الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حرّان
ومن الأماكن المشهورة في لواء الرّها مدينة حرّان واسمها باللاتينية القديمة قاره وهي من البلاد السبعة القديمة طولها 72 درجة و 30 دقيقة وهي من الإقليم الرابع من الجزيرة وكانت قصبة ديار مضر بينها وبين الرها يوم وبين الرقة يومان وهي على طريق الموصل والشامل والروم. وقيل سميت بهاران أخي إبراهيم لأنه أول من بناها فعربت فقيل حران وذكر قوم أنها أول مدينة بنيت على الأرض بعد الطوفان وكانت منازل الصابئة وهم الحرانيون.
وقال المفسرون في قول إبراهيم عليه السلام: إني ذاهب إلى ربي، أراد حران. وقالوا في قوله تعالى: وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ
هي حرّان. وكان أهلها الأقدمون يعبدون سين وهو القمر وقد هاجر إليها إبراهيم عليه السلام وأقام فيها نحو خمس عشرة سنة وكان فتحها في الإسلام أيام عمر بن الخطاب على يد عياض بن غنم نزل عليها قبل الرها فخرج إليه رؤساؤها وقالوا له ليس امتناعنا عنكم لشيء ولكن امضوا إلى الرها وصالحهم كما قدمناه فصالح أهل حرّان على مثال صلحهم.
وينسب إلى حرّان جماعة من أهل العلم فمنهم صاحب تاريخ الجزيرة أبو الحسن علي ابن علان بن عبد الرحمن الحراني الحافظ المتوفى سنة 355 ومنهم أبو عروبة الحسن بن محمد بن أبي معشر صاحب تاريخ الجزيرة المتوفى سنة 318.
الصابئية
حران هذه هي مدينة الأمة الصابئة. قال المسعودي في مروج الذهب: وللصابئة من الحرانيين هياكل على اسم الجواهر العقلية والكواكب فمن ذلك هيكل العلة الأولى وهيكل العقل وهيكل السنبلة وهيكل الصورة وهيكل النفس. وهذه مدورات الشكل. وهيكل زحل مسدس. وهيكل المشتري مثلث وهيكل المريخ مستطيل وهيكل الشمس مربع.
وهيكل عطارد مثلث الشكل في جوف مربع مستطيل. وهيكل الزهرة مثلث في جوف مربع. وهيكل القمر مثمن. ولهم قرابين يقرّبونها من الحيوانات ودخن للكواكب يبخرون
بها وغير ذلك. قال والذي بقي من هياكلهم سنة 332 هيكل بباب الرقة من حران يعرف بمصلينا وهو هيكل آزر عليه السلام عندهم.
وكان لهم في حران بيت تحته أربعة سراديب اتخذوها لأنواع صور الأصنام التي جعلت مثالا للأجسام السماوية وكانوا يعرضون عليها أطفالهم على كيفية معلومة عندهم فتستحيل ألوانهم فزعا مما يسمعون منها من الأصوات وفنون اللغات بحيل قد اتخذت ومنافيخ قد عملت تقف السدنة من وراء جدر فتتكلم بأنواع من الكلام ويصطادون بذلك العقول ويسترقّون الرقاب.
وهذه الطائفة المعروفة بالحرّانيّين «1» والصابئة فلاسفة إلا أنهم من حشوية الفلاسفة وعوامهم مضافون لخواص حكمائهم إضافة سبب لا إضافة حكمة لأنهم يونانية وليس كل اليونانيين فلاسفة إنما الفلاسفة حكماؤهم. قال: ورأيت على باب مجمع الصابئية بمدينة حران مكتوبا معناه: من عرف ذاته تأله.
وفي تاريخ ابن الوردي أن الصابئة ملة وهي أقدم الأمم ويذكرون أنهم أخذوا دينهم عن شيث وإدريس ولهم كتاب يسمونه صحف شيث فيه ذكر محاسن الأخلاق كالصدق والشجاعة والتعصب للغريب واجتناب الرذائل.
قال ابن الوردي ورأيت صحيفتين من صحف الصابئين ولكنهما عن إدريس، الأولى منها «2» صحيفة الصلاة فمنها أنت الأزلي الذي ترتبط به الرياسات رب جميع المكنونات المعقولات والمحسوسات رئيس البرايا وراعي العوالم رب الملائكة ورؤساء الملائكة منك تنزلت العقول إلى مديري الأرض لأنك السبب الأول أحاطت قدرتك بالكل وأنت الوحدانية التي لا تحدّ ولا تدرك مدبر سلاطين السماء وينابيع النور الدائمة الإنارة أنت ملك الملوك الآمر بالخيرات كلها المتقدم لكل شيء بالوحي والإشارة منك تنبث المخلوقات وبرمزك ينتظم العالم بأسره ومنك النور وأنت العلة القديمة السابقة لكل شيء نسألك أن تزكي نفوسنا وتوفقها لاستحقاق نعمتك الآن وفي كل أوان إلى الأبد يا ظاهر متعاليا عن كل دنس أحلل عقالنا وعافنا من كل مرض وبدل أحزاننا أفراحا بك نعتصم ومنك نخاف
نسألك أن توفقنا لتمجيد عظمتك التي يشار إليها ولا ينطق بها منك الكل وبك يستنير الكل وأنت رجاء العالمين ومعين الناس أجمعين. وفي هذه الصحيفة عبارة لا يجوّز ديننا إطلاقها على الباري تعالى.
وأما الصحيفة الثانية فهي صحيفة الناموس فمنها: لا يجرينّ أحد منكم في معاملة أخيه ما يكره أن يعامل بمثله وإياكم التفاخر والتكاثر لا تحلفوا بالله كاذبين ولا تهجموا على الله باليمين واعتمدوا الصدق حتى يكون نعم من قولكم نعم ولا لا، وتورعوا في تحليف الكاذبين بالله جل ذكره فإنكم تشركونهم في الإثم إذا علمتم منهم الحنث وليكن الأسر في نفوسكم أن تكلوهم إلى الله عالم السرائر فحسبكم به من حاكم يعدل وناطق يفصل لا تلهجوا بهجر الكلام وسوء المقال ولا وتتفاضوا الأضاليل والأباطيل ولا تكثروا الهزل والضحك والهمز واللمز ولا تبدر منكم عند الغضب كلمة الفحش فإنها ترديكم العار والمنقصة وتلحق بكم العيب والهجنة وتجر عليكم المآثم والعقوبة. من كظم غيظه وقيّد لفظه ونظف منطقة وطهر نفسه فقد الشر كله استشعروا الحكمة وابتغوا الديانة وعوّدوا نفسكم الوقار والسكينة وتحلّوا بالآداب الحسنة الجميلة تروّوا في أموركم ولا تعجلوا سيما في مجازاة المسيء إن تكن من أحدكم فرطت وارتكب منكرة فليقع عنها ولا تحمله السلامة منها على المعاودة لها فإنها إن سترت عليه في الدنيا فإنه يفتضح بها على رؤوس الأشهاد يوم الدين.
قال ابن الوردي: وللصابئة عبادات منها سبع صلوات منهن خمس توافق صلواتنا والسادسة الضحى والسابعة في تمام السادسة من الليل ولصلاتهم نية ولا يخلطها المصلي بشيء من غيرها ولهم الصلاة على الميت بلا ركوع ولا سجود ويصومون ثلاثين يوما وإن نقص الهلال صاموا تسعة وعشرين يراعوا في فطرهم وصومهم الهلال بحيث يكون الفطر وقد دخلت الشمس للحمل. ويصومون من نصف الليل الآخر إلى غروب قرص الشمس. ولهم أعياد عند نزول الكواكب الخمس المتحيرة بيوت أشرافها والمتحيرة زحل والمشتري والمريخ والزهرة وعطارد ويعظمون بيت مكة. وبظاهر حران سكان يحجونه ويقولون إن أهرامات مصر أحدها قبر شيث بن آدم والآخر قبر إدريس وهو خنوخ، والآخر قبر صابىء بن إدريس الذي ينتسبون إليه. ويعظمون يوم دخول الشمس الحمل فيتزينون ويتهادون فيه. قال ابن حزم: الدين الذي انتحلوه أقدم الأديان على وجه الأرض
والغالب على الدنيا إلى أن أحدثوا فيه الحوادث فبعث الله إليهم إبراهيم عليه السلام بالدين الذي نحن عليه الآن.
وقال الشهرستاني: والصابئون يقابلون الحنيفيّة ومدار مذهبهم التعصب للروحانيّين «1» كما أن مذهب الحنفاء التعصب للبشر الجسمانيّين أي أنهم يفضلون الملائكة على البشر عكس الحنيفيّة. اه. ما أوردناه من تاريخ بن الوردي.
أقول: وحرّان لم تزل معمورة إلى حادثة تمرلنك وفيها كان خرابها وجلاء أهلها عنها.
وهي الآن قرية صغيرة معظم سكانها عرب مسلمون ليس فيها صابىء واحد قد خلت منهم منذ عدة قرون وينسب إليها من العلماء أبو صالح عبد الغفار بن داود البكري الحراني وكان ثقة من رجال البخاري توفي في مصر سنة 224 وأحمد بن واقد الحراني وأبوه عبد الملك توفي أحمد ببغداد سنة 221 وعمر بن خالد بن فروخ الحراني نزيل مصر المتوفى سنة 229 وهو من رجال البخاري أيضا والحسن بن محمد بن أعين أبو علي الحراني من رجال البخاري وهو شيخ شيخه والحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحراني شيخ مسلم وأبو الحسن ثابت ابن إبراهيم الحراني المتطبب توفي سنة 369 وأبو الفرج عبد المنعم بن عبد الوهاب بن كليب الحراني شيخ العلامة ابن الأثير صاحب تاريخ الكامل وغيره توفي سنة 596 والحاسب الحكيم ثابت بن قرّة الحراني غلب عليه علم الأوائل والفلسفة والطب. والشيخ القدوة حياة بن قيس الحراني الولي الكبير والعالم النحرير توفي سنة 581 ودفن بظاهرها وقبره يزار والإمام الحجة أحمد بن تيميّة الحراني المتوفى سنة 728 وغير من ذكرنا من هؤلاء الأعيان المحترمين الذين لا يحصون كثرة. انتهى الكلام على قضاء أورفه.