الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النداء الحادي والأربعون: في النهى عن السؤال عما لا فائدة فيه ولا حاجة تدعو إليه والتحذير من عواقبه
الآيتان (101 _ 102) من سورة المائدة
أعوذ بالله الشيطان الرجيم
الشرح:
اعلم أيها القارئ الكريم أن لهذا النداء سببا من أجله نادى الله تعالى عباده المؤمنين ليؤدبهم ويكملهم رحمة بهم وإحسانا إليهم فله الحمد وله المنة، وإليك بيان سبب هذا النداء قال البخاري حدثنا منذر بن الوليد بن عبد الرحمن الجارودى، حدثنا أبى حدثنا شعبة عن موسى بن أنس عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت مثلها قط وقال فيها: " لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، قال: فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم ولهم خنين فقال رجل من أبى؟ قال فلان. فنزلت هذه الآية " وفى رواية لابن جرير قال فيها: حدثنا بشر حدثنا يزيد عن قتادة في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} قال فحدثنا أن أنس بن مالك حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه حتى أحفوه بالمسألة، فخرج عليهم ذات يوم فصعد المنبر فقال: " لا تسألوني اليوم عن شئ إلا بينته لكم فأشفق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون بين يدي أمر قد حضر، فجعلت لا ألتفت يمينا ولا شمالا إلا وجدت كلا لافا رأسه في ثوبه يبكى، فقام رجل كان يلاقى فيدعى إلى غير أبيه فقال: يا رسول الله من أبى؟ قال: أبوك حذاقة ثم قام عمر فقال: رضينا بالله ربا وبالإسلام
دينا وبمحمد رسولا، أعوذ بالله من شر الفتن ". والروايات في هذه المسألة كثيرة _ وقوله تعالى:{لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ} أي تظهر لكم {تَسُؤْكُمْ} أي يحصل لكم بها ما يسؤ كم ويؤلمكم. منها على سبيل المثال أن من سأل عن أبيه فأجابه به الرسول صلى الله عليه وسلم بأن أباه فلان أرأيت لو سمى له أبا غير أبيه فإنه عار ومذلة له ولأمه وأسرته لا ينمحى حتى لم يبق منهم أحد. ومثل هذا سؤال الذين لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أيها الناس إن الله قد كتب عليكم الحج فحجوا فقالوا أعاما واحدا أم كل عام يا رسول الله؟ فقال: لا، بل عاما واحدا، ولو قلت كل عام لوجبت ولو وجبت لكفرتم " فهذا معنى قوله تعالى: {إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} وقوله: {وَإِنْ تَسْأَلوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ} أي يبينها رسولنا لكم. أما إن تسألوا عنها قبل نزول القرآن بها فذلك لا ينبغي لكم فعله لأنه من باب إحفاء رسول الله وأذيته، وهما محرمان تحريما شديدا، وقوله تعالى:{عَفَا اللَّهُ عَنْهَا} أي لم يؤاخذكم بما سألتم {وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} ، فتوبوا إليه يتب عليكم، واستغفروه يغفر لكم فإنه غفور حليم، وقوله تعالى في الآية الثانية:{قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ} أي قد سأل مثل أسئلتكم التنطعية المحرجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم قوم من قبلكم كاليهود وغيرهم فاصبحوا بها كافرين لأنهم كلفوا ما لم يطيقوه فشق عليهم جزاء تعنتهم في أسئلتهم المحرجة لأنبيائهم فتركوا العمل بها فكفروا وهلكوا والعياذ بالله ومن أمثلة الأسئلة المحرجة التي هلك فيها من هلك سؤال اليهود إذ قالوا: {أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون} وسؤال قوم صالح الناقة فأعطوها ثم عقروها فهلكوا، وسؤال الحواريين عيسى المائدة وقال الله تعالى:{قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ} .
ولذا فلنعلم أن الغلو والتنطع وكثرة السؤال مما لا ينبغي للمسلم أن يأتيه ويقوله أو يفعله وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيه " إن أعظم المسلمين في المسلمين جرما من سأل عن شئ لم يحرم عن المسلمين فحرم من أجل مسألته ".
ويقول صلى الله عليه وسلم فداه أبى وأمي والعالم أجمع: " إن الله جرم عليكم عقوق الأمهات ووأد البنات ومنعا وهات. وكره لكم ثلاثا:
قيل وقال وكثرة السؤال، وإضاعة المال ".
ويقول صلى الله عليه وسلم لأصحابه رضوان الله عليهم تعليما وتربية وتأديبا: " إن الله تعالى قد فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدودا فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تسألوا عنها" ويقول: " من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه ".
وأخيرا أيها القارئ والمستمع علينا بالأدب مع الله فلا تسأله ما لم تجر سنة الله تعالى به، وعلينا بالأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نرد عليه ما دعا إليه ونصح به. وعلينا بالأدب مع أهل العلم فلا تسأل سؤال تنطع، ولا نسأل عما نحن به عالمون، ولا عما نحن غير عازمين على العمل به. ولا نسأل الناس أموالهم، ولا نكلفهم مالا يحسنون ولا ما لا يطيقون، ولنلزم الصبر والصمت والذكر، فهذا هو طريق الهداية والكمال فلنسلكه والله مع الصابرين والمحسنين.
وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.