الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النداء الثالث والسبعون: في وجوب اجتناب كثير من الظن وحرمة التجسس والغيبة. ووجوب تقوى الله عز وجل
الآية (12) من سورة الحجرات
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
الشرح:
هذا النداء الخامس من نداءات الرحمن لعباده المؤمنين في سورة الحجرات، وكل هذه النداءات تدور حول إصلاح الفرد المؤمن في المجتمع الإسلامي، إذ الأول دعا المؤمن أن لا يقدم رأيه على الكتاب والسنة بحال من الأحوال لتبقى الشريعة هي الحكم، وإليها التحاكم فما أشرعته، فهو الشرع، وما أوجبته فهو الواجب، وما حرمته فهو الحرام. والنداء الأول: قرر الأدب الواجب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وعلماء أمته هذا أولا. والثاني: الأدب سمة من سمات أهل الإيمان، فلا يحل التخلي عنها أبدا، إذ هي ميزة الأمة الإسلامية، والثالث: أوجب التثبت والتروى في إصدار الأحكام في كل قول وحادثة حتى لا يقع الفرد أو الأمة في خطر يزعزع أمنها ويحط من قدرها أو يحملها ما هي في غنى عنه، والرابع: حرم السخرية والاستهزاء بالمؤمن، واحتقاره والانتقاص من كرامته وشرفه كما حرم ألقاب السوء المفضية إلى النزاع والقتال بين المؤمنين؛ لأنهم أمة واحدة. وهذا الخامس من النداءات: فقد حرم على المؤمن اجتناب كثير من الظن بإخوانه المؤمنين؛ إذ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} أي يا من آمنتم بالله ربا، وبالإسلام دينا، ومحمد رسولا {اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ} ، وعلل لذلك الأمر بالاجتناب فقال:{إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} . وما دام بعضه إثما
فليجتنب بالمرة حتى لا يقع المرء المؤمن في الإثم الموجب لغضب الله وعقابه ولم يبق إلا مجال ضيق جدا وهو أن يظن المؤمن بمن هو أهل للظن بالشر لوجود قرائن من أحواله تدل على ذلك، والرسول صلى الله عليه وسلم يقرر هذه الحقيقة فيقول " إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث "
…
الحديث.
وقوله تعالى: {وَلا تَجَسَّسُوا} أي لا يتجسس المؤمن على المؤمن بتتبع عوراته. ومعايبه بالبحث عنها والاطلاع عليها لما في ذلك من الضرر الكبير، وكالتجسس التحسس، إلا أن التحسس غالبا يكون في الخير والتجسس لا يكون إلا في الشر الأذى، وقد حرم ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله في الصحيح:" إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تناجشوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا ". فقد اشتمل هذا الحديث على المحرمات الآتية:
1-
الظن السيئ بالمؤمنين وخاصة أهل الصلاح منهم.
2-
حرمة التجسس وهى تتبع أحوال المؤمن في الخفاء للاطلاع عليها، إلحاق الضرر به.
3-
التحسس وهو كالتجسس إلا أنه تتبع أحوال المؤمن لمعرفة النقص لإكماله، وسد حاجته الضرورية، وما دام تتبعا في الخفاء فلا ينبغى، وإن أراد شيئا فليسأل المؤمن هل لك حاجة؟ أتشكو من شئ؟ إلى غير ذلك ولا يتحسس عليه.
4-
حرمة النجش وهو أن يزيد في بضاعة معروضة للبيع يزيد في الثمن وهو لا يريد شراءها.
5-
حرمة الحسد وهو تمنى زوال النعمة عن أخيه لتحصل له. أو لا تحصل له، وإنما يحرمها المؤمن الذي أنعم الله تعالى عليه بها.
6-
حرمة التباغض، فلا يحل لمؤمن أن يبغض أخاه المؤمن، وإن بغضك أخوك فلا تبغضه.
7-
حرمة التدابر وهو الهجران، وعدم التلاقى والتحدث مع بعضهما بعضا بحيث كل يعطى ظهره للآخر.
8-
وجوب تحقيق الأخوة بين المؤمن والمؤمن، وهذا الواجب يتحقق بإسداء المعروف والإحسان، وكف الأذى عن أخيه فلا ظن سوء، ولا تجسس، ولا تحسس، ولا
تناجش، ولا تحاسد، ولا تباغض، ولا تدابر. بهذا الفعل والترك تتحقق الإخوة الإيمانية.
وقوله تعالى في هذا النداء: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} أي بأن يذكر المؤمن في غيبته بما يكره أن يذكر به وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغيبة فقال صلى الله عليه وسلم للسائل: " ذكرك أخاك بما يكره " قطعا هذا في حال غيابه عن المجلس فقال السائل: أرأيت إن كان في آخى ما يكره فقال صلى الله عليه وسلم: " إن كان فيه ما يكره فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما يكره فقد بهته "، والبهتان اعظم. وهو أسوأ أنواع الغيبة. وقوله تعالى:{أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً} ؟ والجواب معلوم هو: لا، لا، قطعا إذا، فكما عرض عليكم لحم أخيكم ميتا فكرهتموه فاكرهوا إذا أكل لحمه حيا، وهو عرضه، والعرض أعز وأغلى من الجسم، وإليك هذا البيت من الحكمة فاحفظه وتأمله:
فإن أكلوا لحمى وفرت لحومهم
…
وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا
وقوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ} أي في غيبة بعضكم بعضا، فإن الغيبة من عوامل الدمار والخراب والفساد بين المؤمنين وقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} ، جملة تعليله للآمر بالتوبة؛ إذ من اتقى الله، خافه وترك الغيبة وتاب. فأعلمهم الله عز وجل أنه تواب رحيم يقبل توبة من تاب، ويرحمه فلا يعذبه بحال من الأحوال.
فالحمد لله والمنة له، اللهم إنا تائبون إليك فتب علينا وارحمنا آمين
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.