموقف وصعوبته على النفس البشرية: ذكرهم بإيمانهم؛ إذ الإيمان الصحيح هو بمثابة الطاقة الدافعة فقال لهم: {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} فإن إيمانكم قدرة قوية تحملكم على تقوى الله وترك ما بقى من الربا عند المدينين لكم. وفى الآيتين بعد هذه حذرهم مهددا لهم بسوء عاقبة الاستمرار في هذه المعصية الكبيرة فقال: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا} أي ما أمرتكم به من التقوى وترك ما بقى لكم من الربا {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} وهل من حارب الله ورسوله يفوز وينتصر لا، والله بل يخسر وينكسر، ثم أرشدهم لحل مشكلة تحدث لهم بعد توبتهم وهى أن رؤوس أموالهم مع أرباحهم تبقى عند المدينين لهم فكيف يصنعون بها. فأرشدهم إلى أخذ رؤوس أموالهم التي هي تحت يد المدينين وترك الأرباح التي كانت لهم بحكم التعامل
الربوي المحرم. وإن من كان معسرا من المدينين لهم فلينتظروه حتى ييسر الله عليه ويدفع لهم رأس مالهم، وإن هم تكرموا بترك ذلك المال صدقة منهم على المعسر فذاك خير إن كانوا يعلمون ثمرة الإحسان بعد الإساءة والتوبة بعد الذنب، فقال {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} .
هل عرفت أيها المؤمن القارئ أو المستمع عظم ذنب المرابي وآكل الربا، وأزيدك معرفة بقول الله تعالى:{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ} - أي من قبورهم - {إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسّ} أي يضربه الشيطان ضربا غير منتظم، والمس اللمس ومن لمسه الشيطان يصرع فورا. فالمرابي يقوم يوم القيامة من قبره كالمجنون الذي كلما قام صرعه الجان.
ويقول الرسول صلى الله عليه وسله: " لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه " ويقول " اجتنبوا السبع الموبقات " ويذكر منها أكل الربا. فإذا عرفت أيها القارئ عظم ذنب آكل الربا. فاعرف ما هو الربا حتى تجتنبه وتدعو المؤمنين إلى اجتنابه إنه نوعان:
الأول: ربا الفضل: وهو بيع ربوى بآخر مع فضل زيادة. والربويات هي الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح، ويقاس على البر الذرة وكل مقتات مدخر فإذا باع أحدا ذهبا بذهب، أو فضة بفضة وجب أن يكون المقدار متساويا وأن يكون في مجلس واحد أي يد بيد، وكذا إن باع قمحا بقمح وإن اختلف الجنس كأن يباع ذهب بفضة، أو قمح بشعير مثلا فيجوز التفاضل ولكن بشرط أن يكون يدا بيد.
الثاني: ربا النسيئة: أي التأخير وهو أن يعطى المرء لآخر مالا يسدده بعد عام مثلا على أن يزيد فيه، فإذا أعطاه ألفا يردها بعد العام ألف ومائة مثلا وكلما تأخر السداد زاد في رأس المال؛ حتى يصبح أضعافا مضاعفة كما قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} .
وأخيرا اعلم أيها القارئ أن سر علة تحريم الربا هي أنه يقطع التراحم بين المؤمنين، وكل ما يؤدى إلى القطيعة بين المؤمنين فهو حرام؛ لأن المؤمنين يجب أن يعيشوا إخوانا متعاونين متحابين، يقرض بعضهم بعض القروض طويلة الأجل، ولا يرجو من ذلك سوى الأجر والمثوبة من الله تعالى؛ لأن القرض في الأجر كالصدقة بل أعظم منها، كما أن المضاربة وهى أن يعطى المؤمن أخاه مالا يتجر فيه والربح بينهما فيها فائدتان: الأولى: نماء المال. والثانية: عون الفقير على الكسب والربح. ومثل المضاربة المشاركة شفى الزراعة والصناعة في تنمية المال، وإفاضته بين المؤمنين لذا حرم الله الربا وأحل البيع.
فلله الحمد وله المنة، وصلى الله وسلم على نبيه وآله وسلم تسليما كثيرا.