الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قضاء قلعة الروم
هذا القضاء يعرف عند الأتراك باسم قضاء روم قلعة ومركزه (وهو خلفتى) في الغرب الشمال من الرها يبعد عنها 18 وعن حلب 38 ساعة وقلعة الروم التي يضاف إليها القضاء واقعة على قمة جبل شامخ والفرات في أسفله وافد عليه من غربيه ملتف عليه كنصف دائرة كأنه خندق له وكانت من المنعة على جانب عظيم وهي مقابل البيرة بينها وبين سمياط وكان بها مقام بطريرك الأرمن خليفة المسيح عندهم ويسمونه بالأرمنية كماغيكوس وكانت هذه القلعة قد انفردت وحدها في وسط بلاد المسلمين واستمرت في أيدي الأرمن ولم يلتفت إليها المسلمون لحصانتها ولقلة جدواها أو لأن المسلمين اعتبروها مكانا مقدسا عند الأرمن فتركوها لهم كما كانوا يتركون لهم البيع والكنائس من بلاد الإسلام.
وهكذا استمرت في أيدي الأرمن إلى سنة 691 وفيها كثر فساد الأرمن منتهزين فرصة اشتغال المسلمين بحروب الصليبيين وغيرها وحينئذ تجهز لهم صاحب مصر الملك الأشرف وسار معه جيش كبير من العساكر قاصدا فتح قلعتهم المذكورة فتوجه إليها ونازلها ونصب عليها المجانيق ودام عليها الحصار حتى فتحت بالسيف يوم السبت حادي عشر رجب، كما حكيناه في حوادث هذه السنة في باب الحوادث. ومن ذلك اليوم دخلت تحت سلطنة المسلمين وبقيت بأيديهم إلى حدود سنة 1250 وفيها انتقل عنها أحد أعيانها المسلمين لفتنة كانت بينهم إلى محل خلفتى الآن وبنى له بها دارا وسكنها وصارت سكان قلعة الروم ينتقلون عنها حتى لم يبق منهم سوى القليل.
وأول من انتقل عنها إلى خلفتى رجل من أعيانها اسمه محمد أفندي لطيف زاده أدركته شيخا طاعنا بالسن صاحب برّ ومعروف بقصبة خلفتى وقد ضفته مدة ولقيت عنده برا وإكراما رحمه الله وهو الذي سعى بتعمير جامعها بعد أن اتخذها وطنا وهي الآن قصبة عامرة واقعة في سفح جبل على ضفة الفرات المتوجهة إلى الجنوب قد اشتملت على جامع ومكتب رشدية ودار للحكومة وفرن ونحو 30 دكانا.
وفي أطرافها كثير من الكروم والبساتين وقضاؤها معمور القرى وافر الغلات مشهور
بكثرة الفستق وجودة الفواكه وشرب أهل خلفتى من عيون منصبة عليهم من الجبال المجاورة لهم وهم كاهل بيره جك يتحامون شرب ماء الفرات خيفة من كثرة الأكل لأنهم يدعون أن ماءها كثير الهضم للطعام. وحكى ياقوت في معجم بلدانه في الكلام على «قلعة الروم» أن كتاغيكوس الذي كان يلي البطارقة في قلعة الروم من قديم الزمان كان من ولد داود على زعمهم وعلامته عندهم طول يديه وأنهما تتجاوزان «1» ركبتيه إذا قام ومدهما ويلفى ذلك في ولده وفي سنة 610 اعتمد اليون بن اليون «2» ملك الأرمن الذي بالبقعة الشامية في بلاد المصيصة وطرسوس وأذنه ما يكرهه الأرمن وهو أنه كان إذا نزل بقرية أو بلدة استدعى إحدى بنات الأرمن وقضى أربه منها في ليلة ثم أطلقها إلى أهلها إذا أراد الرحيل عنهم.
فشكا «3» الأرمن من ذلك إلى كتاغيكوس فأرسل إليه يقول له هذا الذي اعتمدته لا يقتضيه دين النصارى فإن كنت منهم فارجع عنه وإلا فافعل ما شئت فقال أنا منهم وسأرجع عما كرهه البطرك. ثم عاد إلى أمره وأشد فأعادوا شكواه فبعث إليه مرة أخرى إن رجعت عما تعتمده وإلا حرمتك فلم يلتفت إليه. وشكي مرة أخرى فحرمه كتاغيكوس وبلغه ذلك فكشف رأسه ولم يظهر التوبة عما صنع فامتنع عسكره ورعيته عن أكل طعامه وحضور مجلسه واعتزلته «4» زوجة وقالوا هو الدين لا بد من التزام واجبه ونحن معك إن دهمك عدو أو طرقك أمر وأما حضورنا عندك وأكلنا طعامك فلا.
فبقي وحده وإذا ركب ركب في شرمزة «5» قليلة فضجر وأظهر التوبة وأرسل إلى كتاغيكوس يسأله أن يحضر لتكون توبته بمحضره وعند حضور الناس يحلله. واغتر كتاغيكوس وحضر عنده وأشهد على نفسه بتحليله وشهد عليه الجموع فلما انقضى المجلس أخذ اليون «6» بيده وصعد القلعة وكان آخر العهد به وأحضر رجلا من أهل بيته وكان مترهبا فأنفذه إلى القلعة وجعله كتاغيكوس.