الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صلاح الدين أخرج للفاضل من القصر من يعاني الخيال أعني خيال الظل ليفرجه عليه فقام الفاضل عند الشروع في عمله فقال له الناصر: إن كان حراما فما نحضره. وكان حديث العهد بخدمته قبل أن يلي السلطنة. فما أراد أن يكدر عليه فقعد إلى آخره. فلما انقضى ذلك قال له الملك الناصر: كيف رأيت ذلك. قال: رأيت موعظة عظيمة. رأيت دولا تمضي ودولا تأتي ولما طوي الإزار إذا المحرّك واحد. اه. ثم إن هؤلاء المطربين يشتغلون بآلاتهم إلى مضي بضع ساعات من الليل وحينئذ يضع صاحب البيت مائدة تشتمل على الفواكه والجبن والكعك والزيتون ولب الفستق واللوز والزبيب والبرتقال مع السكر المذاب بالماء. ويعرف هذا بالخشاف تحريف خوش آب كلمة فارسية معناها الماء اللذيذ. وإذا لم يولم مساء فإن مائدته يكون فيها علاوة ما ذكر أنواع الحلوى المعروفة بالكنافة والشوربة المطبوخة بالأرز ولحم الدجاج أو الضأن. فإذا أكل القوم ثم المطربون رجعوا إلى ما كانوا عليه من الطرب إلى ذهاب أكثر الليل ثم انصرفوا إلى بيوتهم. وكثير من يحذف النوبة المذكورة ويقتصر على شيخ يقرأ قصة المولد النبوي أو قصة المعراج ويحضر معه ذا صوت حسن ينشد القصائد النبوية في خلال تلاوة إحدى القصتين.
ثم إن النوبة المذكورة والخيالاتي يشتغلون في بعض بيوت القهاوي في أكثر مواسم السنة التي يساعد ليلها على السهر. وكثير من الناس من لا يدخل في سهرة دوريّة بل يلازم بيته أو بيت القهوة أو يسهر عند أحد ذوي البيوتات التي أعدوها لمجالسة الأحباب ومسامرتهم. وهذه السهرة الدورية تكون عند النصارى واليهود وينتقلون فيها كل ليلة إلى بيت. وجلّ ما يمضون عليه سهرتهم هو اللعب بالورق. وأكثر ما يكون في الليالي التي يحتفلون فيها السماع والشرب والرقص على النسق العربي والافرنجي. ثم في الأيام الأخيرة طمى بحر الملاهي في أماكن متعددة أوجدت لذلك خاصة كمراسح الرقص والتمثيل والشرب والغناء والشعوذة وأنواع الخلاعة على صفة يحمر لذكرها وجه الأدب.
ما لا يستحسن من عادات بعض الحلبيين
إن ما أذكره هنا من العادات لا يستعمله من الناس إلا من لا يعبأ به. أما خواص الناس فإنهم يدركون بعقولهم المليح فيأتونه والقبيح فيجتنبونه. ولذا ترى الخواص من كل
ملة في كل صقع وإقليم قد اتحدت مشاربهم وعاداتهم وأفكارهم حتى كأنهم نشؤوا في بيت واحد:
فالعقل فنّ واحد وطريقه
…
أحرى وأجدر، والجنون فنون
فمما لا يستحسن من عادات بعض الناس طول مكثهم في الحمّام. وقبح هذه العادة من حيث ضررها بالصحة. والنساء في ذلك أحق باللوم إذ أن إحداهن تدخل إليه من الظهر ولا تخرج منه إلى قرب العشاء. ومن تلك العادات أيضا استلقاء البعض وانكبابه على وجهه في الحمام وتفريك القيّم بالكيس ظهره وبطنه وأعلاه وأسفله. وهكذا يفعل معه عندما يغسله بالصابون. ولا يخفى ما يكون في ذلك من انكشاف العورة وعبث القيّم بها. وقد نص الفقهاء على كراهة ذلك في كتاب الحظر والإباحة.
ومنها إفراط استعمال النسوة في الحمام طين الطفال المعروف بالبيلون، فهو وإن كان ينعم البشرة ويزيل ما يحدث فيها الصابون من الخشونة إلا أن الإفراط من استعماله قد يحصل منه سد الآذان سيما آذان النساء.
ومنها ما اعتاده بعض الناس من نوم نسائهم عدة ليال عند من يزرنهم من الأهل والأحباب ولا سيما حينما يولد ولد لأحدهم فإنهم يبقين في منزل أبي المولود سبعة أيام متوالية يتكبد فيها مشقة عظيمة ونفقات باهظة عدا ما يلحق النفساء وطفلها من السآمة والملل من ضجيجهن وغواشهن «1» ليلا ونهارا. على أن الواجب الصحي يقضي أن تكون النفساء وطفلها منفردين في خلوتهما مصانة أسماعهما عن اللغط.
أما رجالهن فإما أن يناموا في بيوتهم وإما أن يناموا في بيت الزيارة. ولا يخفى ما في نوم الرجل وحده في بيته من الزحمة والمشقة وأما نومه في بيت الزيارة فهو يوجب المشقة الزائدة على صاحبه لأنه يضطر حينئذ أن يستحضر مفروشا للرجال ومفروشا للنساء ويفرد لكل نوع منهما بيتا على حدته. هذا مع ما يكابده من الزحمة في مغايرة الموائد وعند خروج أحد الفريقين إلى الطهارة والوضوء.
ومنها خروج النساء في الحارات المتطرفة مع الجنازة وهن لابسات أثواب الحداد قد خمشن وجوههن وسودنها بالسّخام باكيات مولولات منتحبات وهي من عادات الجاهلية التي يأباها الإسلام.
ومنها وهي أقبحها اغتيال «1» كثير من ذوي المطامع أطفالا صغارا وبهائم كالحمير والبغال فيخبئونها عندهم طعما في أن يأخذوا عليها من ذويها شيئا من الدراهم فلا يمضي عليك بضعة أيام إلا وتسمع مناديا ينشد ضالة ويعين لمن ردها عليه حلوانا. فكم من والدة تبيت طول ليلتها باكية منتحبة ترجم في ولدها الظنون أو تحسب أن قد أنشبت فيه مخالبها المنون. وكم من فقير ضاع حماره وتعطل عن عمله مدة أيام وخسر الحلوان ونال من القلق والاضطراب ما لا يخفى، ومنها أخذ النسوة العروس من بيت أبيها إلى بيت زوجها وهن يزرغتن في الشوارع مع أن ذلك غير جائز عندنا شرعا وهذه العادة مستعملة عند أهل الحارات المتطرفة فقط أما أهل الحارات الداخلية فقد هجرت عندهم هذه العادة وصاروا يأخذون العروس إلى بيت زوجها بعربات مستورة على وجه مقرون بالأدب والوقار كما قدمنا بيانه.
ومنها استبراء بعض جهلة من المسلمين في الجدران وقد نبه الفقهاء على كراهة هذا العمل نظرا لما ينشأ عنه من انكشاف العورة وتلويث الجدار بالنجاسة مع عدم نقاء المستبرئ لأن الحجر ليس من الجواهر الهشة التي تمتص البول كالفخار والورق الهش وهذه المحاظير كلها إذا كان استبراؤه في جدار يملكه وإلا فعليه مع هذه المحاظير إثم التصرف بمال الغير أو يستأذن من صاحبه فإن كان الجدار وقفا تعذر الإذن.
ومنها تواجد بعض الجهلة في الأذكار ولا سيما في النوبة البدوية فتراهم بعد أن يحضروا ببرهة يهيمون ويصيحون ويضجون ثم يتغامون ويقذفون أنفسهم في حلقة الذكر ويرتجفون وتتشنج أعضاؤهم ويسيل لعابهم فيأتي إليهم قيّم النوبة ويعالجهم على صفة معروفة فيؤوب إليهم رشدهم ويستقيم جسمهم وهذا هيام لم نسمع به في كتب القوم ولا رأينا صدوره من كامل الحشمة والوقار.
ومنها، وهي قبيحة جدا: ليالي الطرب التي يحييها بعض جهلة النصارى فإنهم يجتمعون
زمرة ويبتدئون فيها قبل غروب الشمس بالشرب والدق والغناء لا يفترون ساعة واحدة إلى ضحوة النهار من الغد. وهم في كل هذه المدة يشربون ويتواجدون فيضجون أفرادا وجملة ويصيحون وتعلو أصواتهم ويكثر تصفيقهم ورقصهم ودبدبتهم حتى يقلق أبعد من جاورهم فضلا عمن كان قريبا منهم فيحرمونه لذة الرقاد وببيت طول ليله متقلبا على جمر السهاد. وإذا نهوا عن ذلك قالوا: هي الحرية. ولم يعلموا أن للحرية حدا يجب على المرء أن يقف عنده كيلا يسلب حرية غيره. على أننا لا ننكر أن بعض جهلة المسلمين يفعلون هذه الأفعال الفظيعة في لياليهم إلا أنهم يبتدئون فيها بعد العشاء الأخيرة ويختمونها في أواسط الليل فيتركون لمن كان قلقا بفعلهم مدة طويلة تكفيه للنوم والراحة.
ومنها جمع النقوط والجبوة «1» التي يستعملها بعض المسلمين في مواسم الفرح كما سبقت الإشارة إليهما في الكلام على العادات المستعملة في الأفراح والأتراح.
ومنها اغتسال بعض ضعفاء العقول من النسوة في قصطل علي بك خارج باب النيرب قرب الفجر، من السبت الأول والثاني والثالث من تموز وذلك أنهن يزعمن أن خاصة هذا العمل خلاصهن من المرض في بقية عامهن.
ومن العادات التي لا توازيها عادة بالقبح والإخلال بالصحة استعمال القنواتية الخرق المطروحة في الأزقة وبين القمامات سدادا لكيزان «2» أقنية الماء إذ لا يخفى أن هذه الخرق لا يطرحها أهلها في الأزقة إلا لقذارتها ونجاستها وتلوثها بما تعافه النفس وحينما تستعمل سدادا للماء ينحل ما فيها من جراثيم الأمراض في الماء المشروب فتتفشى بواسطته الأمراض الوبائية كالسل وحمى التيفوئيد.
ومنها تلاعب الأولاد في الطيارات أيام الصيف فيصعدون على الأسطحة ويشخصون بأبصارهم إليها وهي طائرة في الجو فيقع بهم خطر عظيم من سقوطهم إلى الأرض إما لغفلتهم واستغراق أفكارهم وإما بجذب الطيارة إياهم.
ومنها ما يفعله جهلة النسوة في يوم عرفات إذ يجيئون بصبيانهم الصغار إلى الجامع الكبير