الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يعمل منه كالزبدة والجبن فهما مما لا نظير له في غير أنطاكية. وانفردت أيضا بالتبغ المعروف بالتتون والفلافل الحمراء التي يكثر الأنطاكيون من أكلها وينقل منها إلى حلب وغيرها قناطير مقنطرة طرية ومسحوقة. وانفردت أيضا بكثرة ما يعمل في مصابنها من الصابون وربما كان معادلا صابون حلب بالجودة والكثرة.
مساوىء أنطاكية
من مساوىء مدينة أنطاكية في الشتاء كثرة الأمطار والرعود والصواعق والزلازل.
وهي بالحقيقة في موقع جبلي بركاني يدلّك عليه موقع بيت المال ونبع المياه فيه من قمم الجبال، الأمر الذي يبرهن لك على أن هذه المياه الغزيرة لم يدفعها إلى تلك القمم صعدا سوى حركة بركانية أعقبت انفجار بركان عظيم.
ومن مساوئها أيضا انحباس النسيم عنها في بعض ليالي الصيف وكثرة الرطوبة وقد تقدم الكلام عليهما. وأحسن ما تكون أنطاكية في أيام الخريف. إذ يكون هواؤها في هذا الفصل لطيفا منعشا يحمل إليها من الجبال الكائنة في جوارها أريج الآس والمرسين «1» . وتطيب فيها الأثمار ويلذ السهر والسمر في المنتزهات المشادة على أطراف نهر العاصي كالفنادق والمطاعم.
الأسر الشهيرة في هذه المدينة
من الأسر الشهيرة في مدينة أنطاكية أسرة آل بركة وهي تعرف في أنطاكية باسم بركة زاده. جدها الأعلى من مدينة حمص من عشيرة بني خالد بن الوليد وهو أول من قدم إلى أنطاكية واتخذها وطنا.
وجيه هذه الأسرة فقيد الوطن المرحوم الحاج رفعت آغا أحد رجال عصره المعروفين بالوجاهة والذكاء والجاه والقبول لدى الحكام والعلوم والمعارف وكرم السجايا وطلاقة
المحيا وسخاء اليد وإقراء «1» الضيوف. وقد تقلب في عدة خدم مهمة في الحكومة العثمانية. وفي أيامه الأخيرة انتخب عضوا لمجلس المبعوثين.
كان يقرأ ويكتب باللغة التركية والعربية والفارسية والفرنسية، ويحسن من كل لغة من هذه اللغات أدبياتها وهو حسن اللهجة جميل المحاضرة.
أقمت في منزله زهاء ثمانية أشهر يجدد لي كل يوم منها إكراما واحتراما ولم أر في جميع هذه المدة الضيوف التي تجلس على مائدته يقل عددهم عن ثلاثين ضيفا يقدم إليهم في طعام العشاء وطعام الغداء أنفس المآكل والأطعمة يجلس معهم ويسامرهم بلطائفه وينظر إلى كل واحد منهم بوجه كله بشر وطلاقة مما يدل على سخائه ورحب صدره وعلو جنابه، وكان يستقضيه الناس مصالحهم ومهماتهم فلا يرد أحدا منهم إلا شاكرا له مثنيا عليه. وكان الحكام يحبونه ويهابونه سيما حكام أنطاكية فإنهم كانوا لا يخرجون عن إرادته رحمه الله.
أما وجيه هذه الأسرة الآن وعين أعيان أنطاكية بل هو من أجل أعيان سوريا حضرة صاحب الفخامة صبحي بك نجل المرحوم الحاج رفعت آغا السالف الذكر وهو رئيس اتحاد دولة سورية المنفرد بمزاياه الكرائم والمشار إليه بالبنان لما اتصف به من المحاسن والمكارم.
ومن رجال هذه الأسر المولى العالم الفاضل الأستاذ صفوت أفندي مفتي القضاء.
ومن الأسر الكريمة في أنطاكية أسرة آل خلف المعروفة باسم خلف زاده لر وهي أسرة عريقة بالمجد وجد منها عدة رجال أجلاء يستحقون المدح والثناء.
ومن الأسر الشهيرة في أنطاكية أسرة آل المفتي نسبة إلى السيد العالم العلامة الحاج يحيى أفندي مفتي أنطاكية الأسبق، كان من كبار علماء عصره وأفاضل أدبائهم، ينظم الشعر التركي والعربي والفارسي ويتكلم باللغات الثلاث. وحينما كنا معه في الحجاز تلقى صحيح البخاري بالرواية على العلامة المحدث الشيخ أحمد الدحلاني شيخ الإسلام في الديار الحجازية وصاحب كتاب الفتوحات الإسلامية. وكنت أقابل معه النسخة التي يتلقى بها الحديث عن الأستاذ المشار إليه. وبعد أن عاد من الحجاز إلى بلدته أنطاكية اختاره والي حلب وحاكمها الشرعي لأن يكون رئيس كتاب المحكمة الشرعية في حلب ونائب غيبة
الحاكم الشرعي فحضر إلى حلب وقام بالوظيفة نحو سنة أحسن قيام ثم بدا له أن يعود إلى وطنه فاستقال من وظيفته وعاد إلى أنطاكية رحمه الله.
ومن وجهاء أسرته في هذه الأيام نجله العالي محمد أفندي وهو صاحب منزل لإقراء «1» الضيوف وإكرامهم، ذو وجاهة وإقبال وكلمة نافذة عند الحكومة معروف بالوفاء والصدق والسخاء وكرم الأخلاق.
ومنها أسرة القصيري وهي مما تفرع من سلالة الأسرة الجندية التي لها فروع في حمص وحماة وإدلب ومعرة النعمان. وقد ذكرنا في الكلام على البلدة الأخيرة أنهم ينسبون إلى الأسرة العباسية.
ومنها أسرة المعصراني التي وجد منهم عدة أماثل يعانون التجارة ويعرفون بالأمانة والاستقامة.
ومنها أسرة آل المسكي وهي أسرة معروفة بالوداعة يرتزق أفرادها من التجارة ويعاملون الناس بالمعروف والحسنى ويحرزون ثناء من يعاملهم. ووجيه هذه الأسرة الآن عزت أفندي من خيرة الرجال الموصوفين بالأدب والكمال.
وفي أنطاكية غير ذلك من الأسر الكريمة يطول الكلام عليها وبهذا القدر كفاية. انتهى الكلام على قضاء أنطاكية.