الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما المذهب المالكي فلم أقف على نص بانقراضه من حلب. ويمكن أن يقال إنه انقرض في عصر انقراض المذهب الحنبلي تقريبا.
أما الآن فمعظم أهل حلب على مذهب أبي حنيفة ثم على المذهب الشافعي. وأكثرهم من سكان المحلات المتطرفة والقرى ويوجد بها بعض حنابلة من عشيرة عقيل في أطراف بغداد يقدمون إلى حلب تجارا أو جمالين. كما أنه يوجد بها بعض مالكية يقدمونها للتجارة من المغرب.
الطرائق العلية في حلب
والطرائق العلية في حلب كثيرة جدا كالطريقة القادرية والرفاعية والدسوقية والنقشبندية والبدوية والأردبيلية وغير ذلك من الطرائق التي يطول ذكرها غير أن معظم ذوي الطرائق قادرية خلوتية ثم رفاعية خلوتية. ومن نحو 57 سنة دخل حلب الطريقة الشاذلية وكان أهلها على غاية من النسك والصلاح لا يرتاب أحد في استقامة طريقتهم. وكان في حدود سنة 1285 قدم إلى حلب رجل يدعو إلى اتباع شيخ مشهور بالصلاح مقيم في ترشيحه مما يلي عكا ويرغب في طريقته الشاذلية فتبعه خلق كثير وصار لهم في حلب ظهور وشأن وشرعوا يمشون في الأسواق مجاهرين بذكر الله تعالى. وربما سافر بعضهم إلى الشيخ في ترشيحه وعاد على أسمى درجة من الصلاح والتقوى كما أنه ربما عاد على ما لا يحب.
الشيعة في حلب قديما وحديثا
قد علمت مما تقدم أن التشيع ظهر في أهل حلب أيام سيف الدولة، غير أن أولئك الشيعة كانوا مفضّلين فقط حتى دخل الإسماعيلية إلى حلب فاشتد تشيعهم وتبع بعضهم الإسماعيلية بأمور منحرفة عن الدين كما سيرد عليك في حوادث سنة 570 ولم تزل الشيعة في تصلبهم حتى حل عصبتهم وأبطل أعمالهم نور الدين الشهيد سنة 543 ومن ذلك الوقت ضعف أمر الشيعة غير أنهم ما برحوا يتجاهرون بمعتقداتهم إلى انقراض الإسماعيلية في حدود الستمائة فأخفوا حينئذ معتقداتهم وربما ظفر أهل السنة بواحد منهم تظاهر بما يخالف السنة فعاقبوه ونكّلوا به.
حكى ابن خطيب الناصرية في تاريخه درّ الحبب «1» أنه حضر إلى حلب رجل يقال له يحيى بن أحمد الهزلي أحد أكابر الشيعة واتصل بنقيب أشرافها عز الدين المرتضى وحظي عنده إلا أنه استرسل معه في الحديث في يوم من الأيام وذكر الصديق رضي الله عنه بما يخلّ بمقامه فغضب عليه وشهره على جمل وطاف به الشوارع وهو يضرب بالدرّة وعظم قدر المرتضى عند الناس وتحققوا حبه للصحابة. وكان ذلك بعد الخمسين والستمائة. ثم في حدود الألف وما بعدها أخذ أهل التشيع يتنكرون وبأفعال أهل السنة يتظاهرون فصار يتسنى لهم أن يتزلفوا إلى الحكومة ويحرزوا من قبلها المناصب العالية ويبطشوا بأهل السنة باطنا إلى أن كان من أمرهم ما سنورده في ترجمة مصطفى بن يحيى بن قاسم الحلبي الشهير بطه زاده. وبعد أن فتك بهم المذكور أخفوا أمرهم. وربما كان أهل السنة في أواسط القرن الثالث عشر يظفرون بشيعي فعل منكرا فشهروه بإحراق خشبة يطاف بها في شوارع حلب وينادي حاملها هذه خشبة فلان الرافضي. ثم انقطع هذا العمل لانقراض الشيعة وتلاشيهم بالمرة غير أنه لم يزل يوجد في حلب عدة بيوت معلومة يقذفهم بعض الناس بالرفض والتشيع ويتحامون الزواج معهم مع أن ظاهرهم على كمال الاستقامة وموافقة أهل السنة والجماعة والله أعلم بحقيقة عباده.
أقول: لم يزل يوجد في قضاء إدلب وقضاء جبل سمعان عدة قرى مختصة بسكنى الشيعة كقرية الفوعة والنغاولة ونبّل. والغالب على أهل هذه القرى الثروة والغنى لطيب تربة أراضيهم وجودة معرفتهم بالفلاحة والزراعة إلا أنهم ليسوا بأصحاب نفوذ وهم إمامية اثنا عشرية يدينون بالتقيّة ويقولون إن جعفرا الصادق كان يدين بها ويقول (التقية ديني ودين آبائي وأجدادي ومن لا تقية له لا دين له) . وفيهم علماء يسافرون في طلب العلم إلى بغداد ومشهد الحسين. والفوعة قرية عظيمة تضاهي قصبة. وأهلها معروفون بالتشيع من قديم الزمان وفيهم أولو أنساب علوية عالية. وكان يرسل إلى هذه القرية قاض مستقل في دولة الأتراك والجراكسة وأوائل الدولة العثمانية أما الآن فهي تابعة قضاء إدلب.