الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تجارة حلب
لا يخفى أن موقع حلب من أهم المواقع التجارية كما عرفت ذلك من الكلام على جغرافيتها. ولهذا كانت حلب بعد خراب قنّسرين هي المركز التجاري المتوسط بين الشرق والغرب ومنه تخرج القوافل إلى العراق المتصلة ببلاد فارس ثم بالهند ثم بالصين ثم باليابان وإلى الشام والحجاز واليمن وعمان والبحرين وإلى مصر وما وليها من أفريقية وغيرها من الممالك الغربية. ولعظم تجارتها في الزمن السابق كان يلقبها الفرنج بتدمر الجديدة وكنت تجد فيها أنفس بضائع هذه البلاد والممالك. ولم تزل حلب على هذه الثروة التجارية والدرجة المهمة إلى أن اكتشف البرتقاليّون سنة 1497 م/ 903 هـ طريقا للهند من جهة رأس الرجاء وبسببه انصرفت الموارد التجارية عن حلب وتقهقر حالها ولكنها لم تفقد ثروتها بالكلية إنما بقي فيها من التجارة جانب عظيم لا يوجد مثله في كثير من الممالك غيرها.
قال ابن الشحنة: ومن خصائص حلب نفاق ما يجلب إليها من البضائع كالحرير والصوف والبردي والقماش وأنواع الفرو من السمور والوشق والفنك والسنجاب والثعلب وسائر الوبر والبضائع الهندية وأجناس الرقيق فإنه قد يباع فيها في يوم واحد ويقبض ثمنه ما لو حضر إلى القاهرة التي هي أم البلاد لما بيع بعشرة أيام.
وقال جاك سواري دي تروسلون في الصحيفة ال 1018 من الجزء الأول من قاموسه التجاري العام المطبوع سنة 1723 م/ 1136 هـ إن حلب لا تضاهيها بلدة بتجّارها الذين يقصدونها من أقطار الدنيا فإن خاناتها التي لا تقل عن أربعين خانا لا تزال غاصة بالهنود والفرس والترك والفرنج وغيرهم بحيث لا تقوم بكفايتهم. قال: ومن خصائصها التجارية وجود الحمام الذي يأتي تجارها بالأخبار من إسكندرونة بثلاث ساعات بسبب تربيته بحلب وحمله إلى اسكندرونة بأقفاص فإذا طرأ خبر علقت البطاقة في رقبة الطير وسرح فيطير إلى حلب طلبا لفراخه شأن كل حيوان يطلب أولاده، على الأخص نوع الحمام الذي يمتاز بعض أجناسها بشفقته على بقيتها. قال: ولحلب خاصة ثانية في تجارتها وهي أن القادمين عليها من اسكندرونة لا يجوز لهم أن يحضروا إليها إلا ركوبا مع القافلة وسبب ذلك أن المركب حينما كان يصل إلى اسكندرونة كان يتوجه بعض من فيه إلى حلب مشيا
على الأقدام طلبا للتجارة فيسبق بقية رفقائه ويشتري البضائع من حلب قبلهم فتقل عليهم أو تغلو أثمانها إلى حين وصولهم وبسبب ذلك صارت أجرة الدابة ذهابا وإيابا ستة قروش فكانت جملة النفقات التي تلحق المسافر في ذهابه وإيابه وبقائه بحلب ثلاثين قرشا. اه.
وذكر في معجم البلدان أن من عجائب حلب أن في قيسارية البزّ عشرين دكانا للوكلاء يبيعون فيها كل يوم متاعا قدره عشرون ألف دينار، مستمر ذلك منذ عشرين سنة وإلى الآن. اه.
وما زالت تجارة حلب جارية على هذا المنوال بعد اكتشاف رأس الرجاء حتى ظهرت سفن البخار التي قربت المسافات البحرية لسرعة سيرها وقلة خطرها. ثم لما مدت السكة الحديدية من الاسكندرية إلى السويس هبطت عدة درجات ولم يبق فيها من تجارتها سوى الربع تقريبا وذلك لأن طريق الهند قربت جدا وسهل نقل البضائع من المراكب إلى عجلات الحديد ثم تفرغ منها على فرضة «1» السويس التي هي على البحر الأحمر وتشحن بالمراكب المذكورة.
ولما فتحت قناة السويس المعروفة بالترعة واتصل بسببها البحر الأحمر بالبحر المتوسط هبطت تجارة حلب هبوطا فاحشا فلم يبق بها سوى عشر تجارتها السابقة. ثم مما زادها اضمحلالا وانحطاطا حتى بقيت دون العشر عما كانت عليه، هو سير البواخر الصغار من البصرة إلى بغداد وابتذال البواخر الكبار التي تنقل السلع من كل جهة إلى كل جهة.
ومع هذا كله فإن تجارة حلب لم تزل واسعة بالنسبة إلى كثير من الممالك العثمانية.
أما ما يدخل إلى حلب من غيرها من البضائع والسلع في هذه الأزمان فهو جميع بضائع أوروبا والهند والصين واليمن والحجاز والعراقين والروم والأناضول وأفريقية والسودان والحبش وغير ذلك من بقية الممالك. وأما ما يخرج منها إلى غيرها فكثير أيضا منه الحنطة وبقية الحبوب والحرير والصوف والقطن والكتان والقنّب والزيت والسمن والتين والزبيب والجوز واللوز والجلود والفستق والدبس والعسل، وغالب أنواع الحيوان كالغنم والبقر والخيول وأنواع الأقمشة والمنسوجات الحريرية المعروفة بالجتارة التي تضاهي جتارة الهند ونوع منها منقوش بالحرير والقصب على أنواع وأشكال بديعة يعرف الآن بالدوناتو نسبة إلى أسرة دوناتو التي اشتهرت بهذه الصنعة أكثر من سواها، وأنواع الغزلية المعروفة بالآلاجة
والشال الذي هو تقليد العجمي والبسط الكردية والخام البلدي، والنعال الحلبية المشهورة بحسنها ورشاقتها وإتقانها وجلود الحيوانات كالمعز والغنم والبقر والجواميس وأنواع الأصبغة كالجهرة والعفص، وأنواع العقاقير كالسحلب والأفيون والسقمونيا والخشخاش والشونيز والكسفرة والآنسون والسمسم والصابون والملح والعصفر والصنوبر والمناديل المطبوعة المعروفة بالبصمة والشريط الفضي المعروف بالتيل. وغير ذلك مما يطول شرحه.
وأما بيع الرقيق بحلب في هذه الأزمان فلم يسبق له أثر بعد اتّفاق الدول على منع بيع الرقيق، وكان يباع في حلب السود والحبش والكرج والجركس.
والناس الآن يستأجرون في حلب وغيرها البنات النصيريات والمسلمات من الجبل الأعلى وجبال صهيون وما جاورها، يستأجرون البنت البالغة من نفسها، والقاصرة من وليها مدة ثلاثين سنة في الغالب بأجرة قدرها ما بين ألف قرش إلى ثلاثة آلاف وخمسمائة قرش على حسب حسن صورتها وخدمتها بناء تقوم «1» بخدمة منزل مستأجرها في المدة المذكورة. ثم إن مقادير ما يدخل من البضائع وما يخرج منها غير ممكن تعيينه على وجه الحصر. وهاك بيانا في أثمان ما يدخل إلى ميناء اسكندرونة وأثمان ما يخرج منها تعرف منهما درجة تجارة حلب تقريبا حينما كانت اسكندرونة هي الميناء المختصة بولاية حلب:
بيان قيمة الأموال الواردة إلى الميناء المذكورة في سنة 1889 م/ 1307 هـ ملخصا من جدول كبير مفصل ظفرنا به من (أجنتة) السفن، أي شركة السفن في اسكندرونة على اعتبار الليرة العثمانية (100) قرش وهو:
قروش 12344800/من أوستريا 02409975/من روسيا 03825900/من إيطاليا 25804237/من فرنسة 100086525/من إنكلترة 043396312/من البلاد العثمانية 187957749
الأموال الواردة التي بينا قيمتها هنا هي (مال الفاتورة)(أنواع الجوخ)(حرير)(أنواع الأقمشة الحريرية)(السكر)(قهوة البن)(رز)(صبغة القرمز)(مسكرات)(سختيان وكوسلة)(بهارات)(مأكولات)(ورق)(نحاس)(رصاص وتوتيا وفولاذ)(حديد وآلات حديد)(نيل)(بترول)(بلور وأواني خزفية)(منسوجات متنوعة)(صرر نقدية ومجوهرات) .
وهذا بيان قيمة الأموال الصادرة من الميناء المذكورة ملخصا من الجدول المذكور وهو:
قروش 4833000/إلى أميركا 0043312/إلى اليونان 0063000/إلى أوستريا 0084825/إلى إيتاليا 0642600/إلى فرانسه 0534375/إلى إنكلترة 13467942/إلى الممالك العثمانية 19669054 الأموال الصادرة التي بينا قيمتها هنا هي (مال الفاتورة)(شرانق الحرير)(قطن)(صوف)(عفص وجهرة)(شمع عسلي)(سمسم)(حنطة ذرة شعير وغيرها)(صابون تين وتنباك فستق وجوز وزبيب وأنواع من المأكولات)(جلود وسختيان غنم ومعزا وغيرها)(صرر نقدية) .
هذه الأموال هي غير الأموال الوطنية الصادرة من حلب عن طريق البر إلى بر الأناضول والجزيرة والعراقين وبقية سوريا وفلسطين والحجاز واليمن وغير الأموال المستهلكة في حلب وبرها الواردة برا من الجهات المذكورة مما يعجز القلم عن إحصائه.