الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والذي عندي أن هذه الزيادة خاصة برواية معمر، فقد أخرج طريق عقيل أبو نعيم في مستخرجه من طريق أبي زرعة الرازي، عن يحيى بن بكير شيخ البخاري فيه في أول الكتاب بدونها، وأخرجه مقروناً هنا برواية معمر، وبيّن أن اللفظ لمعمر، وكذلك صرح الإسماعيلي أن الزيادة في رواية معمر!
وأخرجه أحمد، ومسلم، والإسماعيلي، وغيرهم، وأبو نعيم أيضاً من طريق أصحاب الليث عن الليث بدونها!
ثم إن القائل (فيما بلغنا) هو الزهري!
ومعنى الكلام أن في جملة ما وصل إلينا من خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه القصة، وهو من بلاغات الزهري، وليس موصولاً!
وقال الكرماني
(1): (فيما بلغنا) أي في جملة ما بلغ إلينا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن قلت: من ها هنا إلى آخر الحديث يثبت بهذا الإسناد أم لا؟ قلت: لفظه أعم من الثبوت به أو بغيره، لكن الظاهر من السياق أنه بغيره!
قال ابن حجر
(2): ووقع عند ابن مردويه في التفسير من طريق محمد ابن كثير عن معمر بإسقاط قوله (فيما بلغنا)، ولفظه (فترة حزن النبي صلى الله عليه وسلم منها حزناً غدا منه) إلى آخره، فصار كله مدرجاً على رواية الزهري، عن عروة، عن عائشة، والأول هو المعتمد!
وذكر القسطلاني قول ابن حجر مجملاً، ثم ذكر قول عياض، وقال (3): وحاصله أنه ذكر أنه غير قادح من وجهين:
(1) الكواكب الدراري: 24: 97.
(2)
فتح الباري: 12: 359 - 360.
(3)
إرشاد الساري: 10: 122، وانظر: 7: 427، وشرح الزرقاني: 1: 216.
أحدهما: فيما يتعلق بالمتن من جهة قوله (فيما بلغنا) حيث لم يسنده، وأنه لا يعلم ذلك إلا من جهة المنقول عنه!
والثاني: أنه أول الأمر، أو أنه فعل ذلك لما أخرجه من تكذيب قومه، وفيه بحث؛ إذ عدم إسناده لا يوجب قدحاً في الصحة، بل الغالب على الظن أنه بلغه من الثقات؛ لأنه ثقة، لا سيما ولم ينفرد بذلك .. وروينا أيضاً من طريق الدولابي مما في سيرة ابن سيد الناس، عن يونس بن عبد الأعلى، عن ابن وهب، عن يونس ابن يزيد، عن الزهري، عن عائشة: الحديث، وفيه:(ثم لم ينشب ورقة أن توفي، وفتر الوحي فترة، حتى حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا) إلى آخره (1)، فاعتضدت كل رواية بالأخرى، وكل من الزهري ومعمر ثقة، وعلى تقدير الصحة لا يكون قادحاً كما ذكره عياض، لكن بالنسبة إلى أنه في أول الأمر، لاستقرار الحال فيه مدة، بل بالنسبة إلى ما أخرجه من التكذيب، إذ لا شيء فيه قطعاً، بدليل قوله تعالى:{فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6)} (الكهف)!
أي قاتل نفسك أسفاً!
قلت: هو مجرد احتمال، يرده صريح قوله:(فيما بلغنا) كما يرده حذفه؛ لأنه يكون مدرجاً كما قال ابن حجر!
وقال الدكتور أبو شهبة (2): هذه الرواية ليست على شرط الصحيح؛ لأنها
(1) عيون الأثر: 1: 85.
(2)
السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة: 1: 265 - 266 بتصرف، وقد ذكر في بيان أن هذه الرواية موهمة أحاديث لم تسلم أسانيدها من الضعف، لم نذكرها حتى لا نخرج عن موضوع حديثنا!
من البلاغات، وهي من قبيل المنقطع، والمنقطع من أنواع الضعيف، والبخاري لا يخرج إلا الأحاديث المسندة المتصلة برواية العدول الضابطين، ولعل البخاري ذكرها لينبهنا إلى مخالفتها لما صح عنده من حديث بدء الوحي الذي لم تذكر فيه هذه الزيادة!
وقال: وأيضاً فإن ما استفاض من سيرته صلى الله عليه وسلم يرد ذلك، فقد حدثت له حالات أثناء الدعوة إلى ربه أشد وأقسى من هذه الحالة، فما فكر في الانتحار بأن يلقي نفسه من شاهق جبل أو يبخع نفسه!
وقال: ونحن لا ننكر أنه صلى الله عليه وسلم قد حصلت له حالة أسى وحزن عميقين على انقطاع الوحي، خشية أن يكون ذلك عدم رضا من الله، وهو الذي كان يهون عليه كل شيء من لأواء الحياة وشدائدها ما دام في سبيل الله، وفيه رضا الله!
وقال: وليس أدل على ضعف هذه الزيادة وتهافتها من أن جبريل كان يقول للنبي صلى الله عليه وسلم كلما أوفى بذروة جبل: (يا محمد، إِنك رسول الله حقاً) وأنه كرر ذلك مراراً، ولو صح هذا لكانت مرة واحدة تكفي في تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم وصرفه عما حدّثته به نفسه كما زعموا!
وقال الدكتور موسى شاهين (1): هذه الرواية تتعارض مع ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الإيمان الكامل، واليقين المطلق الذي لا تزعزعه الكوارث، والذي يستبعد معه التفكير في الانتحار، مهما كانت أسبابه ودواعيه .. ثم قال: والذي أستريح إليه أن هذه الزيادة من رواية معمر، وأن هذا التصور من بلاغات الزهري، وليس موصولاً، فلا نثبت ما يتنافى والطبع السليم!
(1) فتح المنعم: 2: 2: 337.