الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سيّىء الإنذار على أنه قد يكون في بعض الأطفال بسيطا جدا بحيث لا تكاد تظهر فيهم أعراضه.
حبة حلب
وفي هذا السن أو أقل منه بشهرين يعتري الطفل بثرة يقال لها حبة السنة والبعض يسميها حبة حلب زاعما أنها من خواصها مع أنها غير قاصرة عليها بل هي تظهر في عدة بلاد كالموصل وبغداد وأكثر البلاد التي تشرب من نهري دجلة والفرات وبعض قرى كسروان التي يدعي أهلها أنها انبثّت إليهم من حلب وأنهم يعهدون ابتداء زمن ظهورها فيهم. أما ابتداء زمن ظهورها في حلب فهو غير معلوم ولم أر من صرح به في صفحات التاريخ.
هذه الحبة بثرة جلدية تظهر أولا على هيئة نقطة حمراء كالحة تقرب من الاستدارة شبيهة بلسعة البرغوث. ثم تأخذ بالنتوء والارتفاع حتى تصير على هيئة ثؤلولة ملساء داكنة اللون تنمو رويدا رويدا وقد يختلف نموها من بعض أيام إلى بعض أشهر حتى تزداد خشونة وتقشر أجزاء دقيقة من بشرتها وحينئذ تقل صلابتها ويزيد احتقانها ثم تتقرح ويسيل منها صديد يختلف قواما وطبيعة مع اختلاف اتساعها وغورها «1» إلى أن تؤخذ بالجفاف فيتكون عليها خشكريشة «2» تسقط ثم يتكون غيرها إلى أن تبرأ وتبقي أثرا لا يزال مدة الحياة.
والغالب أن يكون ظهورها في الشهر الرابع من العمر كما ذكرنا آنفا. وقد تتأخر إلى تمام السنة الأولى أو الثانية وأحيانا إلى سن البلوغ وهي لا تقتصر على الحلبيين فقط بل لا بد من ظهورها في الوافدين جديدا على حلب فتسمهم غالبا في الشهر الأول من قدومهم وقد تتأخر للسنة الثانية كما أنها قد تظهر في بعضهم بعد خروجهم من حلب. أما مدة سيرها فهي لا تكون أقل من ثلاثة أشهر ويكثر إلى سنتين وبقاؤها أكثر من ذلك نادر جدا.
وأما أسبابها فقد تأكدت بالملاحظة المدققة أنها غير موروثة ولا معدية بالملامسة إذ أنها قد تعتري الوالدين دون أولادهما وبالعكس. وإذا انتقل الوالدان إلى بلد غير معرض لهذه الحبة فإنها لا تعتري نسلهما في ذلك البلد ولو كانت اعترتهما من قبل. وقد لا تعتري الغرباء
المستوطنين الذين يخالطون الحلبيين ويتقلدون جميع عاداتهم والناس يعتقدون أنها مسببة عن الماء، ولذا يتحامى بعض الغرباء تناول ماء نهر حلب وقناتها شربا ويعتاضون عنه بماء العين البيضاء أو عين التل فيتخلصون من هذه البثرة غالبا.
أكثر ما يكون ظهور هذه الحبة من جسم الإنسان في الأعضاء المكشوفة المعرضة للنور فيكثر ظهورها بالوجه والأنف والأذنين والجفون والساعدين وظهر الكتفين. ويقل ظهورها في الأخمص والساقين. ويندر في مقدّم العنق والصدر والبطن. وأندر من ذلك أن تظهر في باطن الكف والظهر والعجيزتين. وهي تعتري غير الإنسان من الحيوانات كالكلاب والسّنانير «1» وتكون في الأقوياء والضعفاء والمترفهين والفقراء والذكور والإناث على حد سواء. وفي الغالب تكون مفردة وقد تتعدد وربما بلغت ثلاثين حبة متفرقة في جهات مختلفة من البدن يتوالى خروجها فلا يكون ما بين خروج الأولى وما يليها إلا مدة وجيزة وقد تبرأ الأخيرة مع الأولى. والعوام يسمون المفردة منها ذكرا والمتعددة أنثى.
وقد ظهرت هذه الحبة في بعض الخدم والمأمورين الذين رافقوا الملك غليوم إمبراطور ألمانيا في سياحته إلى فلسطين. وبعد أن شاهدهم البروفسور (لابسار) أستاذ الأمراض الجلدية في دار الفنون الطبية في برلين قال: حبة حلب ليست من الأمراض الّتي تستحق الاهتمام وهي تظهر في سكان المناطق الحارة ولا سيما سكان شطوط الفرات ودجلة والعاصي. وشوهدت أيضا في سكان بيسقرا في منتهى جنوب الجزائر وتسمى هناك حبة بيسقرا. وتظهر في سكان السند وتسمى حبة دلهي وهو يرى أنها تتأتى عن لسع نوع من الذباب السيوري. اه.
أقول إن إنذار هذه الحبة جيد لأنها من نوع الحبوب القابلة للبرء. غير أنها تبقي في محلها أثرا مشوها يعظم كلما قربت من الأنف والعين والشفتين. وإذا ظهرت على بعض سلاميات الأصابع فالغالب أن تبطل حركة مفصلها. وهي تستعصي غالبا في ذوي الأمزجة الليمفاوية المستعدين للمزاج الخنازيري والمصابين ببعض الأمراض الجلدية الصعبة كالمرض الزهري والمولدين من أبوين مصابين به.
أما ما تعالج به هذه الحبة فأحسنه أن يبادر إلى مسها بقلم نيترات الفضة متى تأكد ظهورها مسا لطيفا في كل عشرة أيام مرة إلى أن تتقرح وحينئذ تغسل مرتين في النهار بماء زهر البلسان وتنشف وتطلى بزيت الزيتون أو دهن اللوز إلى أن تبرأ. ويوجد لمعالجتها بعض أدهنة مركبة مذكورة في الكتب الطبية فراجعها وبلغنا أن بعض أطباء بلدتنا عول على عملية التلقيح لهذه البثرة كالجدري ومارس هذه العملية مدة فظهر له منها تأثير في بعض الأطفال دون بعض.
ومن الأمراض الكثيرة الوقوع عندنا أمراض الجهاز التنفسي كالحادر والنزلة الحنجرية والتشعّب الرئوي والأزمة، وتكثر في الشتاء وتبدل الفصول وأسبابها كثيرة جدا منها يبس الهواء وقحولته «1» والإقامة في الأماكن الرطبة والإفراط من استعمال التدخين بالتتن والتنبك وكثرة تناول الحوامض وغير ذلك من الأسباب. والله أعلم.