الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النداء السابع والعشرون: في حرمة اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين، والتحذير من ذلك
الآية (144) من سور ة النساء
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
الشرح:
اذكر أيها القارئ الكريم والمستمع المستفيد أن نداء الله تعالى الموجه إلى عباده المؤمنين سببه ولايته تعالى للمؤمنين، لأنهم آمنوا به وبلقائه وبكل ما أمرهم بالإيمان به من ملائكته وكتبه ورسله وقضائه وقدره، واتقوه فيما أمرهم به ففعلوه، وفيما نهاهم عنه فتركوه فهو يناديهم بعنوان الإيمان المنبئ بحياتهم وكمالهم، ليأمرهم، أو ينهاهم، أو يرشدهم، أو يحذرهم، أو يبشرهم، بما يزيد في طاقة إيمانهم وصالح أعمالهم، ويحذرهم مما يقعد بهم عما خلقوا له من تزكية أنفسهم بذكر الله تعالى وشكره. ليتأهلوا للنزول في منازل الأبرار بدار السلام بعد نهاية عملهم بموتهم ومفارقة أرواحهم أبدانهم.
ناداهم تعالى في هذا النداء الكريم لينهاهم عن اتخاذ الكافرين أولياء لهم دون إخوانهم المؤمنين، فقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} ومعنى اتخاذهم أولياء: أن يحبوهم ويقربوهم، ويأخذوا بنصحهم وإرشادهم وتوجيهيهم مع نصرتهم ومد يد العون لهم. دون إخوانهم المؤمنين ومثل هذا التحريم لموالاة الكافرين دون المؤمنين ما جاء في قوله تعالى من سورة آل عمران وهو قوله عز وجل: {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَاّ أَنْ تَتَّقُوا
مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} إلا أن هذا التحريم معه استثناء، وهو أن يكون المؤمن في دار الكفار قائما بينهم أذن له أن يداريهم بلسانه بالكلمة الملينة للجانب، المبعدة للبغضاء بشرط أن يكون قلبه مطمئن بالإيمان، كما قال ابن عباس رضي الله عنه: التقاة هي أن يتكلم بلسانه وقلبه مطمئن بالإيمان، ولا يقتل، ولا يأتى مأثما ولنعلم أن هذا الاستثناء لا يبيح أبدا موالاة الكافرين، إذ هو مؤقت بحال الضعف والخوف ولم يتجاوز مداراتهم بالكلمة اللينة المبعدة لغيظهم وبغضهم، أما حبهم ونصرتهم فلا استثناء فيهما أبدا إلا أن يؤمنوا بالله ويدخلوا في الإسلام.
ولنذكر الوعيد والتهديد في الآيتين. إذ في الأولى قال تعالى: {أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُبِيناً} أي حجة واضحة على تعذيبكم بما شاء من أنواع العذاب_ وأنتم أولياؤه، فكيف لو كان النداء للمؤمنين في الظاهر وهم المنافقون، فإن الله تعالى إن لم يكفوا عن موالاة الكافرين، فإنه سينزل فيهم قرآنا ويسلط رسوله والمؤمنين عليهم فيعذبونهم ويخزنوهم ويقتلونهم أما إذا كان النداء موجها لأولياء الله المؤمنين ظاهرا وباطنا. فإنه يحذرهم من موالاة الكافرين دائما وأبدا، وفى كل الأزمنة والظروف فإن هم لم يحذروا تحذيره، ولم يرهبوا وعيده، عذبهم بما شاء، ولقد عذب المؤمنين في ديار الأندلس بتعذيبهم بأبشع أنواع العذاب إذ قتلوا وشردوا وأبعدوا عن ديارهم، وذلك بسبب موالاتهم للكافرين وطلب نصرتهم على إخوانهم ولقد عذب المؤمنين في شتى ديارهم لعدم طاعته تعالى في معاداة الكافرين، إذ تشبهوا بهم وأحبوهم وناصروهم وأخذوا بإرشادهم ونصائحهم؛ حتى أذلوهم وأهانوهم، وإلى اليوم والمسلمون، أذلاء مهانون للكافرين لعلة فسقهم عن طاعة الله تعالى وطاعة رسوله، إذ أخذوا بقوانين الكافرين وحكموا بها المؤمنين حبا في الكافرين وموالاة لهم.
أما الوعيد والتحذير في الآية الثانية (آية آل عمران) فقد قال تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} ومعنى يحذركم نفسه أي يخوفكم عقابه وعذابه إن أنتم لم تمتثلوا أمره، ولم تجتنبوا نهيه، وذلك بموالاتكم الكافرين بعدم بغضهم، وبمناصرتكم لهم على إخوانكم المؤمنين في أي مجال من مجالات الحياة؛ إذ الذي يوالى أعداء الله قد عادى الله، وقطع حبل ولايته به، فكيف يكون حال هذا العبد الذي كان الله وليه فأصبح الله عدوه والعياذ بالله إن حاله لا تكون إلا الذل
والهوان والضعف والصغار إذ مصيره كمصير غيره إلى الله عز وجل ومن صار أمره إلى الله وقد عصاه، وفسق عن أمره، وخرج عن طاعته، فأحب ما كره وكره ما أحب ووالى من عادى، وعادى من والى. فكيف يكون مصيره إنه خزي الدنيا وعذاب الآخرة.
ألا فلنتق الله المؤمنون بامتثال أمره واجتناب نهيه. وقد نهانا عن اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين، وحذرنا بقوله:{أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُبِيناً} ؟ فهل بقى لنا من عذر؟ والجواب: لا، والأكبر من ذلك فقد أرانا نقمته وعذابه الذي حذرنا منه في شتى بلاد العالم الإسلامي شرقا وغربا، أما سلط علينا الكفار فاستعمرونا واستغلونا وأذاقونا مر العذاب..
ألا فلنتق الله قبل أن يعود الخزى والعذاب مرة أخرى بأشد من الأول ولله الأمر من قبل ومن بعد.
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.