المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فقولنا هذا، هو الحدّ الأدنى، ولكن فوقه درجات متصاعدة، رسمها - الجامع الصحيح للسيرة النبوية - جـ ٣

[سعد المرصفي]

فهرس الكتاب

- ‌«معالم بدء الوحي في ضوء الكتاب والسنة»

- ‌مقدمة

- ‌حديث بدء الوحي في الميزان

- ‌1 - الحديث:

- ‌2 - مفهوم الوحي:

- ‌والقول الجامع في معنى الوحي اللغوي

- ‌قال القاضي عياض

- ‌وعن الأعمش

- ‌وعن منصور

- ‌قال النووي

- ‌قال القاضي عياض رحمه الله:

- ‌وفي اصطلاح الشرع

- ‌وقد عبّر ابن خلدون عن هذا المفهوم بقوله:

- ‌فالتلقي عن الله تعالى يكون على أنواع:

- ‌3 - ملك الوحي:

- ‌‌‌قال ابن جرير:

- ‌قال ابن جرير:

- ‌وقال الراغب

- ‌قال الشوكاني

- ‌قال ابن جرير:

- ‌قال ابن كثير

- ‌4 - مراتب الوحي:

- ‌الأولى: (الرؤيا الصالحة):

- ‌قال الكرماني

- ‌قال القاضي عياض:

- ‌قال القسطلاني:

- ‌الثالثة: أنه كان يتمثل له الملك رجلاً

- ‌الرابعة: أنه كان يأتيه مثل صلصلة الجرس

- ‌الخامسة: أنه يرى الملك في صورته التي خلق عليها

- ‌السادسة: ما أوحاه الله

- ‌السابعة: كلام الله له منه إليه بلا واسطة ملك

- ‌ذكرها ابن القيّم بقوله

- ‌قال العراقي

- ‌وأما النفث في الروع

- ‌وأما الإلهام

- ‌5 - فلق الصبح:

- ‌وقيل: الفلق:

- ‌وقال ابن حجر

- ‌وقال القسطلاني

- ‌قال القاضي عياض وغيره

- ‌6 - حُبِّب إليه الخلاء:

- ‌قال القسطلاني

- ‌والخلاء

- ‌قال الخطابي

- ‌7 - غار حراء:

- ‌قال العيني

- ‌قال القاضي عياض:

- ‌قال الخطابي

- ‌وقال التيمي:

- ‌وقال الكرماني

- ‌8 - التحنّث:

- ‌قال الكرماني

- ‌قال الخطابي:

- ‌وأقول:

- ‌قال التيمي:

- ‌قال ابن حجر

- ‌وقال ابن الأثير:

- ‌قال عياض:

- ‌وقال ابن هشام

- ‌قال السهيلي:

- ‌9 - الليالي ذوات العدد:

- ‌قال الكرماني

- ‌وقال القسطلاني

- ‌وقال ابن حجر

- ‌قال ابن حجر

- ‌10 - جاءه الحق:

- ‌قال ابن حجر

- ‌11 - " ما أنا بقارئ" ثلاثاً:

- ‌قال القسطلاني

- ‌قال ابن حجر

- ‌12 - " فغطّني حتى بلغ مني الجهد

- ‌قال ابن حجر

- ‌قال النووي

- ‌قال التوربشتي:

- ‌وقال الطيبي:

- ‌قلت:

- ‌قال العراقي

- ‌قال النووي

- ‌13 - يرجف فؤاده:

- ‌قال العيني:

- ‌وقال القسطلاني:

- ‌قال العراقي

- ‌قال النووي:

- ‌14 - " زمِّلوني زمِّلوني

- ‌15 - الرَّوع:

- ‌16 - كلاّ:

- ‌17 - ما يخزيك الله أبداً:

- ‌قال النووي:

- ‌قال ابن حجر:

- ‌18 - وتحمل الكَلّ:

- ‌19 - وتكسب المعدوم:

- ‌20 - وتعين على نوائب الحق:

- ‌21 - فانطلقت به:

- ‌22 - ابن عم خديجة:

- ‌23 - الكتاب العبراني فيكتب من الإنجيل بالعبرانيّة:

- ‌وقد رجح الزركشي

- ‌ونقله ابن حجر وقال:

- ‌وقال الكرماني بعد أن ذكر قول النووي:

- ‌قال ابن حجر:

- ‌24 - يابن عم:

- ‌25 - اسمع من ابن أخيك:

- ‌26 - الناموس الذي نزّل الله على موسى:

- ‌27 - يا ليتني فيها جذعاً:

- ‌28 - إذ يخرجك قومك:

- ‌29 - " أو مُخرجيّ هم

- ‌30 - نعم لم يأت رجل قطّ بمثل مما جئت به إلا عودي:

- ‌31 - وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً:

- ‌32 - لم ينشب ورقة أن توفّي:

- ‌33 - وفتر الوحي:

- ‌34 - أضواء على الأقوال في المراد بالخشية:

- ‌الأقوال في المراد بالخشية:

- ‌أضواء على الأقوال:

- ‌ الجنون

- ‌الكهانة:

- ‌35 - الخشية عند رؤية التباشير:

- ‌36 - جميع الكفار كانوا يرمون رسلهم بالجنون:

- ‌يقول الفخر الرازي

- ‌ويقول الشوكاني:

- ‌37 - رواية في الميزان:

- ‌38 - رد قول الحافظ الإسماعيلي:

- ‌39 - وهم للزرقاني:

- ‌40 - قول القاضي عياض:

- ‌41 - قول النووي:

- ‌42 - رد بلاغ التردي من رؤوس شواهق الجبال:

- ‌43 - البلاغ في الميزان:

- ‌وقال الكرماني

- ‌قال ابن حجر

- ‌44 - رد قول الحافظ الإسماعيلي:

- ‌45 - البلاغ في كتب كثيرة:

- ‌معالم حديث بدء الوحي

- ‌1 - مكانة العلم في رسالة محمَّد صلى الله عليه وسلم

- ‌2 - أوّل مراتب النبوّة:

- ‌3 - كمال البشريّة وميلاد الرسالة:

- ‌4 - خصيصة النبوّة الخاتمة:

- ‌5 - تهافت الملاحدة:

- ‌6 - إيمان النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌7 - أم المؤمنين خديجة أعرف بقدر محمَّد صلى الله عليه وسلم

- ‌8 - صدق الحديث:

- ‌9 - صلة الرحم:

- ‌10 - وتحمل الكلّ:

- ‌11 - وتكسب المعدوم:

- ‌12 - وتقري الضيف:

- ‌13 - الإعانة على نوائب الحق:

- ‌14 - أداء الأمانة:

- ‌15 - فراسة الإلهام:

- ‌16 - العلم سرّ الرسالة:

- ‌17 - أهداف الدعوة:

- ‌18 - فترة الوحي:

- ‌19 - موقف الإمام محمَّد عبده:

- ‌20 - بناء صرح الرسالة الخالدة:

- ‌معالم في طريق الدعوة

- ‌1 - القرآن كلام الله:

- ‌ذلكم هو القرآن الكريم:

- ‌وتطالعنا الآيات القرآنيّة:

- ‌ومرة من بعد مرة نبصر فضل الله ورحمته في ختام تلك الآيات:

- ‌2 - {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ}:

- ‌3 - مكانة التوحيد:

- ‌4 - أثر التوحيد:

- ‌5 - السابقون الأوّلون:

- ‌6 - {قُمْ فَأَنْذِرْ}:

- ‌7 - وصايا قرآنيّة:

- ‌بين البخل والسرف:

- ‌كيف عالج القرآن رذيلة البخل

- ‌إنه علاج يتألّف من ثلاثة عناصر:

- ‌الطهر من داء الحرص والشح:

- ‌فريضة الكسب:

- ‌منابع الكسب:

- ‌أهداف الكسب:

- ‌آداب الكسب:

- ‌اختيار الكسب الصالح:

- ‌نظام البذل والإنفاق:

- ‌اختيار مادة العطيّة:

- ‌مقدار العطاء:

- ‌وجوه البذل:

- ‌أسلوب البذل:

- ‌بواعث البرّ والإحسان:

- ‌طهارة القلوب من الغلّ والحسد:

- ‌طهارة القلوب المنحرفة:

- ‌طهارة القلوب من الشرّ والآنانية:

- ‌الوصيّة الأولى:

- ‌الوصيّة الثانية:

- ‌الوصيّة الثالثة:

- ‌الوصيّة الرابعة:

- ‌8 - سياسة الاستسرار:

- ‌9 - قوّة الإيمان:

الفصل: فقولنا هذا، هو الحدّ الأدنى، ولكن فوقه درجات متصاعدة، رسمها

فقولنا هذا، هو الحدّ الأدنى، ولكن فوقه درجات متصاعدة، رسمها الإسلام، وندب إليها القرآن!

أدناها: ألا يمسك المرء إلا حدّ كفايته، وقدر حاجته هو ومن يعوله، ثم يعمد إلى ما زاد عن هذه الكفاية، فينفقها في التوسعة على الآخرين .. إلى هذه الدرجة السنيّة، يشير القرآن الحكيم:{وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} (البقرة: 219)!

المرتبة الثانية: وهي الدرجة الوسطى: ألا يستأثر على الناس بشيء من ماله، بل يعد نفسه شريكاً لهم كواحد منهم، لهم في ماله مثل ما له فيه، ولا سيما في أيام المسغبة، وإلى تلك الرتبة الإشارة بقوله عظمت حكمته:

{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (الحجرات: 10)!

{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} (التوبة: 71)!

المرتبة الثالثة: وهي أعلاها، أن يؤثر أخاه على نفسه، من دون أن يلقي بيده إلى التهلكة .. تلك هي الدرجة العليا، تسمو إليها الأرواح القدسيّة:{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)} (الحشر)!

فلينظر المؤمن أن يضع نفسه من هذه النازل كلها!

وليعلم أن الله يحب معالي الأمور ويكره سفسافها!

‌وجوه البذل:

وبعد أن وصّانا القرآن الكريم بالبر والإحسان، رسم لنا الخطة المثلى، التي افترضها الله علينا في هذا الإحسان، فأمرنا أن نتخيّر مبرّاتنا من أطيب أموالنا

ص: 825

وأحبّها إليه، لا من أبخسها وأهونها علينا .. ثم لم يترك لنا الخيرة في تقدير الجزء الذي نبذله؛ بل أشار إلى تحديد الحدّ الأدنى منه بحدّين نسبين: حدّ يتبع مقادير أموالنا قلة وكثرة، يتصاعد بتصاعدها!

وحدّ يتبع ضرورات الناس وحاجاتهم، ويقدر بقدرها!

هكذا تبيّنت لنا حدود الواجب في البرّ، سواء من حيث رتبتها وجودتها، أو من حيث مقدارها وكميتها!

وبقيت جوانب أخرى من هذه المبرّات، جديرة بالبحث والبيان!

ولنتذكر قبل كل شيء أن القرآن الحكيم، حين دعانا إلى بذل المال في وجوهه المختلفة، على النفس وعلى الأسرة، وعلى من وراء ذلك من أبناء الأمّة، لم يسوّ بين هذه الأنواع الثلاثة في أسلوب دعوته، ولكنه اختصّ هذا التصرّف الثالث -أعني شؤون المجتمع- فوجّه إليه جلّ عنايته، وجعله وحده هو عنوان الطهر، ومعيار التزكية:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} (التوبة: 103)!

فمن كانت نفقاته محصورة في نطاق حاجاته وحاجات أسرته، ولمن بذل فيهما عن فيض وسعة، فإنه في نظر القرآن، لا يزال منغمساً في حمأة الفرديّة والأنانية، ولن يستحق منه لقب الطهر، حتى يخرج حاله عن هذا النطاق المحدود، وحتى يدخل به في محيط الأسرة الكبرى!

هذه الدعوة العامة إلى كل ذي فضل، أن يمدّ بساط فضله خارج نطاق أسرته!

ص: 826

ترى، كيف كنا نفسرها، لو أن الإسلام وقف في بيانها عند هذا الحدّ المجمل؟!

حسبنا أن نلقي نظرة على أخبار الكرم والكرماء، في كل زمان، بل حسبنا أن نلقي نظرة على أساليبنا العصريّة في الدعوة إلى ولائمنا ومآدبنا، ومظاهر توسّعنا في شتّى الملابسات، ألسنا -حين نفكّر في هذا التوسّع الكريم- يتّجه تفكيرنا إلى من هم على شاكلتنا، من الخلطاء والأصدقاء، أو إلى من نعرف من النابهين والكبراء، ناسين أو متناسين من هم دوننا، ومن هم أحق ببّرنا، من الخاملين والضعفاء؟!

ألسنا -في الأعم الأغلب- نطعم المطعومين، ونحرم المحرومين؟!

فلو تركت لنا الخيرة في أسلوب نشر البرّ، ألا تكون هذه الصورة هي أقرب الصور إلى أذهاننا، وأدناها إلى تحقيق فضيلة السخاء في نظرنا؟!

ولكن الله كان أرحم بالأمّة، من أن يكل شريعة برّها إلى حكم كل امرئ في نفسه، بل كان أرحم بها من أن يكتفي في تشريعها ببيان من رسوله ونبيّه صلى الله عليه وسلم، فسجّلها في كتابه محكمة مفصّلة، جامعة مانعة:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)} (التوبة)!

ثمانية أبواب، حدّدت حاجات الأمّة ومطالبها الرئيسية وفصّلتها تفصيلاً، تناولت به أهمّ شؤون الأمّة، وأهمّ شؤون الدولة، وقالت للباذلين والمنتفعين:

هاهنا فلتولّوا وجوهكم! هاهنا فلتضعوا فضل أموالكم، سداً لتلك الحاجات، وتحقيقاً لتلك المطالب!

ص: 827

ثمانية أبواب، يكفي أن نطلع على بضعة منها، لنعرف كيف اتخذ القرآن الحكيم من هذه الفريضة الاجتماعيّة، أساساً لبيان قومي مثالي، يجمع إلى عناصر القوة والحرمة عناصر الحياة السعيدة، والعيشة الرغيدة!

نعم، يريد الله بهذا التشريع، ألا يكون في بلاد الإسلام فرد واحد إلا وله مسكن يؤويه، وأثاث يرتفق به في مسكنه، وله كسوة للشتاء والصيف، وله مركب وخادم إن عجز عن السعي بنفسه، وعنده فوق ذلك ما يكفي لقوته سنة كاملة!

فمن أعوزه شيء من ذلك، فهو في نظر المحقّقين من الأئمة فقير، له علينا الحق في رفعه إلى هذا المستوى!

فإن لم تف حصيلة الزكاة بإبلاغه إلى هذا الحدّ الأدنى، وجب علينا في حلّ أموالنا، ما نوفر له به هذه المرافق الضروريّة، ثم ما يوفر له قوته أولاً، بتهيئة عمل له، يتكسّب به يوماً بيوم!

فهذا هو سهم الفقراء والمساكين!

ثم يريد الله، ألا يكون في بلاد الإسلام، مدين يرهقه الدَّين -الذي استدانه في حلال- ولم يجد له وفاء، أو مدين يثقله دين تحمّل به في برّ الغير، ولو كان عنده وفاء به، بل علينا أن نؤدّي عن المدينين ما يقضي دينهم!

وهذا هو سهم الغارمين!

ثم يريد الله، ألا يكون ببلاد الإسلام غريب، انقطعت به الأسباب عن بلده وماله، إلا آويناه وأرفقناه، وزودناه ما يبلغه موطنه!

ص: 828