الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محلات حلب بألف ومائتي قرش. ومثل هذه الدار في بعض محلاتها المتطرفة ربما كانت لا تزيد أجرتها في السنة على خمسمائة قرش. هذا كله كان قبل حدوث الحرب العامة بقليل، حينما كان الذهب العثماني يعتبر بمائة وسبعة وعشرين قرشا. أما الآن فإن أسعار البضائع المذكورة قد تضاعفت، أي صارت مثلين إذا اعتبرنا الذهب المذكور بمائة وسبعة وعشرين، وإلى أربعة أمثال إذا اعتبرناه بمائتين وثمانين قرشا كما هو معتبر الآن. على أن بعض البضائع ينقص عن هذا المعدل قليلا، وبعضها يزيد قليلا سوى أجور المنازل والحوانيت فإنها تزيد زيادة منكرة لم يسبق لها نظير فإن الدار التي كانت أجرتها السنوية اثني عشر ذهبا عثمانيا تبلغ أجرتها الآن ستين أو سبعين ذهبا. وسبب ذلك كثرة وجود المهاجرين الأرمن وغيرهم المقدّر عددهم بستين ألف نسمة.
أما عظمة حلب واتساعها فحسبنا ما قاله في ذلك باترك روسل: إن مدينة حلب تستحق أن تعد في المملكة العثمانية بعد استانبول ومصر بعظمتهما وإن كانت فوقهما بإتقان البناء والنظافة وحسن المنظر.
وأما منتزهاتها فحسبنا منها ما ذكره الصنوبري في قصيدته التي أثبتناها في ترجمته.
وزد عليها الآن جادة الجسر الجديد وغيره. وأما مبانيها العلمية والخيرية فهي مما لا يضاهيها بذلك مدينة لأنه يوجد فيها من هذه المباني في محلة واحدة ما لا يوجد في غيرها من المدن التي تعد في السعة من مرتبتها. وسيرد عليك في باب الآثار ما تعلم منه صحة قولنا، فقد عددنا في محلة الجلوم فقط نيّفا وثلاثين أثرا، ما بين مسجد وجامع ومدرسة وبيمارستان وتكيّة ومكتب وسبيل ماء.
الأوزان والمقاييس والكيول المستعملة في حلب
الرطل الذي كان مستعملا في حلب منذ خمسمائة سنة أو أكثر يزن (720) درهما ويقسم إلى (12) وقية، كل وقية (60) درهما، كل درهم (16) قيراطا، كل قيراط (4) قمحات. وكان ولم يزل يسمى كل مائة رطل قنطارا. ثم لمّا استولى المرحوم إبراهيم باشا المصري على حلب، ألزم أهلها بأن يستعملوا الحقّة التي تزن أربعمائة درهم، وهي المعروفة في زماننا بالأقّة العتيقة. ونحن نصطلح تسميتها بالحقّة، لكن دراهمها كانت تنقص عن دراهم الرطل الحلبي القديم أربعة في المائة. وبعد انجلاء إبراهيم باشا عن هذه البلاد،
عاد الحلبيون لاستعمال الرطل القديم. حتى حضر إلى حلب من قبل الدولة العثمانية رجل عرف بوقته بالمبايعجي لشراء النقود الذهبية والفضية وتعديل الأوزان، فزاد الرطل الحلبي درهمين في كل مائة درهم منه. وبقي اعتباره سبعمائة وعشرين درهما.
وفي سنة 1264 تقريبا أمر الوالي أن يرجع الناس إلى استعمال الحقّة لتتساوى أوزانهم مع أوزان استانبول. ثم أشار عليه بعض خلصائه أن يرخص للناس باستعمال الرطل لكنه يزيد فيه ثمانين درهما. فيساوي نصفه حقّة فعمل بما أشار به إليه وجعل الرطل ثمانمائة درهم.
وقسمه إلى 12 وقية كل وقية 66 درهما وثلثا الدرهم. واستمر الحال على هذا المنوال إلى حدود سنة 1277 وفيها تصاعدت أسعار النقود في حلب حتى بلغ الذهب العثماني مائة وأربعة وثلاثين قرشا وثلث القرش، والمجيدي ستة وعشرين قرشا وثلاثة أرباع القرش. وعلى هذه النسبة ارتفعت أسعار بقية النقود فأضرت هذه الحالة بالتجارة والصناعة والأجورات، واجتمع التجار وطلبوا من الوالي إرجاع النقود إلى ما كانت عليه وكان سعر الذهب العثماني قبلا مائة قرش، والمجيدي عشرين قرشا. فامتنع الوالي من إجابتهم زاعما أن رجوع أسعار النقود إلى أصلها مع بقاء أسعار البضائع على حالتها الراهنة مما يوجب ضرر الفقراء، قائلا: إن الرأي عندي إذا كان ولا بد من إرجاع النقود إلى أصلها أن يزاد في الأوزان حتى يكسب الفقير من البضائع قدر ما يخسره من النقود. ثم أمر أن يزاد في الرطل مائتا درهم حتى يكون ألف درهم من دراهم أوزان المبايعجي المذكورة آنفا، وأن يقسم هذا الرطل إلى عشرة «1» أواق، كل أوقية مائة درهم من الدراهم المذكورة.
غير أن الحداد الذي عدل هذا الرطل لم يكن ماهرا. ولذا ظهر الخلل في الأوزان مع بعضها وفي القبان بالنسبة إليها.
ودام ذلك إلى زمن تنظيم حالة الولاية في أيام المرحوم جودت باشا. حيث أسس المجلس البلدي الذي يعد تصليح الأوزان من أجل وظائفه. فعيّن حدادا ماهرا وأمره أن يعدل الأوزان على الدراهم التي يزان بها الذهب والحرير وهي تزيد على دراهم المبايعجي درهمين في المائة تقريبا. وعليه بلغ الرطل ألفا وسبعة عشر درهما ونصف الدرهم من دراهم المبايعجي، مع أنه لم يزد على ألف درهم من دراهم الحرير والذهب. وحينئذ استقام الرطل
واستوى درهم الحرير والذهب بدرهم سائر البضائع وعدّل القبان على هذه النسبة واستمر هذا الحال إلى يومنا هذا. وقد جرت العادة أن يتخذوا الأوزان من الحديد والصّفر. وبعض باعة الفحم والحطب وغيرهما من الموزونات الكبيرة الحجم يتخذونها من الحجارة. وقد اصطلح الحلبيون على أن يسموا كل مائة رطل من هذه الأرطال المعروف واحدها بالرطل الجديد قنطارا جديدا، وكل مائتي حقّة تزن 400 درهم من دراهم استانبول قنطارا عتيقا.
وأكثر من يستعمله التجار في أجور نقل البضائع وغيرها.
أما المقاييس المستعملة في حلب، فهي على أربعة أضرب:
الأول: ذراع المعمار أو النجار وهو خاص بالبنائين والنجارين، يستعينون به على أعمالهم، وباعتباره يتقبلون الأعمال مع الناس في فرش الأرض بالبلاط وتعمير الجدران ومجاري المياه وغير ذلك. وهو ينقسم إلى أربعة وعشرين قيراطا ويستعملونه من الخشب ويجعلونه ذا أربعة أضلاع، عرض كل ضلع قيراط منه غالبا.
الثاني: ذراع القماش. وهو دون ذراع المعمار بقيراطين ونصف من قراريطه.
وينقسم إلى نصف، وثلث، وربع، وسدس، وثمن، ونصف الثمن، ويسمى شاهية.
والأتراك يسمونه كراخا. وهذا الذراع ليس من الضبط على شيء إذ قلما يتفق ذراعات ولا يوجد بينهما فرق.
الثالث: ذراع الجوخ وهو خاص بكيل الجوخ. وهو أقصر من ذراع القماش بقليل كما ستعرفه.
الرابع: الهنداسة، وهي خاصة ببعض الخياطين يستعملونها بتفاصيل الثياب وتنقص عن ذراع القماش شاهية، وهي والذراعان اللذان قبلهما يكونان من الحديد. وكل هذه الأذرع قديمة لم نعلم بها تغييرا منذ القدم.
أما الكيول: فإنها كانت قبل سنة 1277 أصغر مما هي عليه الآن إذ كان يبلغ الشنبل ثمانيا وأربعين حقّة، تزن أربعة وعشرين رطلا من أرطال تلك الأيام. فلما زادت الأوزان بعد التاريخ المذكور كما قدمناه، أضيف للشنبل اثنتا عشرة حقّة، فصار يبلغ ستين حقة، تزن أربعة وعشرين رطلا من الأرطال الجديدة. ثم لما تنظمت الولاية وأسس المجلس