الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النداء السادس والثمانون: في حرمة الانشغال بالمال والولد عن عبادة الله تعالى ووجوب الزكاة والترغيب في الصدقات، والتحذير من فجاءة الموت قبل التوبة
الآيات (9، 10، 11) من سورة المنافقون
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
الشرح:
اعلم أيها القارئ الكريم أن هذا النداء الإلهي له خطورته وشأنه العظيم فقد نادى الرب تبارك وتعالى عباده المؤمنين لكمال حياتهم بإيمانهم ناداهم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا ورسولا، ناداهم ليقول لهم ناهيا لهم:{لا تُلْهِكُمْ} أي لا تشغلكم أموالكم كثرت أو قلت وأي نوع كان من المال سواء كان مال تجارة أو صناعة أو زراعة أو غير ذلك لا تشغلكم عن عبادة الله تعالى وسواء كانت العبادة صلاة أو حجا أو جهادا، ولا يلهكم أولادكم أيضا عن عبادة الله تعالى لا عن صلاة ولا حج ولا جهاد ولا عن ذكر الله تعالى، وكل عبادة هي ذكر لله عز وجل، إذ لا تخلو عبادة من ذكر الله حتى الصيام فإنه ذكر لله تعالى بالقلب، إذ لولا ذكر الله لأكل الصائم أو شرب.
وقوله تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ} أي بأن ألهته أمواله أو أولاده أو هما معا عن
عبادة الله تعالى التي تعبد بها عباده من أداء الفرائض والواجبات على اختلافها، فأولئك البعداء هم الخاسرون يوم القيامة بحرمانهم من الجنة ونعيمها، ووجودهم في دار العذاب حيث لا أهل ولا مال ولا ولد. كما قال تعالى:{قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} .
وقوله تعالى لهم: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ} أي من مال وعلم وكل خير رزقه العبد من الجاه فإنه ينفق منه في قضاء حاجات من يعجز عن قضائها إلا بالواسطة وإن كان المطلوب الأول في هذا الأمر أداء الزكاة والصدقات الواجبة كالجهاد والإنفاق المتعين كالإنفاق على الوالدين والزوجة والولد وقرى الضيف وما إلى ذلك. والحمد لله إنه تعالى لم يقل وأنفقوا ما رزقناكم بل قال مما أي من بعض ما رزقناكم فالزكاة نصابها اثنان ونصف في المائة، وفى الحبوب من عشرة أوسق أي قناطير. قنطار، إن كانت تسقى بماء العيون والمطر. أما إن كانت تسقى بالسنى والدلو، والمكائن فنصف العشر ففي عشرة قناطير نصف قنطار لا غير، وفى هذا الأمر الإلهي دليل على وجوب تعجيل إخراج الزكاة إذا وجبت وحال حولها، وكذلك سائر العبادات إذا دخل وقتها.
وقوله تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} أي من قبل أن ينتهي اجله ويأتي ملك الموت ليقبض روحه وفى هذا دليل قاطع على وجوب أداء الواجبات في أوقاتها وسواء كانت زكاة أو صلاة أو حجا أو غيرها كقضاء الديون من قدر على سدادها، وذلك لعدم العلم بساعة الوفاة، والموت قد يأتى بغتة. فكم من نائم مات في نومه، وكم من مسافر مات في سفره، وكم من راكب مات في ركوبه، وكم من صحيح مرض ومات في مرضه، وقوله تعالى:{فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} أي يقول المحتضر الذي حضره الموت متمنيا على الله أن يؤخره إلى وقت يمكنه فيه أن يصدق ويؤدى الحقوق وقوله: {فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} هذا مفاد تمنيه وهو أن يتصدق بماله، ويكون من الصالحين بان يحج ويعتمر، ويصل الرحم ويرحم الفقراء، ويساهم في مشاريع الخير كبناء المساجد ودور اليتامى والإنفاق على الجهاد وما إلى ذلك. إلا أن هذا التمني وهذا الطلب لا يجديه شيئا أبدا، لأن حضور ملك الموت لقبض الروح لا يرده أحد إلا الله والله قد قضى وحكم فلم يبق مجال للطلب والتمنى. وإنما هذا من تمنى الحسرة والندامة، وهما لا
ينفعان بل يزيدان من الكرب والحزن. وكيف والله يقول: {وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا} ، فإذا كان تعالى القوى القدير لا يؤخرها فهل يؤخرها غيره من المخلوقين المربوبين العجزة الهالكين.
وقوله تعالى: {وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} . يحض به تعالى المؤمنين على إصلاح أعمالهم والتزود لأخرتهم بإعلامهم سبحانه وتعالى بأنه مطلع على أعمالهم خبير بها سواء ما كان منها صالحا أو فاسدا. إلا فليراقب العبد ربه فيصحح معتقده، ويحسن عمله. ويلازم ذكر ربه بقلبه ولسانه.
وأخيرا أيها القارئ الكريم إليك خلاصة ما حواه هذا النداء الإلهي الكريم فاحفظه وانتفع به:
1-
حرمة التشاغل بالمال والولد إذا كان يحملك ذلك على إضاعة بغض الفرائض أو ترك الحقوق والواجبات كذكر الله تعالى وفعل الخيرات.
2-
حرمة تأخير الحج مع القدرة عليه، والتشاغل عنه بالمال والولد، أو تسويفا أو مماطلة.
3-
وجوب الزكاة وحرمة تأخيرها عن وقتها.
4-
الندب إلى فعل الخيرات كالصدقات ونوافل العبادات من صيام وصلاة وغيرهما.
5-
لا تنس ذكر الدار الآخرة فإن الموت اللازم طريقها فاذكر هذا، والله يتولى الصالحين.
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.