الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النداء التاسع عشر: في تحريم إرث النساء ومنعهن حتى يسلمن ما أخذن من المهور
الآية (19) من سورة النساء
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
الشرح:
اعلم أيها القارئ الكريم أن لهذه الآية سبب اقتضى نزولها وهو ما رواه البخاري عمن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال: " كانوا إذا مات الرجل – عن زوجته – كان أولياؤه أحق بامرأته إن شاء بعضهم تزوجها، وإن شاء زوجها، وإن لم يشاءوا لم يزوجوها فهم أحق بها من أهلها " فنزلت هذه الآية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ....}
فنادى الله تعالى عباده المؤمنين بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} لينهاهم عما كانوا متعارفين عليه في الجاهلية، وهو أن الرجل إذا مات وترك زوجة ورثها أكبر أولاده وهى كارهة لذلك قطعا، ثم هو إن شاء تزوجها، أو زوجها غيره وأخذ المهر له، وإن شاء أبقاها حتى تعطيه ما أخذت من مهر من والده. فحرم تعالى هذا الإرث الجاهلي الجائر، فقال:{لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً} فأصبحت المرأة إذا مات زوجها ترث منه ما أعطاها الله وهو الثمن، إن كان له ولد، وإلا فترث الربع، ثم تبقى في بيته حتى تكمل عدتها أربعة أشهر وعشرا، ثم تذهب حيث شاءت. وكما حرم تعالى إرث الزوجة حرم عضلها أي منعها أيضا، وهو أن يكده الرجل امرأته
لدمامتها، أو سوء خلقها فيضايقها ويؤذيها حتى تفتدى منه بمال، ثم يطلقها فقال تعالى:{وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} أي من مال، وهو المهر. هذا إن لم ترتكب الزوجة فاحشة الزنا، أو تترفع عن الزوج وتتكبر عليه وتبخسه حقه في الطاعة والمعاشرة بالمعروف، أما إن ارتكبت فاحشة واضحة بينة لا شك فيها ونشزت نشوزا، أو أعرضت عن الزوج إعراضا فإن للزوج أن يضايقها حتى تفادى نفسها منه بمثل المهر.
ثم وجه تعالى عباده المؤمنين إلى ما فيه خير الزوجين فقال: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} أي على كل مؤمن أن يعاشر زوجته بالمعروف، وهو الإحسان إليها وعدم الإساءة إليها بقول أو فعل، إن كره المؤمن زوجته فليصبر عليها، ولا يطلقها فلعل الله تعالى يجعل في بقائها خيرا، كأن تنجب له ولدا ينفعه الله تعالى به، أو تذهب تلك الكراهة عن نفسه، ويصبح تحبها وتحبه يودها وتوده، وهذا المراد من قوله تعالى:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} ، وصدق الله العظيم، وله الحمد والمنة على إرشاده وتوجيهه لعباده المؤمنين إلى ما فيه خيرهم وصلاحهم، ويزيد هذا الإرشاد الرباني وضوحا قول الرسول صلى الله عليه وسلم في رواية مسلم وهو قوله صلى الله عليه وسلم:" لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضى منها آخر "، ومعنى يفرك: يبغض. إي لا يجوز للمؤمن أن يبغض امرأته، فإنه إن كره منها خلقا من أخلاقها فسيرضى منها خلقا آخر.
هذا وأذكر أيها القارئ الكريم أو المستمع المستفيد ما حملته هذه الآية من هدايات إلهية وهى:
1-
إبطال قانون الجاهلية الذي كان يسمح لولد الزوج إذا مات والده أن يرث امرأة أبيه فيتزوجها، أو يزوجها، ويأخذ مهرها أو يسترد منها ما مهرها أبوه ويطلقها. وما أقبح هذه العادة الجاهلية، والحمد لله على نعمة الإسلام الذي دفع هذا الظلم وأبطل قانون الجاهلية الجائر الفاسد، وأبدله بقانون الرحمة الإلهية لعباد الله المؤمنين.
2-
حرمة عضل الزوجة والتضييق عليها حتى تفدى نفسها بما أخذته من المهر أو أكثر إذ هذا الصنيع مظهر من مظاهر الظلم والاعتداء وفساد القلوب والأخلاق.
3-
الإذن للمؤمن بان يأخذ فدية من امرأته إذا كرهته وأساءت إليه ولم تعاشره
بالمعروف فمتى أتت بفاحشة أو أساءت العشرة مع زوجها، وأظهرت كراهيتها له، للزوج الحق في أن يطلقها بفداء، وهو ما يسمى بالخلع، فيطلقها مقابل مبلغ مالي، قد يزيد على المهر الذي تسلمته منه يوم عقد نكاحها.
4-
لفظ (عسى) في اللغة معناه الترجي، وقد يقع المرجو، وقد لا يقع، إلا إذا كان القائل (عسى) الله سبحانه وتعالى فإن عسى تفيد وقوع المرجو، وعدم تأخره وذلك لعلم الله تعالى وقدرته وحكمته ورحمته.
لذا قوله تعالى: {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً} يجعل المؤمن يأخذ بما يوجبه عليه ربه تعالى، ويصبر على المرأة التي كرهها ولا يلبث أن يزول ذلك الكره، ويحل محله الرضا، والحب، والخير الكثير.
وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.