الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أول داعيتهم بالبحرين وهو حمدان قرمط، وبالسبعية لقولهم بالأئمة السبعة، والنطقاء السبعة كما علمت، وبالملاحدة لإلحادهم وبالخرّمية لاخترامهم المحارم أو نسبة إلى بابك الخرّمي الخارج بأذربيجان ولذلك يقال لهم أيضا بابكية، وبالنزارية نسبة إلى نزار بن المستضيء العبيدي.
وكان ابتداء ظهور هذه الطائفة من بلاد فارس سنة 226 كما تقدم ثم أطلق عليهم الملوك في كل أقطار آسيا وجعلوا يقتلونهم حيثما وجدوا حتى أبادوهم وخلت الأرض منهم وذلك سنة 650 وكان ملكهم ممتدا من سواحل البحر المتوسط إلى داخل تركستان وذلك من حدود خراسان إلى جبال سورية ومن بحر قزوين إلى الشواطىء الجنوبية من البحر المتوسط وكانت مدة ملكهم «150» سنة. على أنه لم يزل لهم بقايا حتى الآن في بلاد فارس وعلى سواحل نهر السند والكنك وفي غير ذلك من المحلات. ويبلغ عددهم في ناحية القدموس من جبل النصيرية وفي جبل السماق نحو ألفي نفس وهم الآن يتظاهرون بأفعال أهل السنة ويقيمون الفروض الإسلامية.
قلت: والناس في هذه النواحي لا يفرقون بينهم وبين طائفة النصيرية التي هي فرع من فروعهم.
الدروز
هم طائفة منتشرة في لبنان وحوران ووادي تيم الأعلى والأسفل وبلاد صفد ومرجعيون ودمشق وبعض ضواحي ولاية حلب. ويبلغ عددهم سبعمائة ألف نفس تقريبا وهم يتكلمون بالعربية وينسبهم الناس إلى أبي عبد الله محمد بن إسماعيل الدرزي مع أنهم يكرهونه لقوله بما ينافي اعتقادهم ويقولون إنهم ينسبون في الأصل إلى طيروز إحدى بلاد فارس.
أما مساكنهم من ولاية حلب فهي بضع قرى في الجبل الأعلى المعروف بجبل السماق من أعمال قضاء حارم وهي قرية بنابل وقلب لوزة وبشندلاية وجدعين وعبريتا وككو ووحله وكفر مالس وتل تيته. جميع سكان هذه القرى من طائفة الدروز ومنهم جماعة يسكنون مع المسلمين في قرية كفر كيله وبشندلنتة ودير سلونة وعددهم في هذه القرى على وجه التقريب لا يزيد على خمسمائة نفس ما بين ذكر وأنثى، وهم أهل جدّ وكد
واقتصاد بالمعيشة ومعرفة بالزراعة وسياسة المواشي إلا أنهم متأخرون في الفنون والمعارف ضعفاء النفوذ في تلك الناحية. وهم يسمون حلب تل الخمر ويكرهون أهلها لإيقاعهم بالإسماعيلية حينما قدموا عليها أول مرة ويزعمون أنه سيأتي زمان تجف فيه جميع آبار الدنيا سوى بئر أسد الله المعروف بجب الزلة قرب العقبة في مدينة حلب.
والمشهور عنهم محبة الضيف وإطعام الطعام وحفظ اللسان وأحسن ما يرى منهم التزام الحرمة والوقار والأدب لا سيما مع ساداتهم وأشرافهم حتى إنهم جرت عادتهم على أن أحدهم إذا نزل عنده ضيف أن يقدم له كل واحد من أهل حيه صحنا من طعام عشائه وآخر من طعام غدائه على حسب حاله، فيضع صاحب المنزل هذه الصحون للضيف واحدا بعد واحد مراعيا في وضعها شرف صاحبها، فيقدم منها صحن الأشرف فالأشرف غير ملتفت إلى فقره أو غناه ولا إلى ما في الصحن من خسة الطعام ونفاسته.
وهم يقسمون إلى رؤساء في الدين ويسمونهم عقّالا أو أجاويد، وإلى عامة ويسمونهم جهّالا. وإن العقّال تتفاوت مراتبهم علما وعملا وربما كان في جملتهم بعض النساء ولا يقبل انتظام الجاهل في سلك العقّال إلا بعد الإلحاح في الطلب وتحقق عقّل القرية أنه جدير بذلك.
وأرفع العقّال مرتبة أقدرهم على فهم أسفارهم المعتبرة. ويجتمعون في كل ليلة جمعة في خلواتهم لاستماع كتبهم الدينية ويطيل أحدهم جلوسه للاستماع على حسب مرتبته في العلم.
ومجالسهم هذه يصونونها عن الجهال إلا في عيد ويشترط أن يكون العاقل وقورا متأنيا عفيفا طاهر اللسان متقشفا في المأكل والملبس متحاشيا عن التدخين وتعاطي المسكرات، وأكل المال الحرام الذي هو عندهم كل مال أخذ بالظلم أو التحيل أو الكذب. ومن أحكام شريعتهم تحريم تعدد الزوجات وعدم جواز ردّ المطلقة لعصمة نكاح مطلّقها. ومن خصائصهم المنفردين بها بين بقية الأمم شدة خضوعهم وانقيادهم إلى رؤساء دينهم وأمراء قومهم.
أما وظيفة العقّل عندهم فهي خدمة الدين والقيام بإدارة أمور أوقاف المعابد والندوات فإنهم لهم معابد يجتمعون فيها للصلاة كل ليلة جمعة، كما أن لهم ندوات يجتمعون فيها للمفاوضة في الدين وإدارة شؤون الأوقاف، ولهم خانقاهات معدة لإقامة المتصوفة منهم يتناولون من ريع وقوفها كفاف معيشتهم. وكانت طائفة الدروز تنقسم في الأصل إلى فئتين قيسية ويمانية ثم صارت تقسم إلى جانبلاطية ويزبكية.
ويحكون في أصل طائفتهم حكاية طويلة خلاصتها أن أصلهم من آل تنوخ نزحوا حين خروج بني إسرائيل من مصر فتفرقوا إلى اليمن والعراق والشام وكانت منهم ملوك العرب الذين أولهم يعرب بن قحطان وملوك الحيرة وغيرهم من رؤساء العرب، وأن فريقا منهم رحل إلى معرة حلب وصاهر النعمان أمير المعرة وكان اسمهم في ذلك الحين أمراء بني هاشم التنوخي وبني الأمير فوارس وبني عبد الله وبني مطوّع وبني خالد وأنهم حين ظهور الإسلام كانوا نصارى ثم لما جاءت الصحابة لفتح البلاد الشامية ظاهروهم ونصروهم حمية لهم إذ كانوا مثلهم عربا ثم أسلموا ثم صاروا من حزب الحاكم بأمر الله وتقربوا منه ثم قتلوا عامله عليهم الدرزي لمخالفته اعتقادهم وأنهم بعد ذلك نالوا حظوة عند جميع ملوك الإسلام حتى ملوك آل عثمان.
وخلاصة الكلام في نحلتهم أنهم يؤمنون بوجود الباري تعالى ونبوة أنبيائه العظام الذين منهم المسيح عليه السلام إلا أنهم يعتقدون أن الآلهية حلت في ناسوت الحاكم بأمر الله وأن المشروعات الإسلامية كالصوم والصلاة مفروضة عليهم تقية لا تدينا وهم يقرون بالحشر والنشر ومجازاة النفوس على أعمالها من قبيل ناسوت الحاكم، ويؤمنون بالقرآن العظيم والتوراة والإنجيل إلا أنهم يفسرون معانيها على مقاصدهم. والمشهور عنهم في الكتب الإسلامية أنهم كانوا في الأصل اسماعيلية ثم جاءهم حمزة بن علي الداعي إلى الحاكم بأمر الله فزين لهم الاعتقاد بربوبية الحاكم ووضع لهم دينا من عنده يخالف دين الإسماعيلية بكثير من المسائل فحملهم على اتباعه فأجابوه وانشقوا عن الإسماعيلية. وفسر البعض منهم قوله تعالى (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ)
بهذا الانشقاق. ولحمزة هذا كتب ورسائل دينية محفوظة في مكتبات أوروبا تكلم عليها صاحب دائرة المعارف العربية بإسهاب فراجعها إذا شئت.
وقد وقعت إلي قطعة من بعض كتبهم المخطوطة لخصت منها هذه النبذة وهي:
على كل درزي أن يعرف أربعا وخمسين فريضة عشرة منها مقامات ربانية وهي العلي والبارّ وأبو زكريا والعلي الأعلى والمعلّ القائم والمنصور والمعزّ والعزيز والحاكم. وكلهم آله واحد ظهر بهيئة واسم ونطق وفعل. فالهيئة الصورة كصورتنا والاسم الحاكم والنطق المجالس والسجلات والفعل المعجزات. ومنها عشرة هي الفروض التوحيدية وهي معرفة الباري وتنزيهه ومعرفة الإمام وتمييزه ومعرفة الحدود بأسمائها ومراتبها وألقابها وصدق اللسان وحفظ الاخوان وترك ما كنتم عليه من عبادة العدم والبهتان والبراءة من الأبالسة والطغيان وتوحيد