الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حديث بدء الوحي في الميزان
1 - الحديث:
ويطالعنا حديث بدء الوحي فيما رواه الشيخان وغيرهما عن عائشة أمّ المؤمنين أنها قالت: أوّل ما بُدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إِلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حُبِّبَ إِليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء فيتحنّث فيه -وهو التعبّد- الليالي ذوات العدد، قبل أن ينزِعَ إِلى أهله ويتزوّد لذلك، ثم يرجع إِلى خديجة، فيتزوّد لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك، فقال: اقرأ، قال:"ما أنا بقارئ"، قال:"فأخذني فغطّني، حتّى بلغ مني الجَهْد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: "ما أنا بقارئ"، فأخذني فغطّني الثانية، حتّى بلغ مني الجَهْد، ثم أرسلني" فقال: اقرأ، فقلت:"ما أنا بقارئ"، فأخذني فغطّني الثالثة، ثم أرسلني فقال:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3)} (العلق)!
فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يَرْجفُ فؤاده، فدخل على خديجة بنت خُوَيْلد رضي الله عنها فقال:"زمّلوني زمّلوني"، فزمّلوه حتى ذهب عنه الرَّوْع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر:"لقد خشيت على نفسي"! فقالت خديجة: كلاّ والله! ما يُخْزيك الله أبداً، إِنك لتصل الرحم، وتَحْملُ الكَلَّ وتُكْسِبُ المعدُوم، وتَقْري الضّيف، وتُعينُ على نوائب الحق! فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العُزّى -ابن عم خديجة- وكان امرأً تنصّر في الجاهليّة، وكان يكتب الكتاب العِبْراني، فيكتب من
الإِنجيل بالعبرانيّة ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخاً كبيراً قد عمي! فقالت له خديجة: يابن عمّ، اسْمَعْ من ابن أخيك! فقال له ورقة: يابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسولُ الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى! فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزّل الله على موسى، يا ليتني فيها جذَعاً، ليتني أكون حيًّا إِذ يُخرجك قومك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أَوَمُخْرجيَّ هُمْ؟ " قال: نعم، لم يأت رجلٌ قطّ بمثل ما جئت به إِلا عودي، وإِن يُدركني يومُك أنْصُرك نَصْراً مُؤَزراً، ثم لم يَنْشَبْ ورقَةُ أن توُفي، وفتر الوحي (1)!
قال النووي: هذا الحديث من مراسيل الصحابة رضي الله عنهم فإن عائشة رضي الله عنها لم تدرك هذه القصة، فتكون قد سمعتها من النبي صلى الله عليه وسلم، أو من الصحابي (2)!
قال ابن حجر: وتعقبه من لم يفهم مراده فقال: إذا كان يجوز أنها سمعتها من النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف يجزم بأنها من المراسيل (3)!
والجواب أن مرسل الصحابي ما يرويه من الأمور التي لم يدرك زمانها،
(1) البخاري: 1 - بدء الوحي (3)، وانظر (3392، 4953، 4955، 4956، 4957، 6982)، ومسلم (160)، وأحمد: 6: 233، وعبد الرزاق (9719)، والبيهقي: الدلائل: 2: 135 - 136، وأبو نعيم: الدلائل: 1: 275 - 277، والآجري: الشريعة: 439 - 440، والطيالسي (1467)، والطبري: التفسير: 30: 161 - 162، وأبو عوانة: 1: 110، 113، والبغوي: شرح السنة (3735)، وابن أبي عاصم: الأوائل (99)، والطبراني: الأوائل: 42، وابن منده: الإيمان (683) واللالكائي: أصول الاعتقاد (1408، 1409)، وابن حبان (33).
(2)
مسلم بشرح النووي: 2: 197.
(3)
انظر ترجمة عائشة رضي الله عنها في كتابنا: حديث بدء الوحي في الميزان: 12.
بخلاف الأمور التي يدرك زمانها، فإنها لا يقال إنها مرسلة، بل يحمل على أنه سمعها أو حضرها، ولو لم يصرح بذلك، ولا يختص هذا بمرسل الصحابي، بل مرسل التابعي إذا ذكر قصة لم يحضرها سميت مرسلة، ولو جاز في نفس الأمر أن يكون سمعها من الصحابي الذي وقعت له تلك القصة، وأما الأمور التي يدركها فتحمل على أنه سمعها أو حضرها، لكن بشرط أن يكون سالماً من التدليس!
ويؤيد أنها سمعت ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم قولها في أثناء هذا الحديث: فجاءه الملك فقال: اقرأ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أنا بقارئ"، قال:"فأخذني .. " إلى آخره!
قال الطيبي (1): الظاهر أنها سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم، لقولها: قال: "فأخذني فغطني".
فيكون قولها: أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم، حكايته ما تلفظ به صلوات الله عليه!
وهذا كما قال ابن حجر: ظاهر في أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرها بذلك، فتُحمل بقيّة الحديث عليه (2)!
(1) الكواكب الدراري: 1: 31.
(2)
فتح الباري: 8: 716، وانظر: عمدة القاري: 1: 209، وإرشاد الساري: 1: 61، وشرح الزرقاني: 1: 209، ويطول بنا الحديث لو حاولنا ذكر الأقوال في حجية مرسل الصحابي، وحسبنا ما جاء في علوم الحديث لابن الصلاح: 56، والتقييد والإيضاح لما أطلق وأغلق من كتاب ابن الصلاح للعراقي: 80، والنكت على كتاب ابن الصلاح لابن حجر: 2: 570 - 571، وتوجيه النظر: 2: 561، وتدريب الراوي: 1: 207 وما بعدها، وقواعد التحديث: 148، وهدي الساري: 350، وجامع التحصيل: 36 وما بعدها.