الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النداء الثامن عشر: في الأمر بالصبر والمصابرة والرباط، والتقوى رجاء الفلاح
الآية (200) من سورة آل عمران
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
الشرح:
اذكر أيها القارئ الكريم أن الله تعالى ينادى المؤمنين؛ لأنهم أحياء بإيمانهم بالله ربا، وبمحمد رسولا، وبالإسلام دينا، والحى إذا نودي سمع، وإذا أمر طاع، وإذا نهى أنتهي، وإذا أنعم عليه شكر، وإذا أوذي في الله صبر، والكافر لا نصيب له من هذه المظاهر الحيوية، وذلك لكفره بالله، ورسوله ودينه.
واذكر ما ناداهم لأجله في هذا النداء وهو الصبر والمصابرة، والرباط والتقوى وإليك بيانها:
1-
الصبر: وهو حبس النفس على ما تكره وله ثلاث مواطن، الأول: الصبر على طاعة الله، ورسوله، وأولى الأمر من المؤمنين، والثاني: الصبر عن ترك ما حرم الله ورسوله من الأقوال والأفعال والصفات. والثالث: الصبر على البلاء الذي يبتلى به الله تعالى عباده المؤمنين تكفيرا لذنوبهم، أو رفعا لدرجاتهم، والصبر على البلاء معناه الرضا به والتسليم لله تعالى فيا ابتلاه به، وآية ذلك عدم الجزع والسخط، والإكثار من حمد الله تعالى على قضائه، وابتلائه.
2-
المصابرة: وهى الصبر في وجه العدو الصابر، لذا كانت المصابرة أشد من الصبر، لأنها صبر في وجه عدو صابر. فأيهما لم يثبت على صبره سقط وهلك. ولذا كان النجاح والغلبة لأيهما أطول صبرا. يؤكد هذا قول وفر بن الحارث في اعتذاره عن
الانهزام إذ قال شعرا:
سقيناهم كأسا سقونا بمثلها
…
ولكنهم كانوا على الموت أصبرا
3-
المرابطة: وهى لغة مصدر رابط يرابط رباطا مرابطة، وهى في الشرع ربط النفس والخيل والعتاد الحربي في الثغور الإسلامية، وهى الأماكن التي يخشى أن يتسرب منها العدو إلى بلاد المسلمين، وهى غالبا تكون على السواحل البحرية، والأماكن الخالية من المدن كما تكون في حدود بلاد العدو المتصلة بالبلاد الإسلامية والرباط فرض كفائي إذا قام به من يؤمن حدود بلاد المسلمين ويرهب عدوهم سقط الواجب عن الباقين إذ هو كالجهاد، ويتعين على من عينه الإمام عليه وفيه يقول الله تعالى في سورة الأنفال:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}
وللرباط فضل عظيم، فقد روى البخاري عن انس رضى الله عنه قوله:" رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها " وروى مسلم عنه صلى الله عليه وسلم: " رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه " وإن من مات مرابطا جرى عليه عمله الذي كان يعمله وأجرى عليه رزقه، وأمن الفتان أي في قبره.
واعلم أن الجيوش الإسلامية اليوم إن هم أقاموا الصلاة في ثكناتهم، واتقوا الله فلم يعصوه بترك واجب أو فعل مكروه، ثم نووا الرباط في سبيل الله لحماية بلاد المسلمين فإنهم مرابطون، ويجرى لهم كما ورد في فضل الرباط والمرابطين.
4-
التقوى: وهى تقوى الله عز وجل بالخوف منه والخشية من عقابه، وأليم عذابه الحاملة للعبد على طاعة الله وطاعة رسوله بفعل الأوامر واجتناب النواهي، في السراء والضراء والمنشط والمكره، والعسر واليسر هذه التقوى هي التي بها وبالإيمان يتحقق للعبد ولاية الرحمن وما بعد ولاية الرحمن من مطلب أسمى ومقام أعلى. إذ أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون لا في الدنيا، ولا في البرزخ، ولا في يوم القيامة. ولهم البشرى في الحياة الدنيا وفى الآخرة.
وبعد اذكر أيها القارئ الكريم هذه الأوامر الأربعة التي تضمنها هذا النداء الكريم، اذكر وعد الله تعالى لأهلها وهو الفلاح. وما هو الفلاح، إنه الفوز العظيم المتمثل في دخول الجنة بعد النجاة من النار. واذكر هذه الأوامر الأربعة
سرها أن تزكى النفس وتطهرها من أوضار الذنوب والآثام، وإذا زكت النفس وطهرت استحقت الفلاح، واقرأ لذلك قوله تعالى:{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} واذكر للفوز قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}
ألا فلنذكر هذا أيها القارئ والمستمع، ولا ننسه. والله ولى من تولاه.
وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.