الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن الأسر الكريمة في مدينة المعرة أسرة آل الجندي المنسوبين إلى الأسرة العباسية.
جدهم الأعلى الشيخ ياسين قدم إلى هذه البلاد من بغداد بعد حادثة التتار الجنكزيين فأقام في قرية بكفالون وفيها كانت وفاته وتفرق أولاده بعده في حماة وحمص وإدلب وحلب وقرية الشيخ في القصير. ومنهم امتدت سلسلة هذه الأسرة في البلاد المذكورة. وممن عرفناه من أفرادهم في المعرة الأستاذ السيد الشيخ صالح أفندي مفتي هذا القضاء المتوفى في حلب سنة 1311 المدفون في مقبرة الشيخ جاكير كان رحمه الله على جانب عظيم من العلم والعمل واللطف والظرف والسخاء وكرم الأخلاق. وقد خلفه بفتوى بلده نجله المرحوم الشيخ أحمد أفندي ثم ولده الشيخ سعدي أفندي ثم أخوه الأستاذ الشيخ أسعد أفندي حفظه الله.
ومن الأسر الشهيرة في المعرة أسرة آل يوسف وهو الجد الأعلى لهذه الأسرة وكان ذا ثروة طائلة يقال إن مبدأها كان من كنز ظفر به في خان أسعد باشا في المعرة حينما جعل ناظرا على عمارته لأنه كان معروفا بالأمانة والاستقامة وقد وقف على المعرة وقفا عظيما.
وله طاحون في حماة. وأهل هذه الأسرة عندهم نسب يتصل بالعباسيين. وجيه هذه الأسرة الآن السيد الماجد عمر آغا أحد أعيان هذا القضان.
ومن الأسر الشهيرة في هذه البلدة أسرة يقول أفرادها إن نسبهم يتصل بنسب بني الشحنة الذين كان منهم عدة علماء وقضاة في حلب وغيرها. على أن لدى هذه الأسرة مكتبة فيها عدة كتب مخطوطة قد تقرّب صحة دعواهم. انتهى الكلام على قضاء المعرة.
الكلام على دير سمعان وتفسير الدير وما يتعلق به
دير سمعان المتقدم ذكره يقال له أيضا دير النقير وكان في موضع نزه والبساتين محدقة به وعنده قصور وهو الآن من أعمال المعرة على مقربة منها إلا أنه خرب وقبر عمر بن عبد العزيز لم يزل معروفا به يقصده الزوار إلا أن القبر مهمل غير معتنى بشأنه. وقد مر أبو فراس بن أبي الفرج البزاعي على هذا الدير فرآه خرابا فقال «1» :
يا دير سمعان قل لي أين سمعان
…
وأين بانوك خبّرني متى بانوا
وأين سكانك اليوم الألى سلفوا
…
قد أصبحوا وهم في الترب سكّان
أصبحت قفرا خرابا مثل ما خربوا
…
بالموت ثم انقضى عمر وعمران
وقفت أسأله جهلا ليخبرني
…
هيهات من صامت بالنطق تبيان
أجابني بلسان الحال إنهمو
…
كانوا ويكفيك قولي إنهم كانوا
وأهل حمص يقولون إن دير سمعان في ناحيتهم وإن قبر عمر بن عبد العزيز فيه والصحيح أن قبر عمر في دير المعرة. وفي معجم البلدان في الكلام على دير مرّان أنه دير مشرف على كفر طاب قرب المعرة يزعمون أن فيه قبر عمر بن عبد العزيز وهو مشهور بذلك يزار إلى الآن.
وسمعان هذا هو أحد مقدسي النصارى ويقولون إنه شمعون الصفا وله عدة أديرة بنيت على اسمه منها هذا المقدم ذكره وآخر بنواحي أنطاكية على البحر. وعن ابن بطلان أن بظاهر أنطاكية دير سمعان وهو مثل دار الخلافة ببغداد يضاف به المجتازون وله من الارتفاع كل سنة عدة قناطير من الذهب والفضة وقيل إن دخله سنة أربعمائة كان ألف دينار ومنه يصعد على جبل اللكام. ودير سمعان أيضا بنواحي حلب بين جبل بني عليم والجبل الأعلى وهو في جبل سمعان الآتي ذكره.
والدير معناه في اللغة بيت يتعبد فيه الرهبان ولا يكون في المصر الأعظم إنما يكون في الصحاري ورؤوس الجبال فإن كان في المصر كان كنيسة. والديراني صاحب الدير.
قلت: وكان الدير لا يعمر إلا في محال منفردة ثم أجيز بناؤه خارج أسوار المدن. وبعد القرن الخامس عشر للمسيح أخذوا يعمرونها في المدن ومنشأ وجود الزهد والرهبانية في دين النصارى ما كان عند الطائفة الغنوستكية ومتأخري الأفلاطونيين من الترهب والزهد فكان عند اليهود زهاد يسمونهم إيسينية وترابونية يعتزلون الناس ويكلفون أنفسهم الأمور الشاقة ولا يشربون خمرا ولا يأكلون لحما ولا يتزوجون ويسكنون الأماكن المهجورة.
ولما كانت القرون الوسطى من رفع عيسى عليه السلام أخذت مذاهب فيثاغور تمتزج بالديانة النصرانية ومال إليها كثير من عباد النصارى وزهادهم فمن ذلك الوقت أخذوا يعتزلون الناس ويسكنون الخلاء ليتفرغوا للاشتغال بالأمور الإلهية وسموا أنفسهم بالرهبانية. وأول من سن ذلك ماري بولص سنة 250 مسيحية ومن ذلك الوقت أخذت الأديرة تنتشر في عالم النصرانية حتى بلغت عددا عظيما. ثم إن بعض تلامذة ماري بولص
وضع للرهبان قانونا بناه على أربع قواعد أصلية كما كانت عند قدماء الرهبان وهي الخلوة وشغل اليد والصلاة والصوم.
وكان رهبان المشرق منقسمين إلى أربع طوائف إحداها السنوبيتية كانوا جميعا مشتركين في المسكن والمطعم والعمل. والثانية الأرمنية كانت تسكن الأخصاص والمغاير «1» المتفرقة والثالثة الأنخورية كانت تنتقل من صحراء إلى أخرى ويأكلون وينامون في أي محل أدركهم الليل أو لحقهم الجوع. والرابعة السياحة وهي شبيهة بقدماء عباد آلهة الشام من جهة أنهم كانوا يسبحون من قطر إلى آخر ويتجرون بآثار يقولون إنها من آثار القديسين ويتعيشون مما يأتي إليهم من معتقديهم. وما زالت الأديرة في ازدياد وانتظام حتى صارت من أعظم أسباب اتساع التنصر وإحياء الغابات المقفرة والأراضي العقيمة التي عادت أريافا خصبة.
وتقدمت الفلاحة واستوطنت في البلاد المقفرة قبائل عديدة حول أديار «2» وكان الرهبان ينسخون كتب الرومان واليونان المتعلقة بالأزمنة القديمة ويشتغلون في ترجمتها فانتشرت بذلك العلوم عند الأمة النصرانية والتفتت الأفكار إلى احترام الرهبان الذين كانوا مع هذه الفوائد يعيشون من الصدقات التي توضع على الهياكل. ثم في سنة 313 مسيحية صدر أمر قسطنطين بأن يؤذن للكنائس والطوائف الرهبانية أن تتملك الأراضي والعقارات ووقف على كنيسة الحواريين وقفا عظيما. ثم في سنة 221 مسيحية رخص للنصارى بأن يوصوا بأملاكهم للكنائس ففي أقرب وقت اتسعت مداخيل معابدهم حتى جاوزت الحد وحمل البطر والترف الأساقفة على أن يشتغلوا بإدارتها عن أمورهم الدينية وقد عظمت سلطتهم حتى إنهم كانوا يتصرفون بالأرض والقرية الموقوفة عليهم مع أرقّائها أي خدامها.
ثم فرضوا العشر على النصارى مستندين في ذلك إلى الشريعة الإسرائيلية لأنها فرضت على بني إسرائيل أن يأتوا إلى الهياكل بعشر ثمارهم. وما زالوا يتمادون بالتسلط حتى بلغوا منه الغاية. ثم أزيلت الأسباب وصلح شأنهم بعد مشقات يطول شرحها.