الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النداء الحادي والستون: في الأمر بذكر الله وتسبيحه عز وجل بكرة وعشيا وبيان ثواب ذلك من الله عز وجل
الآيات (41 – 42 – 43 – 44) من سورة الأحزاب
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
الشرح:
اعلم أيها القارئ أن هذا النداء الكريم من رب رحيم يوجه إلى المؤمنين الصادقين، وجهه إليهم ربهم ليعلمهم ما يزيد به إيمانهم ونورهم، ويحفظون به من عدوهم وعدو أبيهم، إبليس عليه لعائن الله. ألا إنه ذكر الله تعالى: إذ قال لهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً} أي لا حد له ولا حصر، إذ هو الطاقة التي تساعد على الحياة الروحية {وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} البكرة من طلوع الفجر إلى الضحى، والأصيل من الزوال إلى غروب الشمس، وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم أنواع التسبيح منها: سبحان الله وبحمده مائة مرة، وأن من سبح هذا التسبيح بهذا العدد غفر له ما تقدم من ذنبه، إن قالها بعد الصبح أو بعد العصر فاز بهذا الأجر، وهو مغفرة ذنوبه وأعظم به من أجر، ومنها لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير مائة مرة. وذكر صلى الله عليه وسلم أن من أتى بهذا الذكر كان كمن أعتق عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة وحطت عنه مائة خطيئة، وظل يومه ذلك كله في حرز من الشيطان، ولم يأت أحد بمثل ما أتى به من الأجر، إلا من قال مثله أو زاد. ومنها التسبيح دبر الصلوات الخمس نحو سبحان الله ثلاثا وثلاثين والحمد لله ثلاثا وثلاثين، والله
أكبر ثلاثا وثلاثين فهذه تسع وتسعون تسبيحة وختام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير. ومما يدل على أفضلية ذكر الله تعالى قول النبي صلى الله عليه وسلم: " ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إعطاء الذهب والورق1 وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا: وما هو يا رسول الله؟ قال: ذكر الله عز وجل ".
وقوله تعالى في الآية الثالثة من آيات هذا النداء {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ} أي هو الذي يثنى عليكم بخير بين الملائكة ويرحمكم برحمته الواسعة وقوله {وَمَلائِكَتُهُ} ، أي وملائكته تعالى تصلى عليكم أيضا، وصلاة الملائكة هي الدعاء لكم بخير والاستغفار لكم. كما قال تعالى في حملة العرش أنهم يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا الآية من سورة المؤمنون (غافر) . وقوله تعالى:{لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} أي ليخرجكم سبحانه وتعالى من ظلمات الكفر والذنوب والمعاصي إلى نور الإيمان والطاعات فصلاته تعالى وصلاة ملائكته هي عامل الإخراج من الظلمات المهلكة إلى النور الهادي إلى النجاة من مهالك الحياة. وقوله تعالى: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} هذا إنعام آخر وفضل زائد على ما تقدم من صلاته وصلاة ملائكته عليهم. وهو انه بالمؤمنين رحيم أي لا يعذبهم ولا يشقيهم. ولا يذلهم في الدنيا ولا يخزيهم.
وقوله تعالى في الآية الرابعة من هذا النداء الكريم {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ} أي ما يحيون به يوم موتهم ولقاء ربهم هو السلام. فملك الموت لما يأتى لقبض روح المؤمن يسلم عليه، ولا يقبض روحه حتى يسلم عليه. إذ روى عن البراء بن عازب رضى الله عنه في تفسير هذه الآية {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ} قال: فيسلم ملك الموت على المؤمن عند قبض روحه، ولا يقبض روحه حتى يسلم عليه، وتحييهم الملائكة في الجنة بالسلام لقوله تعالى:{وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} . والرحمن جل جلاله وعظم سلطانه يسلم عليهم إذ قال تعالى: {لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} . أي أمان لهم وأمنة من كل خوف
1 الورق: الفضة.
وحزن، إذ أهل الحنة لا خوف عليهم ولا هم يحزنون لولاية الله تعالى لهم. وقوله تعالى في ختام هذا النداء:{وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً} ، أي هيأ لهم وأحضر أجرا كريما وهو الجنة دار السلام. فسبحان الله ما أكرمه، وسبحان الله ما أسعد المؤمنين بفضيلة الإيمان، وطاعة الرحمن طلب منهم عز وجل أن يذكروه كثيرا وأن يسبحوه بكرة وأصيلا، فأعطاهم ما لا يقادر قدره فسبحانه من إله كريم ورب رحيم.
هذا واعلم أيها القارئ الكريم والمستمع المستفيد أن لهذا النداء خلاصة نافعة فإليكها:
1-
وجوب ذكر الله تعالى بالقلب واللسان ليلا ونهارا وفى كل الأوقات إلا في حال دخول المرحاض لقضاء الحاجة.
2-
بيان فضل المؤمنين المتقين، إذ الرحمن يصلى عليهم وملائكته كذلك.
3-
التذكير بالبعث الآخر وهو معتقد أهل الإيمان إذ قال تعالى: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ} ، ولقاء الله يكون يوم القيامة كاملا تاما.
4-
بشرى المؤمنين المتقين بالجنة إذ قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَاّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} اللهم اجعلنا من أهل الإيمان والتقوى والبشرى في الدنيا والآخرة.
وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
النداء التاسع والستون: في حرمة تقديم الرأي عن الكتاب والسنة ووجوب تقوى الله عز وجل
الآية (1) من سورة الحجرات
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
الشرح:
لا تنس أيها القارئ الكريم لنداءات الرحمن الرحيم أن الله تبارك وتعالى ينادى المؤمنين بعنوان الإيمان؛ لأن المؤمن حي بإيمانه يسمع ويفهم، وإذا أمر أطاع ففعل ما أمر به، وإذا نهى انتهى عن فعل ما نهى عنه. وإن حياته هذه سببها إيمانه بالله تعالى وبلقائه، واذكر أن لهذا النداء سببا نزل به وهو كما رواه البخاري رحمة الله تعالى عليه: أن وفدا من بنى تميم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر رضى الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم أمر القعقاع بن معبد، وقال عمر رضى الله عنه أمر الأقرع بن حابس، فقال أبو بكر لعمر ما أردت إلا خلافي: فقال عمر: ما أردت خلافك فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما فنزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ....} أي يا من أمنتم بالله ربا وإلها لا رب غيره ولا إله سواه، وبالإسلام شرعا ودينا لا يقبل شرع ولا دين سواه {لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} أي قولا ولا عملا، ولا رأيا ولا فكرا بمعنى لا تقولوا ولا تعملوا إلا تبعا لما قال الله ورسوله، وشرع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك لأنه من غير الأدب أن يقدم العبد رأيه، وما يراه على ما يراه ويقوله سيده ومما يوضح هذه الحقيقة ويجليها للأفهام قصة معاذ بن جبل رضى الله عنه حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فإنه سأله قائلا: " بم تحكم يا معاذ؟ قال رضى الله عنه: بكتاب الله تعالى فقال صلى الله عليه وسلم فإن لم تجد أي في كتاب الله تعالى؟ قال: بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فإن لم تجد أي في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال رضى الله عنه: اجتهد