الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكلام على الأماكن الشهيرة في هذا القضاء
فمن ذلك:
قنسرين
وهي اليوم خالية من السكان خاوية من البنيان ومحلها غربي حلب إلى الجنوب في بعد مرحلة عنها تقدر بأربعة فراسخ وكانت مدينة كلدانية ثم رومية قديمة يقال لها شالس وقيل سوريا.
وأما سبب تسميتها بقنسرين فهو أن ميسرة بن مسروق مر بها يوما فقال ما هذه فسميت له بالرومية فقال والله لكأنها قنسرين. قال ياقوت: وهذا يدل على أن قنسرين اسم لمكان آخر. قال الزمخشري: وقنسرين نقل من القنسر بمعنى القنسري وهو الشيخ المسن. اه.
أقول: الذي أراه أن لفظة قنسرين سريانية أصلها قنشرين بالشين المعجمة ومعناها قن النسور لأن الياء والنون في أواخر الكلمات السريانية علامة على الجمع كتل نشين وكفر جبين أي تل النساء وكفر الجباب وقد جرت عادة العرب في الكلمات السريانية على أن تقلب الشين سينا فصارت باستعمالهم قنسرين.
وكانت هذه المدينة قاعدة كورة عظيمة بالشام وطولها 39 درجة و 20 دقيقة وعرضها 35 درجة و 20 دقيقة وكانت حلب من بعض أعمالها وكان بها قلعة لها سور متصل بسور المدينة وكانت هي وحمص شيئا واحدا وفتحت صلحا على يد أبي عبيدة بن الجراح سنة (17) وقد روي في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أوحى الله إليّ أيّ هؤلاء الثلاث نزلت فهي دار هجرتك: المدينة أو البحرين أو قنّسرين» . ويقال إن في جبلها مشهدا فيه قبر صالح النبي وفيه آثار أقدام الناقة والصحيح أن قبره باليمن بشيوه وقيل بمكة. ولعل المشهد المذكور من بناء صالح بن علي بن عبد الله بن العباس وربما نسب إلى العيص بن إسحاق.
ولم تزل قنسرين عامرة آهلة إلى سنة 351 وفيها غلبت الروم على مدينة حلب وقتلت جميع من كان بربضها فخاف أهل قنسرين وتفرقوا في البلاد فطائفة عبروا الفرات وطائفة
نقلها سيف الدولة إلى حلب كثّر بهم من بقي من أهلها وأخذت قنسرين بالخراب حتى لم يبق بها سوى خان تنزله القوافل وعشار السلطان.
ثم عمرت مرة أخرى وتراجع سكانها إليها واستمرت إلى سنة 389 فغزاها الروم وخربوها ورحلوا عنها فجاء إليها بنو البصيص التنوخيون من أمراء جبل لبنان وعمروها ثم خربها الروم أيضا عند قصدهم حلب سنة 422 ثم عمرها سليمان بن قتلمش وتحصن بها سنة 479 ثم خربها تاج الدولة تتشق السلجوقي لما قتل سليمان المذكور وفي سنة 564 نقل نور الدين أعمدة سورها إلى جامع حلب وبناها به كما أشرنا إلى ذلك في الكلام على الجامع. ولمحمد بن علي العشائري المتوفى سنة 789 تاريخ سماه تاج النسرين في تاريخ قنسرين بحثنا عنه كثيرا فلم نظفر به.
وكان لقنسرين حاضر له قلعة تشبه قلعة قنسرين جرى بين أهلها وبين أهل حلب قتال فغلبهم أهل حلب وأجلوهم عنها وأخذت بالخراب حتى عادت تلا يزرعه الفلاحون.
وهي على فرسخ من قنسرين وينسب إليها جماعة من أهل الحديث منهم الحافظ أبو بكر محمد بن بركة بن الحكيم المعروف ببرداعس سكن حلب وقدم دمشق وحدث بها وتوفي سنة 328 وكان هذا الحاضر قبل الفتح لتنوخ منذ أول ما تنخوا بالشام «1» ونزلوه وهم في خيم الشعر ثم ابتنوا به المنازل. ولما فتح أبو عبيدة قنسرين دعا أهل حاضرها إلى الإسلام فأسلم بعضهم وأقام بعضهم على النصرانية فصالحهم على الجزية. وكان أكثر من أقام على النصرانية من سليح بن حلوان بن عمران ابن الحاف بن قضاعة وأسلم من أهل ذلك الحاضر جماعة في خلافة المهدي فكتب على أيديهم بالحضرة قنسرين. وقال عكرشة العبسي يرثي بنيه «2» :
سقى الله أجداثا ورائي تركتها
…
بحاضر قنّسرين من سبل القطر
مضوا لا يريدون الرّواح وغالهم
…
من الدهر أسباب جرين على قدر
ولو يستطيعون الرواح تروّحوا
…
معي وغدوا في المضجعين «3» على ظهر