الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الديار المصرية والشامية واليا بقي مقيما بها إلى سنة 668 وفيها جلا أهلها عنها وسكنوا سلمية وحماة وغيرهما من البلاد ولم يبق بها أحد البتة. اه.
قلت هي الآن خراب واسع يحيط به سور معمور من عدة جهات وفيها عدة مبان قائمة معمورة بالحجارة المهندمة الجميلة كسورها، والمشتغلون باستخراج العاديات من أراضي الخرابات القديمة يقصدون الرصافة زرافات ووحدانا ويقيمون فيها الأيام العديدة ويحفرون في أراضي منازلها ومقابرها القديمة فيخرج لهم من المنازل عاديات خزفية جميلة تباع للغربين بأثمان باهظة وقليلا ما يخرج لهم نقود فضية. وأما المقادير القديمة فربما خرج لهم منها حلى ذهبية. على أن عادياتها الخزفية تباع بأثمان أكثر مما تباع به عاديات الرقة.
مسكنة
وفي هذا القضاء أيضا مدينة (مسكنة) وهي المعروفة قديما ببالس وكانت مدينة على شاطىء الفرات تحمل منها التجارات التي ترد إلى مصر وسائر أرض الشام في السفن إلى بغداد. قيل سميت ببالس بن الروم بن اليقين بن سام وكانت على ضفة الفرات الغربية فلم يزل الفرات يشرّق عنها قليلا قليلا حتى صارت بينهما مسافة بعيدة وكانت هي وقاصرين «1» .
لأخوين من أشراف الروم فصالح أهلها أبا عبيدة على الجزية أو الجلاء فجلا أكثرهم إلى بلاد الروم وأرض الجزيرة وقرية جسر منبج ولم يكن جسر يومئذ وإنما اتخذ في زمن عثمان رضي الله عنه وأسكن بالس وقاصرين قوما من العرب والبوادي ثم خربت قاصرين «2» . ولما توجه مسلمة بن عبد الملك غازيا الروم من نحو الثغور الجزرية عسكر ببالس فأتاه أهلها وأهل بويلس وقاصرة «3» ، وساموه أن يحفر لهم نهرا من الفرات يسقي أرضهم على أن يجعلوا له الثلث من غلاتهم بعد عشر السلطان فأجابهم وحفر النهر المنسوب إليه ورسم سور المدينة. ولما مات مسلمة صارت بالس لورثته إلى أن أخذتها منهم الدولة العباسية واستمرت في عمرانها إلى سنة (658) فخربت في حادثة التتار وجلا أهلها عنها
وخلت من السكان وهي الآن خراب يسكنها شرذمة من الحامية وقليل من التجار الذين يبيعون سلعهم إلى سكان البوادي.
وفي هذا القضاء أيضا (صفّين) وكانت من أعمال جند قنسرين وكانت قرية كبيرة عامرة على مكان مرتفع من الفرات والفرات في سفحه وفيها مشهد لأمير المؤمنين سيدنا علي رضي الله عنه وقيل إنه موضع فسطاطه «1» وموضع الوقعة غربيّه في الأرض السهلة.
وقتلى علي في أرض من قبلي المشهد وشرقيه. وقتلى معاوية غربي المشهد وجثثهم في تلال من التراب والحجارة، كانوا لكثرة القتلى يحفرون حفائر ويطرحونهم فيها ويهتكون عليهم التراب ويرفعونه على وجه الأرض فصارت لطول الزمن كالتلال.
قيل إن صفين كانت مدينة عتيقة من مدن الأعاجم في أرض قنسرين على شاطىء الفرات فيما بين الرقة ومنبج وعن كعب الأحبار أنه قال: وجدت نعتها في الكتاب بأن بني إسرائيل اقتتلوا فيها تسع مرات حتى تفانوا وأن العرب ستقتتل فيها العاشرة حتى يتفانوا.
وفي هذا القضاء أيضا (قلعة جعبر) وهو حصن مطل على الفرات واسمها الدوسرية.
وجعبر هو سابق الدين القشيري النميري شيخ أعمى طال مكثه في هذه القلعة فنسبت إليه وكان يقطع الطريق هو وأولاده ويخيف السابلة. وفي سنة (479) مسكه السلطان ملك شاه وأمسك أولاده وقتل من بالقلعة من بني قشير وملكها وسار إلى حلب وتسلم قلعتها من سالم بن مالك بن بدران العقيلي وعوضه عنها قلعة جعبر. وفي سنة (497) أغار الفرنج على الرقة وقلعة جعبر وكانت لسالم المذكور.
ثم في سنة 541 حاصرها أتابك زنكي مدة طويلة وكان بها حسان المنبجي من قبل سالم المذكور. وبينما كان زنكي يحاصرها إذ أتاه سهم فقتله وخلص حسان من القتلى ودفن أتابك عماد الدين زنكي ابن آقسنقر بالرقة. وفي سنة 564 ملك هذه القلعة نور الدين من صاحبها شهاب الدين مالك بن علي بن مالك العقيلي. وسبب ذلك أن صاحبها نزل يتصيد فأخذه بنو كلاب وحملوه إلى نور الدين فاعتقله وأحسن إليه ورغبه في الإقطاع والمال ليسلم إليه القلعة فلم يفعل فعدل إلى الشدة والعنف وتهدده فلم يفعل ثم أرسل عسكرا كثيفا إلى القلعة فحصروها فلم يفوزوا منها بطائل فعاد إلى الرفق مع مالك فرضي أن يسلمها
إليه ويأخذ عوضها سروج وأعمالها وملاحة الجبول وعشرين ألف دينا معجّلة، وهذا إقطاع عظيم جدا، إلا أنه لا حصن فيه فتسلم مالك ذلك وقيل له أيما أحب إليك وأحسن مقاما سروج والشام أم القلعة فقال هذه أكثر مالا وأما العز ففارقناه بالقلعة.
وفي سنة 611 كان السلطان سليمان شاه جد الأسرة العثمانية قد فارق بلاد ماهان جافلا من التتار هو ومن معه مقبلا إلى السلجوقية ليتوطن في بلادها فقصد جهة حلب من ألبستان هو ومن معه فوصلوا إلى نهر الفرات أمام قلعة جعبر ولم يعلموا المعبر فعبروا النهر فغلب عليهم الماء فغرق سليمان شاه فأخرجوه ودفنوه عند القلعة. ولما ولي السلطنة السلطان عبد الحميد خان الثاني أمر بتجديد مرقد جده فعمر على أحسن طرز. وأما القلعة فقد استولى عليها الخراب من فتنة التتار وعادت كأن لم تكن.
وفي قضاء الرقة مرقد أبي هريرة رضي الله عنه وغيره من الصحابة الكرام.
انتهى الكلام على قضاء الرقة.