الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شيخنا شيخ الإِسلام بأن النحاة لم يغفلوه، بل منعوا وروده، وأوّلوا ما ظاهره ذلك، وقالوا في مثل هذا: استعمل الصيغة الدالة على المضي لتحقق وقوعه فأنزلوه منزلته، ويقوي ذلك هنا أن في رواية البخاري (حين يخرجك قومك)(1)، وعند التحقيق ما ادعاه ابن مالك فيه ارتكاب مجاز، وما ذكره غيره فيه ارتكاب مجاز، ومجازهم أولى، لما ينبني عليه من أن إيقاع المستقبل في صورة المضي تحقيقاً لوقوعه، أو استحضاراً للصورة الآتية في هذه دون تلك، مع وجوده في أفصح الكلام، وكأنه أراد بمنع الورود وروداً محمولاً على حقيقة الحال، لا على تأويل الاستقبال (2)!
29 - " أو مُخرجيّ هم
؟ ":
بتشديد الياء المفتوحة، قال القسطلاني (3): لأن أصله مخرجوني، جمع مخرج، من الإخراج، فحذفت نون الجمع للإضافة إلى ياء المتكلم، فاجتمعت ياء المتكلم وواو علامة الرفع، وسبقت إحداهما بالسكون، فأبدلت الواو ياء، وأدغمت، ثم أبدلت الضمة التي كانت سابقة الواو كسرة، وفتحت ياء مخرجيّ تخفيفاً، وهم مبتدأ خبره مخرجيّ مقدماً، ولا يجوز العكس؛ لأنه يلزم منه الإخبار بالمعرفة عن النكرة؛ لأن إضافة مخرجيّ غير محضة؛ لأنها لفظية؛ لأنه اسم فاعل بمعنى الاستقبال، والهمزة للاستفهام الإنكاري؛ لأنه
(1) البخاري: 91 - التعبير (6982).
(2)
فتح الباري: 1: 26.
(3)
إرشاد الساري: 1: 66، وانظر: الكواكب الدراري: 1: 39 - 40، وشرح الزرقاني: 1: 215، وفتح الباري: 1: 26، وطرح التثريب: 4: 196، وعمدة القاري: 1: 29، ومسلم بشرح النووي: 2: 204، وشواهد التوضيح والتصحيح:13.
استبعد إخراجه عن الوطن، لا سيما حرم الله، وبلد أبيه إسماعيل، من غير سبب يقتضي ذلك، فإنه صلى الله عليه وسلم كان جامعاً لأنواع المحاسن المقتضية لإكرامه، وإنزاله منهم محل الروح من الجسد!
فإن قلت: الأصل أن يجاء بالهمزة بعد العاطف، نحو:
{فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95)} (الأنعام)!
وحينئذ ينبغي أن يقول هنا (وأمخرجي) لأن العاطف لا يتقدم عليه جزء مما عطف!
أجيب بأن الهمزة خصت بتقديمها على العاطف تنبيهاً على أصالتها في أدوات الاستفهام، وهو له الصدر، نحو:{أَوَلَمْ يَنْظُرُوا} (الأعراف: 185){أَفَلَمْ يَسِيرُوا} (غافر: 82)!
هذا مذهب سيبويه والجمهور، وقال جار الله وجماعة: إن الهمزة في محلها الأصلي، وإن العطف على جملة مقدرة بينها وبين العاطف، والتقدير (أمعاديّ هم ومخرجيّ هم)، وإذا دعت الحاجة لمثل هذا التقدير فلا يستنكر!
فإن قلت: كيف عطف قوله: (أو مخرجي هم؟) وهو إنشاء، على قول ورقة (إِذ يخرجك قومك) وهو خبر، وعطف الإنشاء على الخبر لا يجوز، وأيضاً فهو عطف جملة على جملة، والمتكلم مختلف؟
أجيب بأن القول بأن عطف الإنشاء على الخبر لا يجوز، إنما هو رأي أهل البيان، والأصح عند أهل العربيّة جوازه، وأما أهل البيان فيقدرون في مثل ذلك جملة بين الهمزة والواو، وهي المعطوف عليها، فالتركيب سائغ عند الفريقين، أما المجوزون لعطف الإنشاء على الخبر فواضح، وأما المانعون فعلى