الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أيام نور الدين محمود زنكي بني فيها جامع حافل أثر منارته باقية «1» حتى الآن. وجميع سكان هذا القضاء أعراب لغتهم العربية البدوية.
الرافقة
وأما الرافقة فهي الرقة القديمة مجاورة الرقة الجديدة وهي البلدة التي كانت مشهورة على شاطىء الفرات ويقال لها الرقتان. وكانت الرافقة بلدة متصلة بناء بالرقة على ضفة الفرات بينها مقدار ثلاثمائة ذراع وكان على الرافقة سوران بينهما فصيل، وكانت على هيئة مدينة السلام وكان لها ربض بينها وبين الرقة يقال له ربض هرثمة على شاطىء الفرات مدفون فيه يحيى البرمكي وفي هذا الربض كانت أسواق الرقة وكانت الرافقة قد خربت وغلب عليها اسم الرقة ثم بناها عوضا عن الرقة المنصور سنة 155 كبناء مدينة بغداد ورتب فيها جندا من أهل خراسان وجرى ذلك على يد المهدي ولي عهده ثم بنى الرشيد قصورها وبقي بينها وبين الرقة البيضاء فضاء ومزارع ونقل إليها أسواق الرقة علي بن سليمان بن علي حين ولي الجزيرة.
قلت: ومنذ خمسين سنة وزيادة يشتغل الأعراب وغيرهم بحفر محل الرافقة واستقصاء العاديات منها فخرج منها من ذلك ما يعيا قلم الإحصاء بعدّه من الظروف الخزفية والزجاجية وغيرها. ثم حظرت الحكومة الحفر فيها غير أنه لم يزل يستخرج من أرضها بعض عاديات على صفة خفية.
مدينة الرصافة
وفي هذا القضاء مدينة (الرصافة) وتعرف برصافة هشام. كانت مدينة بقرب الرقة وماء أهلها من الصهاريج وفيها آبار سحيقة رشاؤها مائة وعشرون ذراعا وماؤها ملح.
وبينها وبين الفرات أربعة فراسخ. وكان أهلها مشهورين بعمل الأكسية والجوالق والمخالي «2» تحمل إلى سائر البلاد. وكان هشام يفزع إليها من البق في شاطىء الفرات.
وقال الأصمعي: وكان بها دير.
وعن ابن بطلان أن قصر الرصافة حصن دون دار الخلافة ببغداد وفيه بيعة عظيمة ظاهرها بالفص المذهب أنشأها قسطنطين بن هيلانة وتحت البيعة صهريج معقود على أساطين الرخام المبلط بالمرمر مملوء من ماء المطر. وكان سكان هذا الحصن بادية أكثرهم نصارى معاشهم تخفير السابلة. وهذه الرصافة هي التي عناها الفرزدق بقوله:
إلام تلّفتين وأنت تحتي
…
وخير الناس كلّهم أمامي
متى تردي الرصافة تستريحي
…
من الأنساع والجلب الدوامي
ولما قال الفرزدق هذين البيتين قال: كأني بابن المراغة «1» وقد سمع هذين فقال:
تلفّت إنها تحت ابن قين
…
حليف الكير والفأس الكهام
متى ترد «2» الرصافة تخز فيها
…
كخزيك في المواسم كل عام
وكان الأمر كذلك لم يخرم جرير حرفا ولا زاد ولا نقص لما بلغه معناه.
وذكر ابن العديم أن الرصافة كانت بلدة منيعة لأنها في برية ولا ماء عندها ولها سور من الحجر وفي داخلها مصنع كثير الماء من المطر وكان هشام بناها وعمل عليها سورا واتخذها دار إقامته. وذلك أنه لما كثر الطاعون في زمن بني أمية وفشا كانت العرب تنتجع البر وتبني القصور والمصانع هربا منه إلى أن ولي هشام بن عبد الملك فابتنى الرصافة وكانت مدينة رومية قديمة ثم خربت وكان الخلفاء وأبناؤهم يهربون من الطاعون فينزلون البرية فلما عزم هشام على نزول الرصافة قيل له لا تخرج فإن الخلفاء لا يطعنون «3» فقال: أو تريدون أن تجربوا فيّ؟ ثم خرج إليها.
والمشهور أن النعمان بن الحارث بن مارية ذات النطاقين وهو أحد ملوك غسان هو الذي أصلح صهاريج الرصافة وعمل صهريجها الأعظم وكان بعض ملوك غسان خربها ولما استولى التتار على حلب وأعمالها في سنة (658) أمنوا أهل الرصافة وأبقوهم على ما هم عليه. فلما كسر المسلمون التتار ولّى عليها السلطان الملك الظاهر أبو الفتح بيبرس صاحب