الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وماثل دجلة والنيل وال
…
فرات بهاء وحسنا وطيبا «1»
وإن أقبل الصيف أبصرته
…
ذليلا حقيرا حزينا كئيبا
إذا ما الضفادع نادينه
…
قويق قويق أبى أن يجيبا
وتمشي الجرادة فيه فلا
…
تكاد قوائمها أن تغيبا
والاستقاء من هذا النهر في زماننا على ثلاثة أنحاء:
الأول: خليج يعرف بالعدّان، يؤخذ منه ويجرّ عن مأخذه مسافة حتى تنخفض له الأرض ويتمكن من سقايتها.
الثاني: الدولاب المعروف بالغرّاف، يدور بالبقر والبغال والبراذين، وهذا أعم الوسائط.
والثالث: النواعير تدور بنفسها على الماء، وهي أقل الوسائط إذ لا يوجد عليه أكثر من خمس نواعير.
وفي سنة ثلاثة وثلاثمائة وألف أحضرت البلدية من بعض معامل أوروبا مضخة يديرها محرك في قوة ستة حصن، يتحرك بالبخار، نصبتها على النهر في بستان إبراهيم آغا أمام الكتاب، وسلطت ماءها إلى جنينة الناقوس قرب العبارة الجارية في أملاك البلدية، فلم تنجح هذه الآلة لكثرة نفقتها وقلة مائها. هذا وإن الانتفاع بماء هذا النهر شربا وغسلا لا يزال ممكنا حتى يصل إلى الدبّاغة جنوبي جسر باب أنطاكية على غلوة «2» منه وهناك يفسد ماؤه فيحمر لونه من الأصبغة وينتن ريحه ويتغير طعمه من روث الجلود التي تغسل فيه.
جر الساجور إلى قويق
في سنة 713 اجتهد بجر نهر الساجور إلى قويق الأمير سيف الدين سودون النّاصري نائب حلب، فصغّر غدرانه وفتح له جدولا طوله أربعون ذراعا صرف عليه ثلاثماية ألف درهم أكثرها من ماله، فاخترمته المنية قبل إتمامه سنة 714 ودفن بتربته خارج باب المقام.
ولما أتى إلى حلب الأمير سيف الدين أرغون دوادار الناصري سنة 730 نائبا، وبنى مدرسته وتربته التي هي عند باب الحديث تجاه حمام سوق الخيل المعروفة الآن بالشيخ قويق، احتاج إلى ماء عذب يجري إلى مدرسته المذكورة فهندم قناة عظيمة تجري من الساجور وتصبّ في نهر قويق، واستلم ماءها من عند قرية هيلانة من نهر قويق وحرفها إلى قناة حلب، ثم أخذ منها مقدار كفاية مدرسته المذكورة. وقد حفر نهر الساجور ووسع مضيقه وجمع الناس على ذلك بحيث كمل العمل في قرب ستة أشهر بعد تعب زائد وإنفاق مال كثير.
وكان وصول الماء إلى حلب سنة 731 وكان يوم وصوله مشهودا. خرج النائب والأمراء والأعيان لتلقّيه مشيا إلى ظاهر البلد بالتكبير والتهليل، فرحين مسرورين. وفي ذلك يقول القاضي الفاضل شرف الدين الحسيني ابن الريان:
لما أتى نهر الساجور قلت له:
…
ماذا التأخّر من حين إلى حين؟
فقال: أخّرني ربي ليجعلني
…
من بعض معروف سيف الدين أرغون
وقال القاضي الفاضل بدر الدين الحسن بن حبيب الحلبي:
قد أصبحت شهباؤنا تثني على
…
أرغون في صبح وديجور
من نهر الساجور أجرى لها
…
للناس بحرا غير مسجور
والمفهوم من هذا وما أجريته من الاستقصاء أن قناة حلب قبل أرغون هذا كانت تجري من ماء برك الخليل فقط وأن جريان ثلث نهر قويق إليها كان في أيام أرغون لا قبلها أخذه عوضا عن ماء الساجور الذي أجراه إلى قويق ثم انقطع الساجور وبقي جريان هذا الثلث مستمرا. على أن الساجور بعد أن ساقه أرغون على الصفة المتقدم ذكرها استمر يجري إلى نهر حلب حتى حدث بها زلزلة شديدة سنة 940 فتهدمت الجسور التي بناها أرغون وأجرى الماء من فوقها وانقطع الماء. وكان أرغون قد وقف على هذه الجسور لتعميرها وترميمها وقفا عظيما، لكن هذا الوقف قد تداولته أيدي الغصب، وبقي الساجور منقطعا عن نهر حلب.
كان مكتوبا على إحدى عضادات الجامع الكبير ما صورته: لما كان بتاريخ رابع جمادى الآخرة سنة 901 ورد المرسوم الكريم العالي المولوي الملكي المخدومي الكافلي السيفي الأشرفي مولانا الملك الناصر كافل المملكة الحلبية بأن لا يسقى من ماء الساجور الواصل
إلى حلب زرع حاسين وفافين وملعون من يزرع على ماء الساجور زرعا.
قلت: قرية حاسين وفافين في شمالي حلب على بعد نصف مرحلة منها، ونهر قويق يجري من فافين، وقسم منه يجري إلى حاسين بواسطة قود طاحون فيها.
ومكتوبا على عضادة أخرى في الجامع الكبير ما صورته: لما كان بتاريخ سبعة وعشرين جمادى الآخرة سنة 902 ورد المرسوم العالي المولوي المخدومي كافل المملكة الحلبية المحروسة الملك الناصر بإبطال ما كان يؤخذ من وقف نهر الساجور الواصل إلى حلب، وملعون ابن ملعون من يأخذ على جباية الوقف المذكور بارة الفرد، ويجدد هذه المظلمة أو يعين على إعادتها أو يأمر بإعادتها. انتهى.
قلت: ولم يزل الساجور منقطعا عن حلب إلى سنة 1040 فاجتهد هذه السنة بجرّه مرة ثانية رجل من أغنياء الحلبيين يقال له نعسان آغا ووقفت عليه وقفا جيدا من خانات ودكاكين وأفران ودور وغير ذلك مما يقوم بوظيفة عمله إذا توهن، فقال بعضهم يمدحه:
لما أتى حلب الساجور قلت له:
…
كيف اهتديت وما ساقتك أعوان؟
فقال: كانوا نياما عن مساعدتي
…
حتى تيقّظ طرفا وهو نعسان
ولم يزل يجري الساجور إلى حلب حتى امتدت إلى أوقافه أيدي المتغلبين وأخذت جسوره بالخراب شيئا فشيئا حتى تعطلت عن آخرها، وذلك في حدود سنة 1135 وبقي مقطوعا إلى سنة 1150 وفيها اهتمت الحكومة بإعادته فجمعت مالا عظيما من الحلبيين وصرفته على تصليح مجراه القديم فعاد يجري إلى نهر قويق مقدار ربعه في الزمن السابق ولم يلبث غير سنيّات حتى تعطلت مجاريه وانقطع بالكلية كأن لم يكن.
وفي سنة 1287 قل الماء في حلب. ويبست المشاجر فاهتمت الحكومة بجر الساجور إلى حلب وجمعت من الناس نحو مائتي ألف وأحد عشر ألف قرش، وعملت له مجرى غير مجراه القديم حتى استقام العمل على زعم بعض المهندسين. وفي يوم جرّه إلى قويق خرج الناس إلى الملتقى بالطبول والزمور ووقفوا هناك ينتظرون مجيء الماء إلى أن حان المساء فجاءهم مخبر يقول لهم إن العمل لم يكمل بعد فرجعوا بالخيبة. ثم شاع أن نهر الساجور