الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أسماء مدينة حلب ووجه تسميتها باسمها الحالي
يقال إن هذه المدينة سميت باسم بانيها الأول وهو حلب بن مهر بن خاب «1» . قلت:
هذا الاسم لم نعثر عليه في كتاب معتبر، ولا سمعنا بمن تسمى به. وقيل: إنها سميت بقول العرب (إبراهيم حلب الشهباء) حينما كان مقيما في تل القلعة يحلب كل يوم بقرة له شهباء، ويوزع لبنها على العرب المخيّمين في جواره. وهذا الوجه في تسميتها هو المشهور عند أكثر الحلبيين. على أنه قد يكون له نصيب من الصحة إذا اعتقدنا أن العرب كانوا يترددون على هذا الصقع للميرة والكلأ كجري عادتهم، أو أنهم كانوا يقطنونه مع إخوانهم الآراميين فقد صرح هيرودت واسترابون وغيرهما من قدماء المؤرخين وبعض علماء هذا العصر أن قبائل عديدة من بلاد العرب أو من جانب خليج العجم ارتحلوا إلى سورية منذ قديم الأيام، فمن الجائز أن يكون هذا الصقع عرف عندهم بهذا الاسم أخذا من فعل الخليل عليه السلام، وإن كان له أسماء أخرى عند بقية الأمم، فإن اليهود يسمّون حلب في صكوكهم (أرام صوبا) .
هذا الاسم مذكور في القسم الستين «2» من مزامير داود، وصوبا مذكورة في القسم الثامن من كتاب الملوك «3» وفي القسم الثامن عشر من أخبار الأيام الأول وفي غيرهما.
ويقول بعض العلماء الإسرائيليين: إن كلمة صوبا محرفة عن صهوبه، ومعناها: البياض المشوب بحمرة وإن حلب وضواحيها تتراءى للمقبل عليها بيضاء حمراء لأن بناءها بالحوّار، ولوجود سباخ كثيرة في براريها فسميت بهذا الاسم. اه. قلت: سيأتي لنا في الكلام على قنّسرين أنها هي التي كانت تسمى صوبا. ويقال إن اليهود نقلوا اسمها القديم بعد خرابها إلى حلب. ويحتمل أن تكون كلمة صوبا آرامية ومعناها الناحية أو الطرف أو الموعد أو
المجتمع أو المنتهى. وهذه معان يوافق بعضها معاني الصوب في اللغة العربية. وعلى كل حال فإن أول من سكن صقع حلب هم الآراميون. وأما الكتابة الهيروكليفية في ظاهر الحجر الأسود في جدار جامع القيقان فهي لا تصلح أن تكون دليلا على أن أول من سكن حلب هم المصريون «1» إنما يستدل بها على مجيئهم إليها لا غير. وقد سماهم في «تحفة الأنباء» : العمالقة. وهو غلط. ولا شاهد على أنها كانت تسمى بلغتهم هلبون وهلبة إذ لم نسمعه ممن يعتدّ به. كما لا صحة لقول من قال: إن اليونان كانت تسميتها «خلبة» بالخاء المعجمة لعدم وجود الحاء المهملة بلغتهم إلا أن تكون كلمة «خلبة» تحريف حلب.
ولا يجوز أن يكون اليونان أخذوا هذا الاسم عن المصريين الذين كانوا يسمونها هلبة على رأي القائل به، فإن اليونان كانوا يسمونها بغير هذا الاسم، قيل هو برويا ومعناه البرّ يرى، وذلك لأن من كان في قلعة حلب يرى البرّ منها. لكن هذا إنما يصحّ فيما إذا كان هذا الاسم مركبا من كلمتين عربيتين وهو بعيد. وفي معجم ياقوت أن اسم حلب بالسريانية «باروّا» . وقرأت في وريقات تاريخية مطبوعة تنسب إلى حضرة البطريرك أفرام رحماني الثاني أن المقدونيين لما استولوا على بلاد سوريا أطلقوا على مدينة حلب اسم بروّا اقتداء باسم إحدى المدن اليونانية في بلاد «تراقي» غير أن الأهالي حافظوا على اسمها القديم اه.
فالمفهوم من هذا أن كلمة بارّوا أو بروّا يونانية لا سريانية، كما قال ياقوت. وأطلق كزانفون اليوناني تلميذ سقراط الحكيم كلمة «حلب» على جميع الصقع الممتد من أذنه إلى الفرات.
ويقال إن الصابئية كانت تسميها مابرغ «2» . والصواب أن هذا أحد اسمي منبج. كما ستقف عليه في الكلام على منبج.
إن الأستاذ منكه الفرنسوي الجغرافي الشهير سماها في أطلسه التاريخي في خارتة آشور «يره بوليس» . (والصواب أن يره بوليس هو أشهر اسمي منبج القديمة في الدولة اليونانية) وفي خارطة بني إسرائيل حلب وأطلق لفظ أرام صوبا على كورة بين حلب وحماة.
قلت: الأقرب إلى الصواب أن يطلق هذا الاسم على كورة حلب نفسها، كما هو
المفهوم من أخبار الحروب التي أقامها داود مع ملوك صوبا، وكانت الكورة تضاف إلى قنّسرين التي كانت تسمى صوبا عند الإسرائيليين.
وأطلق الأستاذ منكه كلمة آرام نهرايم على كورة بين حلب والعراق. وهي الجزيرة وآرام دمسقو على كورة بين حماة ودمشق وسماها في خارتة الفرس في عهد دارا خلب بالخاء المعجمة. وأطلق لفظ برويا في خارتة انطاكية في عهد بانيها الأول أنطيكوس على الطريق المتوسطة بين حلب وانطاكية، وسماها في خارتة بوتينانوس حلب. ولم يزل يسميها بهذا الاسم إلى البعثة المحمدية.
قال بعضهم إن لفظة «حلب» محرّكة بلد بالشام، معرّبة عن «ألبّ» ، بكسر اللام وتشديد الباء. منقولة عن اسم مجددها «ألبيوس» الشهير من وزراء بوليانوس العاصي واسمها القديم بيريا. قلت: لا صحة لهذا لأن «ألبيوس» المذكور كان بعد المسيح عليه السلام وقد علمت أنها كانت تسمى بهذا الاسم في عهد بني إسرائيل.
والذي أراه في هذه الكلمة وتطمئن إليه نفسي أنها سريانية محرفة عن «حلبا» بالألف ومعناها البيضاء، ثم حذفت ألفها بالاستعمال جريا على قاعدة المتكلمين باللغة السريانية من أنهم يحذفون هذه الألف في كلامهم، وأن إتباع حلب بكلمة الشهباء، التي معناها البيضاء، مما وضعه العرب كالتفسير لكلمة حلب، وأن السريانيين كانوا يسمونها بهذا الاسم لما كان يشاهد من بياض تربتها لكثرة سباخها ومادة حوّارها، ولأن عمائرها كانت تبنى بالحوار الأبيض المأخوذ من مغائرها القريبة منها كمغارة المعادي وباقي المغائر المعروفة فكانت مناظرها بيضاء كمناظر مدينة عينتاب والرها وغيرهما من البلاد التي ما زالت تبنى عمائرها من هذه المادة حتى الآن.
يؤيد أن لفظة حلب سريانية وجود محلات في نفس مدينة حلب لم تزل حتى الآن تسمى بأسماء سريانية، وهي: بنقوسا، وبحسيتا، اللتان «1» سنتكلم عليهما في الباب الأول بعد المقدمة. كما أن كثيرا من القرى التابعة حلب لم تزل أسماؤها حتى الآن سريانية.
كما سيرد عليك في محله والله أعلم.