الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويمدحون ذويها ويرقصون لهم ويتخلعون فيعطونهم شيئا من النقود وينصرفون. وهؤلاء الجماعة يقال لهم بيضا بيضا وقد قل ظهورهم في هذه الأيام كالذي قبلهم. ومما اعتاده الأولاد وبعض الشبان في كل أيام العيد أن يتمرجحوا في المرجحونة ويجلسوا في نوع من الدواليب يقال لها القلابة وأن يلعب بعضهم بالميسر المعروف بيانصيب فيخسرون دراهمهم.
ومما اعتادوه في المحلات المتطرفة من البلدة أن يضعوا لكل زائر يزورهم في العيد مائدة فيها من طعام الفطور الذي هو عدة أنواع دسمة وحلوة وحامضة. فربما دار الزائر في يومه عشرة بيوت، وفي كل بيت يتناول شيئا من هذه المائدة فيفضي به الحال إلى الكظّة «1» والتخمة وهذا من أقبح العادات. وقد قل استعمال هذه العادة. ثم بعد فراغ العيد يأخذ الحجّاج أهبتهم ويسافرون ويخرج لكل حاجّ من يودعه فمن المودعين من يرجع من أرض الحلبة «2» ومنهم من يرجع من أرض السبيل المبلّط ومنهم من يرجع من قرية كفر داعل وهكذا حتى إنهم يوجد منهم من يرجع من الاسكندرونة. هذا قبل وجود السكة الحديدية في حلب أما بعد وجودها فالمودعون غالبا لا يتجاوزون بوداعهم المحطة وقليل منهم يتجاوزها إلى غيرها من المحطات فيما بين حلب وطرابلس أو بيروت. وقبل بضعة أيام من عيد النحر يقبل تجار الغنم من كل جانب فيبتاع منها من حقّت عليه الأضحية فإذا كان صباح أول يوم من هذا العيد ابتدأ الناس بالتضحية وتفريق لحمها على المستحقين إلى انتهاء أيام النحر، وبقية العادات في هذا العيد كالذي قبله. هذا ما يستعمل من العادات باعتبار الأشهر القمرية.
ما يستعملونه في الأشهر الشمسية
وأما ما يستعمل منها باعتبار الأشهر الشمسية فهي أنه كان في اليوم التاسع من آذار يخرج كثير من الناس إلى الجهة الغربية من ظاهر حلب كأرض الحلبة وجبل النحاس وجبل الجوشن «3» وذلك ليستنشقوا نسيم الصبا التي تهب وقت حلول الشمس في برج الحمل
كما يزعم بعض المنجمين. وفي الغالب يكون خروج الناس لذلك في الوقت الذي يعينه لهبوب هذا النسيم ميقاتي حلب أو غيره من المنجمين. ومما اعتادوه في هذا الشهر أيضا كثرة خروجهم إلى الجهات المذكورة للنزهة أو إلى بعض البساتين إذ يكون الشجر أخذ بالنور «1» . وفي شهر نيسان تهجر الجهات المذكورة ويقتصر الناس على البساتين طلبا للظل.
وكان يخرج في أوائل هذا الشهر رجل من دراويش إحدى الطرائق ويدور في البلد وهو يضرب بطبلة في يده ويحمل راية صغيرة وينادي باقتراب أوان سفر الزائرين إلى ولي الله الزاهد إبراهيم بن الأدهم ويعين محلا لاجتماعهم في يوم معلوم للمفاوضة في هذا السفر ويذكر الشيخ الذي يترأس عليهم. وكان لبعض العامة اعتناء عظيم في هذه الزيارة إذ يعتقد أنه إذا زار سبع مرات يسقط عنه فرض الحج. وهذا جهل عظيم. وقد بطلت هذه البدعة منذ ثلاثين سنة أو أكثر.
ومما جرت به العادة في هذا الشهر أن يرفع الناس مؤنة سنتهم من الفحم والجبن والسمن وربما أخروا الأخير إلى حزيران. وكان مما اعتاده بعض الناس أن يسافر في الربيع لزيارة الشيخ ريح زاعما أنه يشفى من ريحه. ثم هجرت هذه العادة. ومن العادات التي كانت جارية في نيسان أن يخرج في يوم الأربعاء والخميس كثير من النساء والشبان إلى بساتين جهة الدباغة كبستان قيصر وبربر ويخرجون معهم أنواع المأكولات فيبقون هناك ذلك النهار. وهذان اليومان يقال لأحدهما أربعاء الزوبعة ولثانيهما خميس البيض. ويكونان قبل الأحد الذي هو أول يوم من عيد الفصح. ويعمل في يوم الاثنين بعده ما يعمل في اليومين المذكورين ويقال له اثنين الباعود. ويزعمون أن من لم يخرج إلى النزهة في هذه الأيام الثلاثة لا يأمن سنته من الصداع ووجع الرأس. وقد أهملت هذه العادة أيضا لاستغناء الناس عنها بالخروج إلى المنتزهات في أكثر الأيام.
ومما اعتادوه في شهر هيار إلى أواخر الصيف أن يزور كثير من الناس في البساتين بالأهل والعيال ثلاثة أيام فأكثر وأن ينام معظم من يبقى في حلب تحت السماء وأن يخرج كثير من الأصحاب والأحباب مع بعضهم إلى أحد البساتين فيبقون بها من الصباح إلى المساء
فيفطرون فيها ويتغدون ويتعشون. والنفقة في ذلك إما تبرعا من أحدهم وإما موزعة على كل واحد منهم وتسمى بشماريّة وإما أن يقوم بمثلها في غير يوم كل واحد منهم وتسمى دوريّة. وهذا اليوم يسمونه سيبانة.
ومما اعتادوه أيضا في هذه المدة أن يخرج من الناس عدد كثير للنزهة في جادة باب الفرج أو إلى ظهر القناة في جهة بعاذين أو إلى عين التل والعين البيضاء أو إلى جبل الشيخ فارس أو الشيخ مقصود أو إلى الميدان الأخضر. وكثير من يبقى فيه إلى الليل إذا كانت الليلة مقمرة. وفي هذا الشهر أعني شهر هيار يقع في حلب كساد عظيم على التجار لاشتغال ذوي الزراعة بالحصاد وجمع الزرع ويسمون هذه الأيام أيام عصّة المنجل. ومن أوائل أيلول إلى أواخر تشرين الأول يشتغل الناس باحتكار مؤنة سنتهم من الحنطة والعدس وبقية الحبوب فيسلقون شيئا من الحنطة للبرغل ويشتغلون بدقها وتنقيتها وطحنها وغربلتها ويرفعونها في مخازنها ويحتكرون بقية ما يحتاجونه في شتائهم من البقول والفواكه التي يحفظونها إما بالتيبيس وإما بالماء الموضوع فيه ملح مع رادّة تطفو البيضة على سطحه. قيل إن الحلبيين عرفوا البرغل من التتر المنسوبين إلى جنكزخان حينما استولوا على حلب فإن البرغل كان زادهم في أسفارهم والله أعلم.
ثم إذا دخل تشرين الثاني أخذ الناس أهبتهم للشتاء وشرعوا يسهرون عند بعضهم ليلا، فزمرة منهم يقتصرون في سهرتهم على الحديث المباح كذكر الأكل والشرب والبيع والشراء وأخرى تقتصر على مطالعة بعض كتب الأخبار والتواريخ والفتوحات أو على مطالعة قصة عنتر أو كتاب ألف ليلة وليلة أو القصص الموضوعة المعروفة بالروايات أو كتب الحديث والسير أو أحد التفاسير. وربما اقتصر بعضهم على تلاوة القرآن أو غير ذلك من كتب الأخبار والتواريخ. وقد اعتادوا غالبا أن يجعلوا سهرتهم دورية عند كل واحد منهم أسبوعا مثلا. وفي الليلة الأخيرة منه يعمل صاحب البيت وليمة لهم ويحضر في الليل من يطربهم بصوته أو عوده أو كمنجته أو قانونه أو نايه. وربما أحضر جميع هذه الآلات ويعرف بالنوبة أو أحضر اللاعب بالخيالات ويعرف بالخيالاتي وهو مما لا بأس به لو لم يشتمل كلامه على فحش القول الذي يخل بالآداب ويسيء أخلاق الصغار.
والظاهر أن اللعب بالخيال قديم لا كما يحكيه الخيالاتية أنه من اختراع بعض وزراء الدولة العثمانية فقد حكى ابن حجة في كتابه ثمرات الأوراق ما خلاصته أن السلطان الملك الناصر