الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْن
…
}!
ثم دونكم قبلة الرجاء والأمل، ففيهما متسع للسائلين:{وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (32)} (النساء)!
طهارة القلوب المنحرفة:
للناس قلوب .. وقلوب .. قلوب مؤتفكة منقلبة .. وقلوب منحرفة كثيراً .. وقلوب منحرفة يسيراً!
قلوب مؤتفكة منقلبة: تطلب الشرّ للغير، ولو لم ينلها منه خير .. إنها تحبَّ الشرّ للشرّ!
وقلوب منحرفة كثيراً: تبتغي لنفسها الخير، ولو من طريق حرمان الغير، فالغاية عندها تبرر كل وسيلة!
وقلوب منحرفة يسيراً: تحبّ لنفسها الخير مع الغير، ولكنها تحطّ جل نظرها عند الخير الأدنى، ولا تتسامى به إلى الخير الأعلى!
هاهنا إذن أزواج ثلاثة، في حاجة إلى الطبِّ والعلاج!
ومن اتخذ القرآن الحكيم إماماً وهادياً، فسوف يجد فيه الطبيب الذي يشخص الداء، والصيدلاني الذي يحضر له الدواء، من كل ما يشكو أو يحاذر!
فأما القلوب المؤتفكة المنقلبة، فتلك هي القلوب المظلمة القاتمة، المنطوية على بغض الخلق، وكراهية الخير لهم، تلك التي لا يعنيها نفع ذاتها، بقدر ما يعنيها ضرر غيرها .. راحتها وهناءتها في أن ترى نعمةً عنك مزالةً، أو محنةً إليك مجلوبةً، أو خيرًا عنك ممنوعاً، أو مصاباً بك نازلاً .. وغيظها وشجوها في
أن يصادفك حظ، أو يحالفك توفيق، أو ييسّر لك أمر، أو يرتفع لك ذكر، أو يساق إليك رزق، أو يجري على يديك نفع!
إن مرض هذه القلوب ليس هو الحسد فحسب، ولكنه مرض مركب، وما الحسد إلا إحدى شعبتيه، حسد في السراء، وشماتة في الضراء، فأصحابه أبداً في همّ، مقيم ملازم، تسوؤهم مسرّتك، وتسرّهم مساءتك، إنهم كما وصفهم الله تعالى:{إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا} (آل عمران: 120)!
إن مرضهم ليس هو الحسد، ولكنه أصل الحسد ومنبته، إنه الغلّ والحقد والضغينة، والغلّ والحقد والضغينة أسماء مترادفة أو تكاد لتلك العداوة الكمينة، التي يمسكها صاحبها في صدره، ويتربّص بها الفرص المواتية، لتنفث سمومها، وترمى سِهامُها!
هل من شأن المؤمن أن يحتفظ بهذا الضغن لأخيه المؤمن؟!
أليس المؤمنون كما وصفهم الله تعالى: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} (الفتح: 29)!
{أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} (المائدة: 54)!
وهل من شأن الإنسان أن يحتفظ بهذا الضغن لأخيه الإنسان؟!
كل بشر يحبّ ويكره، ويرضى ويغضب، ويوالي ويعادي، ولكن العاقل لا يوالي أحدًا جملةً، ولا يُعادي أحدًا جملةً، إنه يحبّ منه شيئاً ويكره شيئاً، يرضى منك عن خُلق ويسخط خُلقاً، يؤيّدك في رأي ويخالفك في رأي غيره، يحبّذ منك قولاً أو فعلاً، وينقم منك قولاً أو فعلاً آخر!
والعاقل يحبّ حبيبه هوناً ما، عسى أن يكون بغيضه يوماً ما، ويبغض بغيضه هوناً ما، عسى أن يكون حبيبه يوماً ما. فكما يجب علينا فيمن نحبّ ألّا نقلب عيوبهم محاسن، حتى نعدّهم خيراً خالصاً، كذلك يجب علينا فيمن لا نحبّ ألا نقلب محاسنهم عيوباً، حتى نتخذهم عدواً خالصًا:{وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا} (المائدة: 8)!
لو كان في العالم مخلوق هو شرّ كله لكي يُعادَى، كان ذلك إبليس وحده، على أن إبليس قد يصدق وهو كذوب (1)!
فلو عادينا من أعماله شيئاً لعادينا صدقه لو صدق؛ لأنه ليس بصديق لنا!
ألا وإن الحكمة ضالة المؤمن يلتقطها أنّى وجدها!
ألا وإن العاقل حليف الحق، ينصر عليه، ويساعد صاحبه، أنّى كان!
هكذا يجب أن نتبيّن مواقع حبّنا وبغضنا في شأن معاملة أعدائنا، فما الظن بأوليائنا؟!
عجباً، كيف يحمل المؤمن لأخيه ضغناً وحقداً، ويبيت له السوء، ويصرّ عليه، ويتربّص به الدوائر، ويبتهج بوصول الشرّ إليه؟!
فكأنه يأنس بخذلان أخيه، ووصول النقمة إليه، ولا يراعي الصالح، ولا يذكر أخوّة الإيمان، التي يشير إليها القرآن الكريم بقوله تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (الحجرات: 10)!
بل لا يذكر الأخوّة الإنسانيّة، التي ذكرها الله في كتابه:{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} (الأعراف: 189)!
(1) انظر: البخاري (2311، 3275، 5010).