الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: وحاضر قنسرين هي الآن قرية الحاضر وقد ذكرت في الجدول وكانت قبور بني أمية بقنسرين على ما حكاه المسعودي في مروج الذهب.
الأثارب
قال ياقوت: هي جمع أثرب وهو الشحم الذي قد غشى الكرش. وتبعد عن حلب ثلاثة فراسخ وينسب إليها أبو المعالي محمد بن هياج الأثاربي وفيها يقول محمد القيسراني:
عرّجا بالأثارب
…
كي أقضّي مآربي
واسرقا نوم مقلتي
…
من جفون الكواعب
وا عجبا من ضلالتي
…
بين عين وحاجب
ومنهم حمدان بن عبد الرحيم الأثاربي طبيب يتأدب وله شعر وأدب وصنف تاريخا وكان حيا بعد الخمسمائة.
وكانت الأثارب حصنا منيعا معدودا من جملة العواصم واستمرت كذلك إلى سنة 504 وفيها قصد صاحب أنطاكية حصن الأثارب ومعه جند عظيم من فارس وراجل فحصر الحصن وضيق على أهله حتى فنيت أقواتهم فنقبوا من القلعة نقبا قصدوا أن يخرجوا منه إلى خيمة صاحب أنطاكية فيقتلوه فلما فعلوا وقربوا من خيمته استأمن إليه صبي أرمني فعرفه الحال فاحتاط واحترز وجدّ في قتالهم حتى ملك الحصن عنوة وقتل من أهله ألف رجل وقصد حصن زردنا وفعل بأهله مثل الأثارب.
ثم في سنة (513) قصد هذا الحصن أيلغازي وأخذه منهم عنوة وقهرا ثم في سنة (517) ملكه الفرنج في صفرها وسبب ذلك على ما حكاه ابن الأثير أن الفرنج كانوا قد أكثروا قصد حلب وأعمالها بالإغارة والتخريب والتحريق وكان حينئذ بحلب بدر الدولة سليمان ابن عبد الجبار بن أرتق وهو صاحبها ولم يكن له بالفرنج قوة وخافهم فهادنهم على أن يسلم الأثارب ويكفوا عن بلاده فأجابهم إلى ذلك وتسلموا الحصن وتمت الهدنة واستقام أمر الرعية بأعمال حلب ثم اشتد ضرره على المسلمين حتى إن من كان به من الفرنج صاروا يقاسمون حلب على جميع أعمالها الغربية حتى على رحى لأهل حلب بظاهر باب الجنان بينها وبين البلد عرض الطريق وهي رحى عربية.
فلما رأى ذلك عماد الدين زنكي قصده فلما علم الفرنج بذلك جمعوا فارسهم وراجلهم ولم يتركوا من طاقتهم شيئا واستشار عماد الدين أصحابه فيما يفعل فكل أشار بالعودة عن الحصن لقوة الفرنج فقال لا بد من لقائهم لئلا يطمعوا فترك الحصن وتقدم نحوهم فالتقوا واصطفوا للقتال وصبر كل فريق منهم لخصمه واشتد الأمر بينهم ثم نصر الله المسلمين فظفروا وانهزم الفرنج أقبح هزيمة ووقع كثير من فرسانهم بالأسر وقد أخذ منهم السيف كل مأخذ حتى إن عظام القتلى بقيت زمنا طويلا في ذلك الموضع.
ولما فرغ المسلمون من ظفرهم عادوا وتسلموا الحصن عنوة وقتلوا وأسروا كل من فيه وأخربه عماد الدين وجعله دكا. في سنة 532 وصل الروم بزاعة وحاصروها وضيقوا على أهلها وملكوها بالأمان ثم غدروا بهم ورحلوا عنها إلى أثارب وملكوها وتركوا فيها سبايا بزاعة وتركوا عندهم من الروم من يحفظهم وساروا إلى شيزر فخرج أسوار نائب زنكي بحلب بمن معه وأوقع بمن في أثارب من الروم فقتلهم وفك أسرى بزاعة وسباياها وبقيت الأثارب بيد المسلمين ولم تعد للفرنج أبدا.
ومما ذكر في التاريخ قرية عين جارة وقرية الهوتة. زعم من تكلم على طلاسم حلب أنه كان يوجد بين هاتين القريتين حجر قائم كالتخم بينهما، فربما وقع بين أهلهما شرّ فيكيدهم أهل الهوتة بأن يطرحوا هذا الحجر فتخرج نساء أهل القرية الأخرى متبرجات طالبات للرجال إلى أن يعاد الحجر إلى حالته فيعاودهن التمييز ويعدن إلى بيوتهن.
ومن الجهات التي لها ذكر في التاريخ أيضا (شبيث والأحصّ) قال ياقوت بعد كلام طويل: الأحص كورة كبيرة مشهورة ذات قلاع ومزارع بين القبلة وبين الشمال من مدينة حلب قصبتها خناصرة.
قلت: والأحصّ يسميه قوم الخص بالخاء المعجمة وآخرون بالحاء المهملة والجراكسة يقولون إن هذه اللفظة حثية ومعناها المزرعة كما هو معناها باللغة الجركسية ومن هنا يزعمون أنهم هم الحثيون الذين كانوا يملكون هذه الأصقاع.
وأما شبيث فجبل في هذه الكورة أسود في رأسه فضاء فيه أربع قرى وقد خربت
جميعها. ومن هذا الجبل يقطع أهل حلب وجميع نواحيها حجارة رحيّهم «1» وهي سود خشنة.
وفي كتاب ابن الملا أن سوريا تطلق على الشام الأولى وهي حلب وأعمالها قال: وبناحية الأحص من بلد حلب مدينة خربة تسمى سوريا وإليها ينسب اللسان السورياني والقلم السورياني. اه.
وهذا الأحص هو الذي عناه عدي بن الرقاع بقوله:
وإذا الربيع تتابعت أنواؤه
…
فسقى خناصرة الأحصّ وزادها «2»
فأضاف خناصرة إلى هذا الموضع. وإياه عنى جرير بقوله:
عادت همومي بالأحصّ وسادي
…
هيهات من بلد الأحصّ بلادي
لي خمس عشرة من جمادى ليلة
…
ما أستطيع على الفراش رقادي
ونعود سيّدنا وسيّد غيرنا
…
ليت التشكي كان بالعوّاد
وأنشد الأصمعي:
ولا آب ركب من دمشق وأهله
…
ولا حمص إن لم يأت في الركب زافر «3»
ولا من شبيث والأحصّ ومنتهى م
…
المطايا بقنّسرين أو بخناصر
وإياه عنى ابن حصينة بقوله:
لجّ برق الأحصّ في لمعانه
…
فتذكّرت من وراء رعانه
فسقى الغيث حيث ينقطع الأو
…
عس من رنده ومنبت بانه
أو ترى النور مثل ما نشر البر
…
د حوالي هضابه وقنانه
تجلب الريح منه أزكى من المسك م
…
إذا مرّت الصبا من مكانه «1»
وينسب إلى الأحصّ شاعر حلبي يعرف بالناشي الأحصي كان في أيام سيف الدولة ابن حمدان فمدحه بقصيدة فاعتذر إليه سيف الدولة بضيق اليد يومئذ وقال له اعذر ومتى بلغك أنه حمل إلينا مال فأتنا نضاعف لك الجائزة فخرج من عنده فوجد على باب سيف الدولة كلابا تذبح لها السخال «2» وتطعم لحومها فعاد إلى سيف الدولة وأنشده:
رأيت بباب داركم كلابا
…
تغذّيها وتطعمها السخالا
وما في الأرض أدبر من أديب
…
يكون الكلب أحسن منه حالا
ثم اتفق أن حمل إلى سيف الدولة أموال من بعض الجهات على بغال ضاع منها بغل بما عليه وهو عشرة آلاف دينار وجاء هذا البغل ووقف على باب الناشي بالأحصّ فسمع حسّه فظنه لصا فخرج إليه بالسلاح فوجده بغلا موقرا بالمال فأخذ ما عليه وأطلقه ثم دخل على سيف الدولة وأنشده:
ومن ظنّ أن الرزق يأتي بحيلة
…
فقد كذّبته نفسه وهو آثم
يفوت الغنى من لا ينام عن السّرى
…
وآخر يأتي رزقه وهو نائم
فقال له سيف الدولة: بحياتي وصل إليك المال الذي كان على البغل فقال نعم فقال خذه بجائزتك مباركا لك فيه فقيل لسيف الدولة كيف عرفت ذلك فقال عرفته من قوله «وآخر يأتي رزقه وهو نائم» بعد قوله «يكون الكلب أحسن منه حالا» .
ومن البلاد التي لها ذكر في التاريخ (عين زربة) هي الآن قرية صغيرة وكانت مدينة عظيمة على سفح جبل مشرف عليها وفي سنة (108) أمر الرشيد ببنائها وتحصينها لأنها كانت قلّت سكانها ووهن عمرانها وبعد أن عمرت بأمر الرشيد ندب إليها جماعة من أهل خراسان وأقطعهم بها المنازل ثم نقل إليها المعتصم جماعة من الظّط «3» الذين كانوا تغلبوا على البطائح وهي أرض واسعة بين واسط والبصرة والزط «4» قوم من الهند. وفي سنة
(351)
استولت عليها الروم وفعلوا بها وأهلها أفعالا فظيعة كما حكيناه في أخبار هذه السنة في باب الحوادث.
ومن الأماكن التي لها ذكر في التاريخ (أورم) قال ياقوت: هي أربعة قرى أورم الكبرى وأورم الصغرى وأورم الجوز وأورم البرامكة. قلت: وكلها معروفة الآن إلا أورم البرامكة. قال: ويحكى عن أورم أعجوبة وهي أن فيها أبنية كانت من قديم الزمن معبدا فيرى المجاورون لها من أهل القرية ضوء نار ساطعا فإذا جاؤوها لا يرون شيئا وكان على هذه البنية ثلاثة ألواح من حجارة مكتوب على اللوح القبلي منها بالخط القديم ما تعريبه (الإله الواحد كملت هذه البنية في تاريخ 328 سنة لظهور المسيح) وعلى اللوح المضروب على وجه الباب (سلام على من كمل هذه البنية) وعلى اللوح الشمالي (هذا الضوء المشرق الموهوب لنا من الله في أيام البربر في الدور الغالب المتجدد في أيام الملك إيناوس وإيناس البحريين المنقولين إلى هذه البنية وقلاسس وجسنسا وقاسورس وبلابيا في شهر أيلول في ثاني عشر من التاريخ المتقدم والسلام على شعوب العالم والوقت الصالح) .
ومن هذه الأماكن أيضا (تل السلطان) كان اسمه الفنيدق بينه وبين حلب خمسة فراسخ وبه كانت وقعات الفنيدق بين ناصر الدولة بن حمدان وبني كلاب من بني مرداس في سنة 452 وفي سنة 486 كانت في قربه وقعة بين أقسنقر وبين تتش فعرف التل من ذلك اليوم بتل السلطان نسبة إلى السلطان ملك شاه.
ومن تلك الأماكن أيضا (جبرين الفستق) قرية على باب حلب بينهما نحو ميلين وهي لم تزل كبيرة عامرة و (جبرين قورسطايا) من قرى حلب من ناحية عزاز وتعرف أيضا بجبرين الشمالي وينسب إليها أبو القاسم أحمد بن هبة الله النحوي المقرئ الفاضل إمام شاعر وكان له حلقة بجامع حلب وله ثروة وهو من أعيان القرن السابع ومن شعره:
ملك إذا ما السّلم شتّت ماله
…
جمع الهياج عليه ما قد فرّقا
وأكفّه تكف الندى فبنانه
…
لو لامس الصخر الأصمّ لأورقا
وإلى جانب قبتان الجبل المحررة في الجدول بين حور وبابيص جب الكلب الذي كان على ما قاله بعض مؤرخي حلب ينفع المكلوب من عضة الكلب فيؤمر المعضوض بأن ينظر إلى تلك البئر ويشرب من مائها فيبرأ من مرضه ويقال إن امرأة ألقت فيه خرقة حيض
فبطلت خاصيته وذلك في حدود سنة خمسمائة وكان إحدى عجائب حلب الثلاث.
ومن الأماكن المذكورة قنسرين الثانية وهي «1» حيار بني القعقاع بن خليد بن الحارث العبسي وهم أخوال الوليد وسليمان بن عبد الملك بن مروان وتعرف أيضا بحيار بني عبس وموضعها الآن قرب قنسرين وهي داثرة يزرعها الفلاحون.
وفي آرل جوار عنادان مشهد الرجم على جبل مشرف على الأرتيق.
ومن الأماكن القديمة الشهيرة في هذا القضاء: قلعة سمعان أو سراي سمعان أو كنيسة سمعان وهي بناء ضخم ذو أساطين عظيمة على كثير من حجارته خطوط رومانية يقصده السواح «2» .
انتهى الكلام على هذا القضاء.